تحقيقات وتقارير سياسية

مرافعة بوتين في خطاب الغطرسة

 

إشهار فلاديمير بوتين خطابه المتغطرس، حول القوة التي تتمتع بها بلاده، من امتلاك الصواريخ والطائرات والقنابل النووية، وقدرتها على تدمير أي منطقة في العالم، إلى التباهي بتجربة الأسلحة على الشعب السوري، نلمس فيه غطرسة روسية تتعدى السلوك العسكري والسياسي، تُبرز تباهيًا مماثلًا لتلك الغطرسة، عكسته سابقًا تصريحات مسؤولي الكرملين من وزارة الدفاع إلى الخارجية، وبقدر ما تبعث هذه التصريحات الشفقةَ في نفوس المتباهين بعضلات موسكو من الممانعين العرب، تبعثُ على التقزز والاحتقار في نفوس السوريين؛ إذ أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن “العملية الشاملة في الغوطة الشرقية باتت ضرورية، ولا مفر منها”. وهي تذكرنا بتصريحات الناطقين باسم خارجية واشنطن وتل أبيب لتغطية غطرسة القوة والوحشية.

مرافعة القوة والعنجهية التي قدمها بوتين، في خطاب التباهي بأسلحة الدمار والموت، من الممكن أن تبعث “القلق” في نادي التسلح العالمي، لكنها لن تستطيع صياغة “حق القوة” فوق الأرض السورية، بالاعتماد على منجزات فاشية وتدميرية، هي خلاصة ما تنجزه عقلية المافيا الحاكمة، والعاجزة عن فرض سباق أخلاقي وإنساني داخل مجتمعها، للتبجح بتسويقه خارج القيصرية التي يحلم بها قادة الكرملين، والتي دفعتهم إلى ممارسة إمبريالية روسية جديدة من البوابة السورية والأوكرانية وغيرها.

من الصعب العثور على رقعة أخلاقية، في مرافعة بوتين للغطرسة التي قدّمها للعالم مفتتحًا برنامجه الانتخابي بتسويق أدوات جريمة، يتباهى بأنها تستطيع تدمير وقتل ملايين البشر، واستطاعت أن تقتل عشرات الآلاف من السوريين، ومن الصعب أيضًا على تلك الرقعة الأخلاقية المفقودة أن تؤسس لأمر واقع غير وحشي وغير إنساني. يتناسى قيصر موسكو، في مرافعة تضخم عضلاته، التاريخ الحديث للغطرسة السوفيتية من جمهوريات وملايين البشر التي كانت تخضع للحقبة الشمولية، وهي لن تعود أبدًا، بعد الانهيار والفشل الأخلاقي والتاريخي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، الذي استمر سبعة عقود من احتلال، انتشر على رقعة جغرافية واسعة.

هناك شبه إجماع، على أن موسكو تستطيع أن تفرض احتلالًا شاملًا على عموم  سورية، يتعدى احتلال قرار طاغية قصر المهاجرين وقراراته السياسية والعسكرية، لكنه لن يجبر السوريين على التسليم به وبالطاغية، خصوصًا بعد “اجتهاد” موسكو، لاستئصال صمود السوريين في مناطقهم، واتباع حرب الإبادة ضد المدنيين الذين باتوا يشكلون عداء أزليًا للطاغية ولجرائم موسكو، ومن الصعب التكهن بوجهة سير المرحلة الجرمية والوحشية التي يبشر بها بوتين من تجربة نشر الموت والدمار في سورية، ومضيه في تطبيق نماذج الإبادة الكبرى في الغوطة، تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي يحاول التكيف مع معطيات الاحتلال الروسي، كأحد أشكال المحاولة لإنقاذ الطاغية بشار الأسد وتوطيده بالجرائم.

إمكانات موسكو ستكون أسوأ في المستقبل السوري أو بعد حروب أخرى. لسبب بسيط: إذا هزمت موسكو في سورية؛ فستندحر أحلام القيصرية وتتهاوى، وإذا “انتصرت”؛ فإنها ستفشل فشلًا كبيرًا في إعادة سورية لحكم الطاغية، وهو ما سيزيد من المأزق التاريخي الذي تحاول تغطيته بمرافعة القوة الخائبة، والخالية من أي أهداف غير إقليمية وغير عسكرية.

يعرف السوريون أن مرافعة القوة الروسية، ليست موجهة لإعادة حقوقهم، ولا لنصرتهم على طاغية، ولا لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، أي أنها لن تعيد لهم أرضًا محتلة، ولن تكسبهم حرية ينشدونها. هذا الخطاب الاستعمالي للمجتمع الدولي يخدم عكس ما ينشده السوريون والعرب، ويخدم المحتل والطاغية.

عنجهية موسكو، وخطاب بوتين، يبرعان في إشهار الابتذال السياسي الذي طفح أكثر من غيره، في مناطق أخرى من العالم المنافق، للمذبحة السورية والجريمة الروسية التي يتم تعليبها، في مصانع الإعلام الروسي والأسدي؛ لتصب في مجرى واحد مؤداه إنكار ثورة الشعب السوري، وتصوير الأمر بمحاولة هزيمة “الإرهابيين”، وذلك بعد أن ثبت لموسكو وطاغية سورية أن الشعب السوري، الذي نذر نفسه للتضحية والثورة على حكم الأسد، أسقط الذرائع والتهم والتشويهات المتعمدة، وعرّى أبرز المرتكزات التي يتكئ عليها خطاب وسلوك مافيا موسكو وطاغية دمشق.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق