نشرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية، في بداية شباط/ فبراير 2018، تقريرها الدوري بشأن ممارسات أطراف النزاع في سورية، التي تتسم بانتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان. وقد عاودت اللجنة التأكيد في متن التقرير على جملة من الحقائق المتضمنة في تقاريرها المتتالية، منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، والتي تثبت حجم المعاناة التي لحقت بالسوريين منذ عام 2011، حيث تسببت الحرب بمقتل مئات آلاف المدنيين، وتهجير ما يزيد عن نصف السكان داخل وخارج سورية، فضلًا عن أن هنالك ما يزيد عن 13 مليون سوري، هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
استند تقرير اللجنة الأخير إلى مقابلات أجرتها اللجنة مع 513 شخصًا، من الضحايا والشهود من المقيمين داخل مناطق سيطرة النظام والمجموعات المسلحة. ويغطي التقرير الانتهاكات الجسيمة في سورية، من تموز/ يوليو 2017 إلى كانون الثاني/ يناير 2018، كاستهداف المدنيين، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والاختفاء القسري، والعنف الجنسي، والمشردون داخليًا، وظروف الحياة ومعاناة المدنيين داخل المناطق المحاصرة من قبل أطراف النزاع، واستخدام مواد الإغاثة الإنسانية كوسيلة حرب، من خلال منع وصولها إلى المناطق المحاصرة، في سبيل إرغام المدنيين على الاستسلام أو الموت جوعًا. كما بيّن التقرير حجم الدمار الذي لحق بالبنى التحتية، ومن ضمنها المدارس والمستشفيات والأسواق، من جراء استهدافها بالقصف العنيف والعشوائي، باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، حتى الأسلحة المحرمة دوليًا، وعمليات التخريب المتعمد للبنى التحتية من قبل جميع أطراف النزاع.
وبالرغم من تأكيد اللجنة أن تدخل مختلف الرعاة الدوليين والإقليميين قد أدى إلى تصعيد النزاع في سورية وإطالة أمد الحرب، فإنها امتنعت عن مقاربة أسباب ودوافع تدخل القوى العظمى والإقليمية –المباشر وغير المباشر– في سورية. أما واقع الحال فيدلل قطعيًا على أن سورية قد أضحت، منذ سنوات خلت، مسرحًا للقوى العظمى والإقليمية لإدارة النزاعات فيما بينها وحماية مصالحها، من دون إيلاء أدنى الاعتبارات لحياة السوريين ووحدة سورية.
كررت اللجنة توصياتها للمتحاربين، بشأن ضرورة الوفاء بالتزاماتهم القانونية المتمثلة باحترام القانون الدولي الإنساني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ووقف كافة أشكال الانتهاكات، وتحديدًا استهداف المدنيين والقصف العشوائي للمناطق السكنية، ووقف استخدام الحصار كوسيلة للحرب، وتخفيف معاناة المدنيين، من خلال تأمين وصول مساعدات الإغاثة الإنسانية لملايين السوريين ممن هم بأمس الحاجة إليها. كما طالبت اللجنة المتحاربين، بالوقف الفوري لكافة أعمال القتل والتصفيات خارج نطاق القانون، ووقف الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري، والكشف عن مصير الأشخاص المعتقلين لديهم.
تضمن التقرير توصيات للمجتمع الدولي، ومختلف المنظمات الدولية والإنسانية، ومنظمات حقوق الإنسان، يحثها على مساندة الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، في مجال جمع الأدلة بشأن الانتهاكات الجسيمة والجرائم الخطيرة المرتكبة من قبل أطراف النزاع، في سبيل تحقيق العدالة الجنائية ومساءلة مرتكبي الجرائم الخطيرة من كافة الأطراف. وقد تضمن تقرير اللجنة أيضًا جملة من المقترحات لمجلس حقوق الإنسان، لاعتمادها مبادئ من أجل التخفيف من وطأة الحرب، وصولًا إلى وقفها والبدء في عملية إقرار سلام مستدام في سورية. ومن هذا المنطلق، أوصى تقرير اللجنة كافة الأطراف المتحاربة بما يلي:
- الوقف الفوري لكافة الهجمات العشوائية والمتعمدة التي تستهدف المدنيين والمناطق السكنية، ووقف كافة أشكال الممارسات التي تنتهك قواعد القانون الدولي الإنساني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، كالاعتقال التعسفي والتعذيب وإساءة المعاملة أو المعاملة المهينة أو الحاطة بالكرامة، وعمليات الإعدام أو التصفية خارج نطاق القانون أو بإجراءات موجزة، والاعتداءات الجنسية والعنف الجنسي وكافة أشكال العقاب الجماعي، ومن ضمنها فرض الحصار على السكان المدنيين.
- السماح بشكل فوري للمنظمات الدولية ومنظمات الإغاثة الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان والمراقبين الدوليين، وتحديدًا ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالوصول إلى كافة المناطق في سورية، من أجل التحقق من مصير الأشخاص المحتجزين وضحايا الاختفاء القسري، وإنشاء آلية فعالة تتولى مهمة الإفراج السريع عن كافة المحتجزين.
- الكشف عن جميع أماكن الاحتجاز، حتى السجون السرية لدى الأطراف، وتحضير قوائم بأسماء المحتجزين، والإفراج عن الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، وفق آلية فعالة يتم التوافق عليها بين الأطراف، بمساعدة خبراء دوليين.
- مساءلة مرتكبي الجرائم الأشد خطورة، وتحديدًا تلك التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة، وعدم تمكين المتهمين بارتكاب الجرائم من الإفلات من العقاب، بموجب أي تسوية مستقبلية.
- إنهاء كافة أشكال الحصار المفروضة على المناطق السكنية، والالتزام بعدم اللجوء إلى سياسة الحصار في المستقبل، والسماح لمنظمات الإغاثة الإنسانية بالدخول إلى المناطق المحاصرة وتقديم المساعدة للسكان المحاصرين.
- تسهيل عودة جميع السوريين –اللاجئين والنازحين- الذين اضطروا قسرًا إلى ترك أماكن إقامتهم من جراء الحرب، ومن ضمنهم اللاجئون والمشردون داخليًا، وحماية حقوقهم في الملكية.
وأخيرًا، تضمن التقرير توصيات للمجتمع الدولي، تقضي بضرورة إيجاد آلية مستقلة للتحري عن مصير الأسرى والمفقودين والأشخاص ضحايا الاختفاء القسري، والتنسيق بين مختلف وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان لمساعدة ضحايا النزاع المسلح في سورية، والوصول إلى كافة المناطق داخل سورية، والمساعدة في أعمال الإغاثة الإنسانية، وإعادة الإعمار، ومراقبة احترام حقوق الإنسان.