قضايا المجتمع

التهجير القسري ومحاولات النظام فرض هندسة سكانية جديدة

 

يستمر النظام السوري، ومن معه من إيرانيين وروس وميليشيات طائفية، في سياسة التهجير القسري، وآخرها ما جرى ويجري في الغوطة الشرقية. كل زعامات العالم تتفرج على السوريين، وتشاهد اقتلاع شعبٍ من أرضه وبيته، ومن ثم إحلال آخرين مكانه، وكأن قضية الاحتلال البشعة مسألة متفق عليها، إقليميًا ودوليًا. عن هذا الموضوع وحوله، سألت (جيرون) بعض الساسة والباحثين عن آرائهم في ما يجري من تهجير قسري فاق كل حد، وعن مآلات ذلك، وإلى متى يستمر هذا الفعل؟ وما المصير الذي ينتظر المهجرين قسريًا؟

الكاتب السوري عبد الباري عثمان قال لـ (جيرون): “النظام السوري سلّم سورية، كي يتسلق عليها الإيرانيون والروس أمام المجتمع الدولي، لتمرير أجندتهم بشكل شرعي، وكان الإيرانيون سباقين بهذا المخطط لتنفيذ التغيير الديموغرافي، الذي بدأ من داريّا ووصل اليوم إلى الغوطة”. وأضاف: “إن عودة المهجرين إلى مناطقهم في الوقت القريب أمر محال، وخاصة في ظل تقاسم النفوذ الدولي في سورية، وتبقى التفاهمات الدولية هي المتحكم بمصير السوريين، في ظل فراغ سياسي سوري، على جميع المستويات، ولذلك سنبقى على حالنا، إلى أن يجعل الله لنا مخرجًا”.

في الموضوع عينه، قال الناشط السوري نعمان حلاوة لـ (جيرون): إن “هذا الفعل يتعارض بالأساس مع مقومات قيام الدول واستمرارها (الأرض والشعب والسلطة الحاكمة)، وإن اقتلاع جزء كبير من الشعب من أرضه سيهدد وجود ذلك الوطن كلية، ومن هنا تأتي خطورة هذه الجريمة، وتأتي استحالة استمرار النظام في هذا التهجير بأشكاله المختلفة. أما بالنسبة إلى المهجرين، فلا شك أنهم يعيشون حياة قاسية في الداخل السوري أو في مخيمات دول الجوار، أو في دول العالم قاطبة، وتتفاوت صعوبات الحياة، حسب الدولة والمكان الذي لجؤوا إليه، وهذا ما يدفعهم إلى التفكير بالعودة، عندما تسمح الفرصة بذلك، وهذا ما يجعل أغلب المهجرين السوريين مشروع عائدين إلى الوطن”.

الكاتب الصحفي مصطفى السيد قال لـ (جيرون): “تتواصل عمليات التهجير القسري في سورية، مع تواصل الحرب في إطار عمليات التغيير الديموغرافي، ضمن عملية إعادة تشكيل الهندسة السكانية التي يريد لها بعض أطراف الصراع الإقليمي والطائفي أن تكون مطبقة على لون واحد من السكان، ومنذ اتفاق حمص المشؤوم الذي قبل بإخراج السكان والمقاتلين من المدينة القديمة، توالت عمليات التهجير القسري بشكل منهجي، بترتيبات منسقة مع بعض القوى السياسية التي تتغطى بالغطاء الثوري، والتي شاركت قوى في النظام في جرائم التهجير، وساهمت الأمم المتحدة، في فترة تالية، في رعاية وتنفيذ عدد من جرائم التهجير القسري وتبادل السكان، في إطار تبادل الأدوار لإتمام سيناريوهات الحلول المخططة لسورية”. وأضاف: “ما جرى في حرستا وحمورية وجوبر من عمليات تهجير مدعوم من القوى الطائفية الشيعية الممولة من إيران، يبيّن أن خطط إيران لتدمير البنية الوطنية في سورية ما تزال متواصلة، وما تزال تجد لها حلفاء، لدى بعض قوى النظام التي ربطت مصالحها وبقائها بالمحور الإيراني ذي التطلعات الفارسية، للتوسع في الأجزاء الشمالية من بلاد العرب، وتأتي اتفاقات (حركة أحرار الشام)، للانسحاب من حرستا وحمورية وجوبر، لتُظهر بوضوح الدور الفعال الذي نجحت فيه هذه الحركة، بالمساهمة في عمليات التهجير القسري، ثم ظهر (فيلق الرحمن) في اتفاقات حرستا، كلاعب إضافي في عملية التغيير الديموغرافي؛ إذ إنه اتفق على سحب مقاتليه مع عائلاتهم إلى الشمال، وترك حاضنته الشعبية بلا أي ضمانات حتى في عملية الخروج غير الآمنة، في الوقت الذي سلم فيها خرائط الأنفاق من دون مقابل”.

أضاف أن تحطيم البنية الديموغرافية في سورية لن يصل إلى أهدافه، بل سيقوي عناصر القوة الوطنية المرتكزة على التنوع، فلن يستطيع (حزب الله) الاستمرار إلى الأبد في احتلال القصير وتهجير أهلها وسكانها، ولن تستطيع إيران الاستمرار إلى الأبد في الإنفاق على قوى غير قابلة للحياة في سورية، ولن يستمر إلى الأبد الاندفاع الروسي لحماية منظومة نهب، ستشكل عبئًا لا يمكن الاستمرار في تحمله مع توقف القتال”.

أكّد السيد أن “الشعب السوري سيواصل كفاحه لتحقيق حريته، وسيبدأ بتحقيق أهدافه، بدءًا من اللحظة التي ستستعيد فيها كل قرية ومدينة قدرتها على اختيار برامج أبنائها الانتخابية لخدمتها”.

أما الكاتب السوري عبد الرحيم خليفة فقال: “لنقرر أولًا حقيقة تاريخية، هي أن مناطق عديدة في العالم تعرضت لسياسات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي، لأسباب وأطماع ومصالح اقتصادية أو سياسية أو دينية، نجحت وأصبحت واقعًا معترفًا به ومعمولًا به، مع مرور الزمن. ما يفعله النظام، ومن خلفه إيران وميليشياتها، للأسف، سيرتب حقائق جديدة من الصعب العودة عنها، بغير توفر عوامل عديدة مرتبطة بنهاية هذه الصراعات، أهمها العدالة والاستقرار والأمن”.

وأضاف: “الخوف من عمليات التهجير وآثارها لا يقتصر على المشروع المذهبي، ويتعداه إلى الغموض الذي يكتنف مصير هؤلاء المهجرين، خصوصًا إذا ما كان مصيرهم الذوبان في المجتمعات الجديدة، بما تحمله من ثقافات مختلفة لها انعكاسات خطيرة على الهوية الوطنية. ومستقبل المهجرين قسريًا يرتبط بشكل وثيق بالمدى الذي سينتهي إليه الصراع، وما سيسفر عنه، والخوف كل الخوف على سورية وتركيبتها الحالية ومستقبلها، مع ما هو حاصل من تقاسم مناطق نفوذ، قد يقود إلى تقسيم وتفتيت الكيان الحالي”.

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق