تحقيقات وتقارير سياسية

بمشاركة باحثين ومختصين.. صالون الجولان يُحيي الذكرى السابعة للثورة السورية

 

نظّم (صالون الجولان) التابع لمركز حرمون للدراسات المعاصرة، ندوة بمناسبة الذكرى السابعة للثورة السورية، في بلدة مجدل شمس، شارك فيها عدد من الباحثين والمختصين والحقوقيين، من بينهم البروفيسور أسعد غانم المحاضر في العلوم السياسية في جامعة حيفا، والكاتب السوري – الفلسطيني ماجد كيالي، والباحث الفلسطيني مرزوق الحلبي، ود. نزار أيوب الباحث في مركز حرمون ومدير المرصد العربي لحقوق الإنسان في الجولان السوري المحتل.

في مداخلته التي حملت عنوان (مراجعة ما جرى في الربيع العربي فكريًا وسياسيًا) خلال الندوة، قال البروفيسور أسعد غانم: إن الربيع العربي “اسم فيه التباس، فمن يعادي فكرة الثورة على الأنظمة يقول إن الربيع تحوّل إلى خريف، وهذا ينبع من فهم خاطئ أو تحريف مقصود لما حصل في العالم العربي، فالربيع العربي معني أكثر شيء بما حصل أثناء اللحظة الثورية لا بنتائجها، بمعنى أن الاستعداد للخروج إلى الشارع ومواجهة بطش الأنظمة وفشلها وتجبّرها، والاستعداد للموت في سبيل ذلك، هو ربيع العرب، وليس النتائج التي حكمت بتسلط الأنظمة وبطشها وتهجيرها للملايين من الناس من وطنهم، ولا يُقاس بالتدخلات الخارجية من العرب وغيرهم؛ مما أفشل -حتى الآن- الثورات العربية، لكنه لن يستطيع إيقاف مسيرة التغيير التي بدأت بالربيع العربي”.

ونفى إمكانية قياس الثورة بتنظيرات حول ثورات تاريخية أخرى، مثل الثورة الفرنسية والثورة البلشفية والثورة الإيرانية، وقال إن لكل ثورة “مقياسها وعواملها”، ورأى أن الثورات في الماضي “جرى التنظير لها، بعد وقوعها الذي حصل بسبب الفجوة الهائلة بين الواقع وما يعتقد الناس بأنه من حقهم، وهذا هو سبب الثورات، وليس ما يعتقده غالبية المنظرين الذين كتبوا بعد الثورات، ووضعوها في قوالب بعيدة عن الأسباب الحقيقية”.

وشدد على أن ما حدث في العالم العربي “ليس حدثًا ماضويًا، بل ما زال يتفاعل، ولا يمكن قياس نتائجه بعشر سنوات أو أكثر أو أقل، بل بما سيترتب على الثورات من تغيير في مستوى تاريخي”.

 

بالنسبة إلى العلاقة مع فلسطين، قال إن نتائج النكبة (1948) والنكسة (1967) “كانت شمّاعة للأنظمة العربية، وخصوصًا في مصر وسورية والعراق والأردن والخليج، لتجذّر القمع والأنظمة القمعية والفاشلة، بينما الربيع العربي هو بالحقيقة مفتاح الأمل لأي مستقبل لفلسطين، فبالديمقراطية وحدها يمكن أن ننظم مجتمعاتنا ونجاري (إسرائيل) ونجاحاتها”.

ولفت إلى أن الثورة لا تنجح في ظل أنظمة القتل “إلا من خلال النضال الشعب السلمي، فالدول تبطش بالعزل ولا يفيدهم إلا الإصرار على فضح القمع ومنازلته، من خلال الحشد الشعبي السلمي لا من خلال تجييش الثورة، وفي الحالة السورية المسألة واضحة تجييش الثورة، بما في ذلك بفعل مخطط من قبل النظام ومصالح دول، مثل الخليج وأميركا وإيران وتركيا و(إسرائيل) وروسيا، أدى إلى استفحال جرائم النظام وحلفائه، وسبب نكبة كبرى للشعب السوري.

فيما يخص الثورة السورية، التي اعتبرها “أنجح” ثورة في إطار الربيع العربي، لأنها “فضحت نهائيًا أنظمة الممانعة، وعرّت اليسار العربي الذي أضحى بعضه مدافعًا عن الأنظمة بدل الشعوب”، قال إنها خسرت حتى الآن في مواجهة النظام، لكنها “الطريق الوحيد لمواجهة مثل هذه الأنظمة المتخلفة والقامعة، والتي ثبت بما لا يقبل الشك، ومن خلال قراراتها ومواقف قادتها بأنها عميلة”.

واعتبر أن الحدث الكبير الذي حصل في سورية اكتسب أهمية، بالنسبة إلى الفلسطينيين، لأن هناك “علاقة متأصلة تتعلق بمسألة الهوية ونهوض جيل جديد من القيادات السياسية، ونحن أمام موجة أولى من الربيع العربي الذي تجلى باستعداد الشعوب للموت من أجل حريتها. واليوم، أمام ذكرى وفاة القائد العام للثورة السورية سلطان باشا الأطرش، والذكرى السابعة لثورة الشعب السوري المطالبة بالحرية والعدالة، نقول إن ما يجمع بين الثورات عبر التاريخ هو التناقض بين ما تحصل عليه، وما يحدث على أرض الواقع، والمشترك بينها هو توق الناس إلى الحرية والعدالة الاجتماعية المفقودة في العالم العربي، ومثال ذلك تونس ومصر والأردن وليبيا والبحرين وسورية، حيث كان هناك وعي عربي للحياة والكرامة، شارك فيه مثقفون في الحيز العام”.

حول التساؤلات عن تحولات ومآلات الثورة السورية، قال الكاتب ماجد كيالي: “لقد تحدّدت مسارات الثورة السورية بناء على الإدراكات السياسية للقوى التي تصدّرت هذه الثورة، وليس بناء على تطوراتها التدريجية أو المقاصد السياسية الأساسية التي انطلقت من أجلها، دون أن يعني ذلك أن هذه القوى هي التي كانت وراء إطلاقها، لا سيّما أنها انطلقت بصورة عفوية وفجائية، على رغم كل الممهدات التي أدت إلى تفجرّها. كما أن ذلك لا يعني إضفاء الشرعية على تلك القوى المتصدرة، في واقع كانت فيه الثورة السورية العفوية تعاني من الافتقاد للتنظيم وفراغ القيادة. وبديهي أن كل ما تقدم يفيد بأن القوى المتصدرة استطاعت احتلال هذه المكانة بدفع من عاملين: أولاهما الحرمان التاريخي للشعب السوري من السياسة، ومن غياب القوى السياسية الوازنة. وثانيهما بسبب الدعم الخارجي الذي انحصر في تلك القوى، من قبل الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الصراع السوري، من دون أن يستند ذلك بالضرورة إلى مشروعية شعبية أو سياسية”.

 

وأضاف: “على ذلك؛ يمكن ملاحظة أن التحولات والمآلات التي تحكمت بمسار ثورة السوريين، صدرت من فرضيات ثلاث، هي التي طبعت الثورة بطابعها، من حيث الخطابات والبني وأشكال العمل والعلاقات الداخلية، وأولى هذه الفرضيات، نشأت على التعويل على الخارج وأن هذه القوى لا بد أنها ستتدخل، إن مباشرة أو عبر فرضها مناطق حظر جوي أو مناطق آمنة. وهي الفرضية التي أفضت إلى نتائج كارثية، كونها لم تأخذ في اعتبارها تدرّج المستويات الصراعية، ولا ضعف الإمكانات الذاتية، ولا قدرة الشعب على التحمل، ناهيك أنها تسببت في عسكرة الثورة، وهو أكثر مجال تلاعبت عبره الأطراف الخارجية بثورة السوريين، وأكثر مجال أدى إلى ارتهان المعارضة، وتاليًا إخضاعها للأجندات الخارجية، كما شهدنا في مختلف مراحل الثورة. وثاني هذه الفرضيات أن تلك القوى المتصدرة اعتقدت أن الدول الصديقة المؤيدة للثورة ستقف مع المعارضة، مهما كانت خطاباتها، وأشكال عملها، على اعتبار أنها حق، وهذه فرضية خاطئة لأن الدول لا تشتغل كجمعيات خيرية، ولأنها لن تقدم على منح المعارضة السورية دعمها، إذا لم تجد أن ثمة تقاطعات في المصالح أو القيم التي تتمثلها، أو الاثنتين، في آن معًا. أما الفرضية الثالثة فهي الاعتقاد بأن الانتصار حتمي على النظام، من دون ملاحظة ضعف الإمكانات اللازمة ذلك، بحكم موازين القوى، وبحكم المعطيات العربية والدولية، ومن دون دراسة للتجارب التاريخية، التي تؤكد أن الثورات يمكن أن تنهزم أو تنحرف أو يتم السيطرة على تطوراتها”.

ورأى أن هذه الفرضيات الخاطئة أفضت إلى المبالغة بالعمل العسكري، والاعتماد على هذه الدولة أو تلك، وإخراج الشعب من معادلات الصراع ضد النظام، وتعذر القدرة على بناء كيان سياسي جامع للسوريين، وإزاحة المقاصد الأساسية للثورة لصالح خطابات طائفية ودينية متعصبة ومغلقة، الأمر الذي أسهم في إضعاف ثقة السوريين، أو أغلبهم بثورتهم، ناهيك أنه أضر بصورة الثورة السورية على المستوى الدولي”، و”أوصلت الفرضيات المذكورة الثورة السورية إلى أفق مسدود”.

وأعرب عن تفاؤله بأن كل ذلك “لا يعني نهاية الصراع السوري”، لأن الأسباب الحقيقة لهذا الصراع لم تنتهي”، وأنه “ثمة مرحلة صراعية قادمة، لكن شكل هذه المرحلة سيتوقف على شكل المداخلات والتموضعات الدولية والإقليمية، كما سيتوقف على قدرة المعارضة السورية بكياناتها السياسية والعسكرية على مراجعة التجربة السابقة، واستنباط الدروس اللازمة منها”.

من جهته، قال الباحث الفلسطيني مرزوق الحلبي، في ورقته التي حملت عنوان (لماذا لم يتدخّل العالم لإنقاذ الشعب السوري من المقتلة): إن المنظومة الدولية الراهنة “تختلف عنها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، يومها تأسست على موقف حازم من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وأنتجت آليات لمنعها أو الحدّ منها. عبّرت المنظومة عن ذلك بقوانين ومواثيق ومعاهدات وأعراف، يبدو أنها لم تعد تعمل اليوم بتأثير العولمة كسيرورة خرّبت مصالح وتفاهمات الدول لا سيما العُظمى”.

وشدد على أن الشعب السوري “تُرك تحت الآلة الوحشية لآل الأسد، ونحن نرى يوميًا ما يعني ذلك. المنظومة الدولية فشلت حتى في مسائل الإغاثة الإنسانية فضيحة حقيقية”. وقال إن هناك حراك عالمي لا سيما من قادة سابقين ومنظمات حقوقية ونُخب تُعنى بحقوق الإنسان، للالتفاف على حق النقض الفيتو الممنوح لخمسة دول، بإنتاج آليات جديدة للتدخل في مواقع الصراع، وليس من خلال البند السابع لنظام مجلس الأمن.

وتابع: “أمامنا مشهد مرعب سيستمرّ، للأسف. ومهما بلغت ملاحظاتنا على المعارضات الفاعلة على الأرض علينا أن نظلّ يقظين فنضع الأمور في نصابها، ونرى إلى النظام الشمولي كمصدر المحنة خاصة، وأنه يستأثر بحصّة الأسد، من إحداث العنف والتدمير وتخريب الدولة والمجتمع والحاضرة السورية”. وأعرب عن قناعته بأن سورية “ذاهبة إلى تقسيم كجزء من توازنات القوى على الأرض بين الجهات الخارجية الضالعة بالمحنة”، وأن سورية “لم تعد تعبيرًا عن إرادة شعبها بل هي نموذج واضح لدولة متعددة السياسات، وتجسّد إرادات خارجية”.

 

أما نزار أيوب، فقد قدّم مداخلة بعنوان (مساءلة مجرمي الحرب في سورية)، قال فيها “لقد أدت سياسة النظام السوري، في مواجهة الثورة السلمية بقوة السلاح واستخدام القوة المفرطة، إلى تفاقم الأوضاع وتحولها منذ شباط/ فبراير 2012 إلى نزاع مسلح غير دولي، يشمل أطرافًا محلية وإقليمية ودولية لا حصر لها، ولاحقًا إلى حرب بالإنابة (Proxy War) لصالح شبكة دولية معقدة من القوى العظمى والدول الإقليمية. إنّ انتقال الثورة السلمية في سورية إلى طور النزاع المسلح، كان له تبعات سلبية ومدمرة على ثورة السوريين التي خرجت للمطالبة بالحرية والكرامة، ومن ثم بإسقاط نظام الاستبداد والفساد الذي يديره بشار الأسد. وقد أدى تفاقم النزاع المسلح بين المتحاربين –قوات النظام وميليشياته من جهة، والجماعات المسلحة من جهة أخرى- إلى إلحاق الويلات بالمدنيين والتشريد القسري لأكثر من نصف السكان داخل سورية وخارجها”.

وأضاف: “تواصل قوات النظام انتهاج سياسات تتمثل بارتكاب المجازر، وشن هجمات واسعة النطاق على المدنيين، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية بشكل ممنهج، تتمثل بالقتل العمد والتعذيب وأخذ الرهائن والإخفاء القسري والعنف الجنسي. وترتكب قوات النظام انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب تتمثل في استهداف المدنيين، والقتل العمد وأخذ الرهائن وتجنيد الأطفال واستخدامهم في أعمال القتال والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي، وتنتهك الحماية الخاصة الممنوحة للمشافي والعاملين في المجالين الطبي والإنساني. ويؤدي القصف الجوي والمدفعي العشوائي والمفرط إلى بث حالة من الذعر بين المدنيين، وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا، منهم من قضى بسبب استخدام القوات الحكومية القذائف العنقودية وغاز الكلور، وهي أسلحة غير مشروعة”.

وختم بالقول: “تنتهج المجموعات المسلحة سياسة القتل العمد والإعدام خارج نطاق القانون، وتمارس التعذيب وأخذ الرهائن والإخفاء القسري والاغتصاب والعنف الجنسي، وتجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال القتالية، والهجوم على الأعيان المحمية، كما أنها تستهدف العاملين في المجالين الطبي والديني. وتلجأ بعض الجماعات المسلحة إلى ارتكاب المجازر بحق المدنيين، وبث الرعب في صفوفهم عبر القيام بتفجير السيارات المفخخة في المناطق المدنية، ومحاصرة الأحياء المدنية وقصفها بشكل عشوائي”.

وتبيّن في سياق ورقته البحثية أن أفعال وممارسات المتحاربين المحسوبين على قوات النظام والميليشيات التابعة لها والجماعات المسلحة، تدخل ضمن نطاق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وقد تضمنت المداخلة مجموعة من التوصيات أهمها:

– وفاء جميع المتحاربين بالتزاماتهم، في الامتثال لقانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ووقف الانتهاكات وتحديدًا الجسيمة.

– عدم استهداف المدنيين ووقف قصف المناطق المأهولة بالمدنيين وفرض الحصار عليها.

– السماح للمنظمات الإنسانية بالدخول إلى مناطق سيطرة المتحاربين وتسهيل وصول مساعدات الإغاثة الإنسانية.

– السماح بدخول لجنة التحقيق المستقلة وسائر الخبراء الدوليين المستقلين، وتوثيق جميع ممارسات أطراف النّزاع في سورية، وجمع الأدلة حول ذلك وتوثيقها؛ لاستخدامها في سياق المحاكمات المستقبلية.

– إحالة مجلس الأمن الحالة السورية إلى محكمة الجنايات الدولية، بصفتها الجهة الأقدر والأكثر كفاءة لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

– وفاء الدول الأطراف بالتزاماتها الناشئة عن القانون الدولي الإنساني، وإعمال مبدأ الولاية القضائية العالمية لمحاكمة المتورطين بالانتهاكات الجسيمة أمام محاكمها الوطنية.

يُذكر أن مركز حرمون للدراسات المعاصرة أطلق (صالون الجولان)، في آذار/ مارس 2017، كمنبر للتأكيد على سوريّة الجولان وهويتها الوطنية. والحفاظ على انتمائه السوري ورفض محاولات (إسرائيل) تهويده وأسرلة سكانه.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق