قضايا المجتمع

مؤتمر “دعم مستقبل سورية” والحاجة إلى استراتيجيات جديدة تدعم صمود السوريين

 

ينعقد في بروكسل، يومي 24 و25 نيسان/ أبريل[1]2018 المقبل، المؤتمر الثاني حول دعم مستقبل سورية ودول المنطقة الذي يركز على الدعم الإنساني وتعزيز عملية السلام السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف، وهو المؤتمر الثاني من نوعه، بعد أن استضافت بروكسل النسخة الأولى في نيسان/ أبريل من العام الماضي. وسيركز المؤتمر على هدفين: أولهما تقديم الدعم الإنساني للسوريين، سواء داخل البلاد وفي الدول المجاورة، وثانيهما دعم العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف.

سيأتي مؤتمر 2018 كمتابعة لمؤتمر بروكسل لعام 2017، وسيهدف إلى إبقاء اهتمام المجتمع الدولي واستجابته للأزمة السورية، على رأس جدول الأعمال الدولي، وسيشجع على التنفيذ الكامل للالتزامات التي تم التعهد بها في بروكسل، في نيسان/ أبريل2017.

أكدت اللجنة المنظمة للمؤتمر على الحاجة إلى إيجاد طرق جديدة لبناء الصمود بين النازحين السوريين، وبخاصة بعد ازدياد أعداد النازحين داخليًا ليصل عددهم إلى 8 ملايين نازح. حيث هناك حاجة كبيرة للدعم داخل سورية؛ فنحو 5.6 مليون نسمة يعتبرون عرضة للخطر وتحت خط الفقر، ويقدر أن أكثر من 40 بالمئة من الأطفال السوريين خارج المدرسة. وقد تم تسجيل تحرك نحو 1.8 مليون نازح داخلي، في 2018، أي ما يعادل 6550 نازحًا يوميًا، وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، وهم بأمس الحاجة إلى المساعدة والدعم. ويتطلب الحفاظ على جهود الاستجابة المستمرة، على نطاق واسع، مساهمة مالية تصل إلى 3.5 مليار دولار في 2018.

سيتيح مؤتمر بروكسل الثاني الفرصة لجمع المجتمع الدولي بأسره، ومراجعة جميع الجوانب الرئيسية للأزمة السورية الإنسانية والاقتصادية، أي التعهدات المالية المتعلقة بهذا الأمر، إلى جانب الجوانب السياسية، حيث ستنظم بعض الجلسات مع وكالات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، على أن تركز على مختلف جوانب الدعم الدولي المقدم في إطار الاستجابة لمواجهة تداعيات الأزمة في سورية والمنطقة.

مما يؤسف له أن أزمة اللاجئين والنازحين هذه ليست مؤقتة، على الرغم من أن معظمهم يتوقعون أن لا يستمر نزوحهم وتشرُّدهم طويلًا، لكن النزوح في الواقع قد يستمر نحو 17 عامًا في المتوسط، وفق دراسات الأمم المتحدة[2] ولذلك، فمن الضروري تلبية الاحتياجات الإنمائية على الأجل الطويل، لتحقيق التكامل مع جهود المساعدات الإنسانية قصيرة الأجل.

توصيات لتطوير استراتيجيات جديدة وعملية لدعم صمود النازحين واللاجئين السوريين:

  1. التوجه نحو نهج شامل للصراع في سورية، وضرورة مواصلة الاستجابة للوضع الإنساني المتردي، من خلال ضمان توفير المساعدة الممنهجة والحماية للسكان المحتاجين، ودعم الدول المجاورة، والعمل على إيجاد حل سياسي أصبح أكثر إلحاحًا، من أي وقت مضى.
  2. المساعدة الإنسانية وحدها لا تكفي، ولا يمكن أن توقف معاناة الشعب السوري في ظل عدم وجود حل سياسي بين الأطراف السورية، على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، ومنها قرار 2254، وبيان جنيف عام 2012. من الضروري التركيز على تلبية التطلعات واحتياجات الشعب السوري وتوفير السلامة والأمن للجميع. وإن نهاية الصراع لن تتحقق إلا من خلال انتقال سياسي حقيقي وشامل.
  3. تشكل حماية المدنيين أهمية قصوى، والعمل على إيجاد وسائل حماية فعالة، لإيقاف الاستهداف المتعمد للمدنيين والبنية التحتية المدنية، وبخاصة البنية التحتية الطبية والتعليمية، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وإنشاء آلية دولية حيادية ومستقلة، لضمان المساءلة عن هذه الانتهاكات والتجاوزات الممنهجة والواسعة والجسيمة للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان في سورية.
  4. مواجهة التحديات التي تواجهها الدول المجاورة، وخاصة الأردن ولبنان وتركيا، نظرًا إلى وجود ملايين اللاجئين السوريين، والالتزام القوي تجاه دعم البلدان المضيفة في توفير الخدمات العامة، وحماية ومساعدة اللاجئين والمجتمعات المضيفة. وتعزيز الاستراتيجيات التي توفر للاجئين السوريين القدرات والإمكانات والخبرات للعودة للمشاركة في عملية البناء، عندما يصبح ذلك ممكنًا. ولذلك تحتاج هذه المنظمات إلى بلورة استراتيجيات “فوق تقليدية”، في التعامل مع اللاجئين الشباب، تشمل مشاريع لإعادة تأهيل اللاجئين وتعليمهم وتمكينهم، حتى يكونوا مستعدين للمشاركة في عملية إعادة البناء، حين يعودون إلى سورية.
  5. من الضروري تمويل الصندوق الخاص الذي أنشأته الأمم المتحدة لتمويل المنظمات العاملة عبر الحدود، وتفعيل قرار مجلس الأمن 2165″ cross-border عبر الحدود”[3] الصادر في 2014، والذي نص على أن “الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركاءها المنفذين، يؤذن لها باستخدام الطرق عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية: باب السلامة وباب الهوى (تركيا)، واليعربية (العراق)، والرمثا (الأردن)، من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية، ومن ضمنها اللوازم الطبية والجراحية، إلى الأشخاص المحتاجين في سائر أنحاء سورية، من خلال أقصر الطرق، إضافة إلى إتاحة جميع الأطراف السورية المنخرطة في النزاع إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية مباشرة إلى الناس، في سائر أرجاء سورية بشكل فوري دون أي عراقيل”.
  6. وضع فهم موحَّد للقدرة على الصمود في سورية، ومن ذلك إدراك المخاطر والقدرة على التغلب عليها، وتعزيز فرص العمل المجدية، وضمان الحصول على الخدمات الأساسية، وتحسين أدائها. ومن الأمور الحيوية أيضًا، توفير الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة من السكان.
  7. ضرورة التركيز على الاستجابة الإنمائية، التي تبدو، في بعض جوانبها، مختلفة عن الاستجابات الإنسانية لكنها مكملة لها. هذه الملامح تشمل:
  • أخذ احتياجات النازحين والمجتمعات المضيفة لهم في الحسبان، مع تركيز الانتباه بشكل خاص على تشجيع الاعتماد على الذات، وبناء أصول إنتاجية ومهارات فنية للحد من التواكل.
  • إقامة مشاريع تنموية من منظور اقتصادي ومالي واجتماعي وبيئي، تواصل تقديم المنافع على المدى المتوسط إلى البعيد.
  • إشراك المجتمعات المتضررة والمؤسسات الشعبية في التخطيط المحلي، وعملية اتخاذ القرار ومراقبة الخدمات العامة، والعمل يدًا بيد مع المجتمعات المحلية يثمر نتائج أفضل للمشاريع، لا سيما عند المقارنة بأوضاع تمثل فيها المجتمعات المحلية مجرد متلق سلبي للدعم مع ضيق المجال أمام التدخل الواعي وفقًا لكل حالة.

 

  1. إدماج تعليم البالغين والتدريب المهني في إطار المساعدات الإنسانية، على أنّها مكوّنات حيوية مهمة في عملية التعافي، فالتعليم لن يقتصر على تقديم الدعم في استمرار العيش والاستقرار فحسب للنَّازحين نتيجة النِّزاع، بل إنّه سيقدم المهارات الرئيسية أيضًا لإعداد النَّازحين لمرحلة بناء مستدامة لحياتهم ومجتمعاتهم وبلدانهم. والتدريب المهني أيضًا له دور مهم وحيوي في مجتمعات النَّازحين. فكثيرٌ من النَّازحين فقدوا مصدرهم الرئيس لكسب الرزق؛ ما يتطلب منهم بناء مهارات جديدة لتحقيق الاكتفاء الاقتصادي. وهناك من النَّازحين من يجدون أنفسهم بحاجة، للمرة الأولى في حياتهم، إلى كسب العيش بعد النُّزوح. ومن هنا، تتبين أهمّيَّة وجود مناهج التعليم المرن في هذا القطاع، لتوفير الخيارات الكبيرة المناسبة لمختلف الأدوار والمسؤوليات.
  2. من الضروري اكتساب المهارات العملية التي توفِّر سبلًا لكسب العيش والحفاظ عليها، كما أن تعزيز القدرات الإنتاجية وآليات التوافق لدى المجتمعات المضيفة، بطريقة تفيد النازحين، يمثل خطوة مهمة لضمان استمرار المجتمعات المضيفة في حسن وفادتها للنازحين، والتخفيف من وطأة أي صراع محتمل ناتج عن تزايد الضغوط على الموارد الطبيعية الناضبة في المجتمعات المضيفة.
  3. دعم الجهود المحلية في مجال تعزيز الصمود، وذلك بشكل مباشر من خلال الانخراط في مبادرات مستمرة، تضم مواطنين ومجتمعات محلية. وقد أثبتت التجربة السورية أن بعض الجمعيات الأهلية السورية والمجتمعات المحلية الأكثر قدرة على الصمود قد طورت هذه القدرات، وتمكنت من خلق ثقافة الصمود، ووفرت برامج إنسانية إنمائية متطورة.

في الختام، من الضروري أن يرتكز أي تطوير لاستراتيجيات الاستجابة والتدخلات لبرامج صمود النازحين وتنفيذها، بطريقة تدعم القدرات والإمكانات المحلية، بحيث ترتكز على فهم شامل للسياق والمساهمة في تعزيز قدرة الأشخاص المتضررين على التعامل بشكل أفضل مع أزمة النزوح.

في ظل هذا الخراب والدمار الكبير الذي تعيشه سورية؛ تراجع الوضع الأمني السياسي، حيث تصف الأمم المتحدة الوضع الحالي في سورية بأنه “الأسوأ منذ نشوء الأزمة”، وقد أكد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية[4] أن “الوضع زاد سوءًا، منذ أن دعت الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار، في شباط/ فبراير 2018 مع ظهور أسوأ المعارك منذ اندلاع الصراع”. وأضاف أن “هناك تقارير عن مئات القتلى والمصابين من المدنيين، ونزوح كبير، وتدمير للبنية التحتية المدنية، ومن ضمنها المنشآت الطبية”.

وفي إطار هذه التوقعات بإطالة عمر الأزمة لأمد طويل، فإن أي خطة مستقبلية للمساعدات الإنسانية الإنمائية، يجب أن تأخذ بالحسبان مستقبل سورية، وتحويل النازحين إلى قوة اقتصادية واجتماعية، بدلًا من أن يكونوا أشخاصًا يعتمدون على المساعدات. وفي ظل ازدياد عدد النازحين في الأماكن المحررة؛ هناك ضرورة لتبني نهج جديد لتعزيز قدرة السكان في المناطق المحررة على الصمود الاقتصادي، واستيعاب الصدمات الحالية والمستقبلية والتكيف معها والتعافي من آثارها، على نحو متدرج، في ضوء الواقع المعيشي الصعب الذي يكابدون. لا بد من منح الأولوية للمساعدات الإنسانية الإنمائية، استنادًا إلى الاحتياجات الملحة للسكان (بدلًا من الاحتياجات ذات التوجهات الحكومية)، مع تركيز خاص على احتياجات الفئات الضعيفة والأفراد، بالأسلوب الذي يوفر الحماية لحقوق الإنسان نتيجة لذلك. ولا بد من توصيل تلك المساعدات بطريقة منصفة وعادلة وغير تمييزية وغير مسيسة. ومن شأن الأمم المتحدة العمل مباشرة مع المجتمعات المحلية والعائلات، بحيث يتم تقديم مساعدات الأمم المتحدة بصورة موحدة، في كل أرجاء سورية، بصرف النظر تمامًا عن مناطق النفوذ المختلفة.

ويجب أن تأخد الاستراتيجات الحلول المتوسطة والبعيدة المدى التي تساهم في بناء المجتمعات في المستقبل، حيث تعد الاستجابة الإنمائية وبرامج دعم صمود السوريين عنصرًا حاسمًا، في أي آلية فعالة للاستجابة الإنسانية، فهو يمثل طريقة متكاملة وشاملة ومنسقة لتحويل المساعدات الإنسانية تدريجًيا إلى تعافي من الأزمة وإرساء القدرة على الصمود وفرص التنمية وضرورة الربط بين الإغاثة والتأهيل والتنمية، من خلال عمليات التسلسل والتضافر والتنسيق، حيث ينبغي أن يتسق التعافي المبكر مع استراتيجيات الصمود والاستجابة الإنسانية والإنمائية؛ لتجنب البرامج المنعزلة والمجزأة والمشروعات الصغيرة المتفرقة.

إن تحسين وصول المتضررين من الحرب إلى سبل المعيشة والحلول العملية؛ لتمكينهم من استعادة الاكتفاء الذاتي، وبناء قدرتهم على الصمود وتدعيم قدرات السلطات المحلية الموجودة في إدارة تنسيق البرامج، أمرٌ ضروري للتعافي. مهما كانت الأزمة الإنسانية طاحنة؛ فإن علينا التفكير في مستقبل 12 مليون نازح ولاجئ، وبناء قدراتهم على الصمود في المستقبل، لمواجهة كافة الاحتمالات.

 

[1] سورية: يتشارك الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في رئاسة مؤتمر بروكسل الثاني في 24-25 نيسان

[2] البنك الدولي، 2016

[3] المجتمع المدني السوري أمام مفترق طرق.. منظمات داعمة تتريث بانتظار 2165، عنب بلدي 2017

[4] منسق الأمم المتحدة: سورية تشهد بعضًا من أسوأ المعارك منذ اندلاع الصراع، سبوتنيك، 2018

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق