إذا سألت سوريًا ضد النظام: هل ندمتَ على مشاركتك في الثورة أم لا؛ فهل يمكن أن يجيب بنعم أو لا؟
هذا ليس سؤالًا، ولا يمكن أن يكون له معنى، وهذا بالضبط ما يريده طارح السؤال: أن يطرح استفسارًا لا جواب حقيقيًا له؛ لأن الموقف من الثورة اليوم لم يعد مشاعر طيبة فقط، ونعرف أن المشاعر لا تصنع سياسة، ولا تُنتج إعلامًا حقيقيًا.
هل ندمت على مشاركتك في الثورة؟ ليس أكثر من تشتيت الانتباه، بسؤالٍ لا جواب مختصرًا له اليوم، ولكنه يداعب العواطف السلبية منها والإيجابية، لتشتيت الانتباه عن سؤال آخر ذي معنى: لماذا وقفت ضد النظام السوري؟
اليوم، بتنا نعرف أن إغراقنا في الشعارات لا يحمل نية طيبة، وبتنا ندرك أيضًا أننا -المعارضة- ماتت أحلامنا واحدًا تلو الآخر، ولا نحمل في جعبتنا انتصارًا واحدًا نتباهى به، والسبب بديهي، إنه الإخفاقات الهائلة للمعارضة السياسية والعسكرية على الأرض، والحالة المغرقة بالمأساة التي وصل إليها السوريون المنتشرون على طول الأرض وعرضها.
إخفاقات سياسية بدأت مع فقدان المعارضة كرسيَّ سورية في الجامعة العربية، وانكشفت عورتها بالكامل، مع العجز الكامل عن أي فعل حيال ما يحدث في الغوطة اليوم، وإخفاق عسكري مدوّ بدأ بخذلان خسارة المناطق بسرعةٍ فاجأت النظام نفسه، ومرت بالعديد من المحطات، من تحولهم إلى وظيفة عرّابي الاتفاقات، إلى المشاركة في تهجير السكان وتجميعهم في مدينة إدلب، وتسليم المدن واحدة تلو الأخرى، والاقتتال بينهم على مجموعة مكاسب، وصولًا إلى تطبيل قيادات للاتفاق مع روسيا والتضييق على السكان، وخنق الإعلام في المناطق المسماة “محررة”، وأخيرًا خسارة آخر المعاقل الحقيقية للمعارضة، بناسها وأرضها، فلا هواء يتنفسه الناس إلا المحل بالموت، ولا طير ينجو، ولا مئذنة ترفع الأذان، الغوطة الشرقية التي تباد على مرأى ومسمع العالم، والمعارضة والفصائل واللاجئين والمهجرين.
بعد هذا كله، وبعد أن بات سؤال الندم أو عدمه ليس أكثر من فخ؛ ما رأيكم بأسئلة مثل، من هو النظام السوري؟ من نحن؟ وأين أصبحت الشعارات التي رفعها السوريون في أول أيام الثورة في سورية، أين وصلت الآن جملة “حرية للأبد”؟
لا يجتمع اليوم سوريّان على جواب واحد للأسئلة السابقة، ولا يجتمع سوريّان اليوم على بياض صفحة أو سواد صفحة قناة إعلامية أو صحيفة أو شخصية اعتبارية، حتى إنهما لن يتفقا على تعريف الحرية: أهي “حرية للأبد” أم أنها “حرية قاتلة”.
نختلف على كل شيء، على طريقة كتابة اسم بلدنا “سوريا، سورية”، على مكان انطلاق الثورة “دمشق، درعا”، على تخوين أو لا تخوين كل من يخالفنا الرأي، على الذهاب أو عدم الذهاب إلى أستانا، على ضرورة الإبقاء على جسد الائتلاف المعارض ولو في غرفة العناية المشددة، على الموافقة على سوتشي أو الرفض.
بدأ السوريون يسألون أنفسهم، كيف سيُثبتون للعالم أنهم لم يقوموا بالثورة ليموتوا، وكيف سيقنعون الإعلام بأنهم شعب خرج لينادي بالحرية، فتحول إلى شعب يموت على مدار الساعات، دون أن يرف جفن للعالم الذي يشاهد، وأنهم -السوريين- أناس كانوا عاديين، يحبون ويكرهون ويغارون ويخطئون ويصيبون، وأصبحوا اليوم أناسًا غاضبين مظلومين.