ترجمات

الغارديان: “لماذا ندفع رواتب لمليون لاجئ سوري”

تساعد برامج المساعدات النقدية الأوروبية تركيا في إدارة ملايين اللاجئين. وفي المقابل، من المتوقع أن توقف البلاد ذهاب المهاجرين إلى الغرب. لكن الصفقة أحادية الجانب بحيث يتعذر تنفيذها، كما تقول تركيا

هدى، حصلت على بطاقة خصم كجزء من برنامج التحويل النقدي غير المشروط الذي يمولّه الاتحاد الأوروبي. تصوير: سنان تشاكماك/ برنامج الأغذية العالمي

في سوبرماركت في غازي عنتاب، تتسوق هدى البَيض والأرز والخبز لإطعام أطفالها الأربعة. إنها تنفق الأموال المتبقية بعد دفع الإيجار.

هدى، لاجئةٌ سورية في تركيا، لم تعد بحاجةٍ إلى الوقوف في طوابير للحصول على المساعدات الغذائية أو في مطابخ الحساء، تملك الآن بطاقة خصم خاصة بها معبأة بالأموال، كجزءٍ من برنامج التحويل النقدي غير المشروط الممول أوروبيًا. وهي واحدة من بين 1,25 مليون لاجئ في تركيا (90 في المئة منهم سوريون) تستفيد من البرنامج لمدة أربعة أشهر. حيث تشرح، بينما تضع المواد في العربة قائلة: “أولا أنا أدفع الإيجار والخدمات، وهي ما يقرب من 450 ليرة تركية (80.32 جنيه إسترليني) في الشهر، ومن بعد ذلك أشتري الأساسيات مثل الخبز والسكر”.

لدى المتجر خبزٌ سوري إلى جانب التركي، وهو رمزٌ لثقافتين في مدينة يشكّل اللاجئون الآن ربع سكانها.

تستضيف تركيا المزيد من اللاجئين أكثر من أي بلد آخر، ويبلغ عددهم نحو 3,7 مليون سوري. وبرنامج المساعدات النقدية الذي يموله الاتحاد الأوروبي، صُمم لمساعدة دولة تئن من ضغط هذه الحالة. لكن محاولة أوروبا في المساعدة الإنسانية الأكبر حتى الآن لا تصل من دون شروط.

تعتبر شبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ هي الرائدة من بين 58 برنامجًا، في إطار الدفع النقدي بقيمة 3 مليارات يورو (2.6 مليار جنيه إسترليني) التي أعقبت الصفقة في آذار/ مارس 2016، والتي بموجبها تكبح تركيا الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، مقابل المساعدة في رعاية اللاجئين داخل حدودها.

يحمّل اللاجئون بطاقاتهم الشهرية من بطاقات الهلال الأحمر. تصوير: سنان تشاكماك/ برنامج الأغذية العالمي

في حين لا تزال العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي متوترة بخصوص التمويل، يعمل عمال الإغاثة على الأرض مع سلطات الدولة، ويمتدحون الطريقة التي يمكن بها تسليم الأموال على نطاق واسع، كنموذجٍ ثوري.

في غضون تسعة أشهر، من إنشائه في كانون الأول/ ديسمبر 2016، تم توسيع المشروع ليصل إلى مليون شخص. يتم تحميل بدلٍ شهري على بطاقات الخصم -بطاقات الهلال الأحمر- والتي يمكن استخدامها عبر أي صرافةٍ، وفي المحلات التجارية.

تحصل العائلات المؤهلة على 120 ليرة تركية (21.42 جنيه إسترليني) للشخص الواحد شهريًا، وهذا يعني أن الزوجين مع أربعة أطفال سيحصلون عادةً على 720 ليرة تركية.

تقول هدى، وهي من حلب: “يغطي هذا المبلغ 75 من احتياجاتنا، لكن لا بدَّ من وجود شخصٍ في العائلة يعمل لتغطية البقية”. يكسب زوجها ما يمكنه من جمع القمامة القابلة لإعادة التدوير، بينما يعمل ابنهما البالغ من العمر 11 عامًا في أحد المصانع، قبل المدرسة حيث يتعلم اللغة التركية، حيث يضطر العديد من الأطفال في الأسر المتعثرة إلى ترك المدرسة للعثور على عمل.

تقول هدى: “أود أن يتوقف عن العمل الآن، فلدينا أموالٌ إضافية تأتينا، حياتنا أفضل الآن، ولسنا مضطرين إلى استدانة المال، ولا نشعر بالقلق دائمًا بشأن قيام شخص ما بطرق بابنا للمطالبة بالإيجار”.

ويدفع مشروع تكميلي تديره (يونيسف)، باستخدام بطاقة الهلال الأحمر نفسها، أكثر للأسر التي يحضر الأطفال فيها نسبة 80 في المئة من دروس المدارس. ولكن ما إن تستوفي الأسرة المعيار الخاص بشبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ (الوالدين الوحيدين، والأزواج الذين لديهم ثلاثة أطفال أو أكثر، وأكثر من 59 عامًا، والأسر التي تعاني من الإعاقة) لا توجد شروط أخرى.

إنه مخطط مثير للجدل، يشبهه النقاد بـ “تصدير الصدقات”، ويثير مخاوف من إساءة استخدام الأموال. لكن البيانات الظاهرة تبين أنه يمكن أن يحسّن الحضور المدرسي، والنتائج الصحية للمستفيدين.

يقوم برنامج الأغذية العالمي بتوصيل شبكة الأمان الاجتماعي، في حالات الطوارئ، في شراكة رباعية مع المفوضية الأوروبية، والهلال الأحمر التركي، والحكومة.

يقول جوناثان كامبل، نائب المدير القطري في برنامج الأغذية العالمي: “كانت الأسطورة الكبرى، عندما انتقل العالم الإنساني إلى الأموال النقدية هي أنها ستُنفق بالكامل على السجائر والكحول، لكن الغالبية العظمى من الناس مسؤولون جدًا، فهم لن ينفقوا المال على السلع الفاخرة، ويتركون أطفالهم يجوعون”. من خلال منح المال، يصبح لدى الناس المزيد من الخيارات ويمكنهم المقايضة، إنها “ثقافة الصفقات”.

هناك مزايا أخرى لإعطاء المال وليس الغذاء، الكرامة في تمكين الناس من تحديد كيفية تلبية احتياجاتهم الخاصة على أفضل وجه، والأموال التي تم توفيرها على النقل والتخزين.

تستضيف تركيا معظم اللاجئين في العالم. تصوير: سنان تشاكماك/ برنامج الأغذية العالمي

لكن الخدمات اللوجستية لم تكن خالية من المتاعب، لكي تكون الأسرة مؤهلة، يجب أن يكون أفراد العائلة مسجلين رسميًا كلاجئين، وعناوينهم مسجلةً بشكل منفصل في السجل المدني. وقد دفع هذا الآلاف من اللاجئين غير المسجلين سابقًا إلى التقدم بالطلبات؛ ما خلق أزمة بيروقراطية للسلطات التركية. كما كان لا بد من برمجة أجهزة الصراف الآلي في البلاد للحصول على خيار اللغة العربية كلغةٍ أجنبية.

على الرغم من المشاكل المرافقة، يصرُّ كامبل على أن شبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ هي واحدةٌ من أكثر برامج المساعدات كفاءةً في العالم، حيث يقول: “لدينا هذا العام 650 مليون يورو، ويمكننا ضمان أن 87,5 في المئة منها كحدٍ أدنى ستذهب إلى جيوب اللاجئين”.

يعيش معظم اللاجئين في تركيا في القرى والمدن، حيث يعيش 10 في المئة منهم فقط في 21 مخيمًا للاجئين. على بعد ستين ميلًا شمال حلب، مدينة غازي عنتاب الحدودية موطنٌ لما يقرب من مليونيّ شخص، منهم 500000 لاجئ، وصل العديد منهم قبل خمس أو ست سنوات، واستهلكوا جميع ممتلكاتهم، ويعيشون من العمل غير الرسمي، والمساعدة الحكومية الأساسية.

نهلة (49 عامًا)، وهي أرملةٌ تعيش مع ستةٍ من أطفالها التسعة، تحقق شروط شبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ، تتلقى 720 ليرة تركية شهريًا. لم يتم تسجيل ابن نهلة الأكبر كلاجئ، وعوضاً عن ذلك وجد عملًا بالجص، مساهمًا بأجرته التي تبلغ 250 ليرة تركية في الأسبوع.

تغطي المساعدة النقدية إيجار وفواتير نهلة. تصوير: سنان تشاكماك/ برنامج الأغذية العالمي

وتشرح نهلة: “يتابع يوسف تجارة والده نفسها”، مشيرةً إلى صورةٍ لزوجها الراحل على الجدران العارية، الذي قُتل عندما كان عائدًا إلى المنزل من عمله، في أيار/ مايو 2013 في غارةٍ جوية. وتتابع حديثها: “لقد تضرر منزلنا من القصف. الأطفال أُصيبوا برضّةٍ نفسية تمامًا لذا اضطررنا إلى الرحيل”.

تقوم ببعض الأعمال غير الرسمية من المنزل لمصنعٍ للنعال للمساعدة في شراء الطعام، حيث لا تغطي المساعدات النقدية سوى الإيجار والفواتير. تضيف: “كل ما تراه في المطبخ من الجيران، يعرفون أنني أرملة، لذا فهم يجلبون لي الخضروات والطعام، لكنني لست اجتماعية للغاية، لأنني لا أتحدث اللغة”. بينما يستطيع أطفال نهلة تبادل بعض الكلمات مع الأطفال في البيوت المجاورة، إلا أن آمال أمهاتهم في الاندماج أقل تفاؤلًا.

خلال رحلةٍ أخيرة إلى بروكسل، انتقدت فاطمة شاهين، رئيس بلدية غازي عنتاب، البرنامج النقدي قائلةً: إنه سيكون من المنطقي أن تكون المساعدة مشروطة للنساء اللواتي يقمن بالتدريب المهني، أو يرسلن أطفالهنَّ إلى المدرسة. وقالت لشبكة (يوراكتيف): “إذا أعطيتهم المال بشكلٍ مباشر؛ فلن تحلَّ مشاكلهم الحقيقية”.

وتضيف شاهين، التي اُنتخبت رئيسًا للبلدية عام 2014، ورُشحت لجائزة نوبل للسلام لعام 2016، لمساعدتها اللاجئين السوريين: “بدلًا من نظام البطاقات هذا، يجب توجيه شرائح مختلفة من اللاجئين نحو مشاريع مختلفة”. وتقول: لولا تركيا “لغرق الناس في البحر، أو على أساسٍ سنوي، لتدفق 2,5 مليون شخص إلى أوروبا”. لكنها زعمت أن الاتحاد الأوروبي لم يتعهد سوى 2,8 مليار يورو من أصل الـ 3 مليارات يورو، وأن التمويل لم يُرسل “من خلال القنوات الصحيحة”.

المبلغ الفعلي الذي تمّ صرفه حتى تاريخه هو 1,85 مليار يورو، وفقًا للمفوضية الأوروبية. يشرح نيلز غريدي، مدير برنامج الأغذية العالمي في تركيا، قائلًا: “نحن في الجانب الإنساني من صفقةٍ سياسية، وأصبح الآن من الصعب للغاية على اللاجئين التنقل في كل تركيا”.

أطفال نهلة في حي السيليمية في غازي عنتاب. تصوير: سنان تشاكماك/ برنامج الأغذية العالمي

يقول غريدي: “مع استضافة تركيا 3,8 مليون لاجئ؛ فإن تكلفة زيادة عدد الأطفال في المدارس 10 في المئة، والضغوط على المستشفيات هائلة. إن تأثير النقص في المساكن والإيجارات التي تصاعدت كلها تسبب توتراتٍ محتملة”، ويتابع: “تم تصميم برنامجنا على غرار المساعدات الاجتماعية التي يتلقاها الأتراك. واستندت قيمة التحويل إلى ما تحصل عليه العائلات التركية، بحيث لا يشعر اللاجئون أفضل أو أسوأ”.

وقد ساعدت حقيقة أن الأموال يُعاد ضخها في الاقتصاد المحلي، في تسهيل العلاقات مع المجتمع المضيف. ويقول عبد الله غينج، صاحب سوبرماركت: إن 15 في المئة من زبائنه من السوريين. ويتابع: “إنه عبءٌ على الدولة، لكن اللاجئين ساعدوا في أرباحنا”.

كما وافق صيدليٌّ من البلد على أن عدد اللاجئين قد عزز التجارة (البزنس)، لكنه أضاف: “الرعاية الصحية المجانية للسوريين هي موضوعٌ حساس بين الأتراك الفقراء الذين يشعرون أنهم أسوأ حالاً”.

إذا وُظف اللاجئ رسميًا، لا يمكنه الاستفادة من البرنامج، ولكن أولئك الذين هم أثرياء، ولكنهم لا يعملون، يمكنهم نظريًا تلبية المعايير.

يعترف غريدي بأن وضع المعايير الخاصة بالعوامل الديموغرافية بدلًا من الموارد المتاحة يعدُّ نقطة ضعفٍ في البرنامج، ولكنه يقول في النهاية إنه سيتم تقييم جميع الأسر بدقةٍ أكثر.

تقول جين لويس، مسؤولة الشؤون الإنسانية في المفوضية الأوروبية في أنقرة: “نحن نعرف بعض الأشخاص الذين يعيشون في أبراج في إسطنبول، وسيتم إبعادهم بعد قيامنا بزياراتٍ منزلية. نحن قلقون أكثر بشأن أولئك الذين يجب أن يشملهم البرنامج، ولم يشملهم بعد”.

إن تثبيت البرنامج في الأنظمة الحكومية يجعله أكثر كفاءةً من المساعدة النقدية في الدول الأخرى، حيث يمكن أن يحصل اللاجئون على 14 بطاقة لأغراضٍ مختلفة.

إن استخدام برنامجٍ واحد يعني أن الجهات المانحة الأخرى يمكن أن تساهم، أو يمكن للسلطات توليها باستخدام ميزانية الدولة. تقول لويس إنه يمكن تعميم النموذج في بلدانٍ أخرى، منها الأردن ولبنان.

مع انتهاء الميزانية الحالية في الربع الأول من عام 2019، يعتمد مستقبل البرنامج على التعهد النقدي الثاني من أوروبا. وكما تقول لويس: “نحن بحاجة إلى أن نكون مسؤولين للغاية حول ما سيحدث بعد ذلك. هذه مجموعة من الأشخاص الذين تعرضوا للرضّة النفسية الشديدة، والذين سيحتاجون إلى دعمٍ من تركيا وأوروبا لسنوات عديدة”.

العديد من السوريين، ومنهم أحمد (30 عامًا) وزوجته رقية (25 عامًا)، يفكرون بالفعل في مستقبلهم في تركيا.

أحمد ورقية يقولان إن باستطاعتهم الآن دفع إيجار شقتهما بسبب المدفوعات النقدية التي كانوا يتلقونها. تصوير: سنان تشاكماك/ برنامج الأغذية العالمي

فرَّ الزوجان إلى هنا مع أطفالهما الثلاثة في عام 2014، عندما استولت (داعش) على قرية بالقرب من منزلهم، شمال حلب. ولدت ابنتهم الصغرى في غازي عنتاب قبل ثمانية أشهر. بعد أن تنقلوا خمس مرات، يسكنون الآن في الطابق الأرضي من منزلٍ مشترك، ويمكنهم دفع الإيجار بفضل المدفوعات النقدية التي يتلقونها.

ويشرح أحمد قائلًا: “سكنّا سابقًا في متجر ثم في قبوٍ بلا نوافذ، من الصعب العثور على منزل مثل هذا، دلالو العقارات يفضلون عدم تأجير السوريين”.

في حين أن الأمور قد تحسنت بالنسبة للأسرة، فإن الحياة ليست سهلة. ساعد الأصدقاء أحمد في العثور على عملٍ غير رسمي في ورشات البناء، لكنه يلاقي صعوبة مع اللغة لدى مغادرة رقية النادرة للمنزل.

على الرغم من الصعوبات، تجد العائلة صعوبةً في تخيل الوقت الذي سيتمكنون فيه من الانتقال إلى منزل. “لقد أنفقتُ كل مدخراتي في الحياة في بناء منزلنا في سورية. لكننا سمعنا من أقاربنا أنه تم تدميره جراء القصف، وإذا استمر الوضع الحالي؛ فإننا نأمل أن يندمج أطفالنا في الحياة التركية”.

بالفعل يقومون بخطوات واسعة. تقول ابنته أُرجوان، البالغة من العمر ست سنوات: “لدي أصدقاء أتراك، نلعب الغميضة. أنا لا أتكلم التركية، لكنني أفهم بعض الكلمات”. وسرعان ما ستنضم إلى شقيقتها الكبرى المسجلة في الصف الأول، في إحدى المدارس التركية. “إنها تدرس كلّ شيءٍ باللغة التركية. لا تفهم كل شيء، ولكنها تتعلم بسرعة”، يقول أحمد.

 

اسم المقالة الأصلي‘Why we’re paying the rent for a million Syrian refugees’
الكاتبحنة سامرز، Hanna Summers
مكان النشر وتاريخهالغارديان، The guardian، 26/3
رابط المقالةhttps://www.theguardian.com/global-development/2018/mar/26/scheme-cash-transfer-turkey-1m-refugees-eu-aid
عدد الكلمات1780
ترجمةأحمد عيشة

 

مقالات ذات صلة

إغلاق