تعرضت مدينة دوما في الغوطة الشرقية، طوال يوم السبت 7 نيسان/ أبريل 2018، لقصف جوي عنيف من قبل الطائرات التابعة للنظام السوري والطائرات الروسية. وقد استهدفت المدينة بأكثر من 200 غارة جوية خلال 24 ساعة؛ ما تسبب بمقتل ما يزيد عن 150 شخصًا وإصابة نحو 700 آخرين بجروح، معظمهم من الأطفال والنساء. وتؤكد كافة وسائل الإعلام والناشطين أن عدد الضحايا في ارتفاع مستمر، نظرًا إلى عدم تمكن فرق الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إلى كافة الأماكن المتضررة جراء القصف. ويعاني عشرات آلاف المدنيين الذين تحاصرهم قوات النظام السوري في دوما، منذ عام 2013، أوضاعًا سيئة جدًا، نتيجة القصف المتواصل على المدينة منذ نحو شهر، بينما تُجري روسيا مفاوضات مع “جيش الإسلام” الذي يسيطر على دوما لإخلاء المدينة.
أظهرت العديد من الصور التي نشرها ناشطون وإعلاميون موجودون داخل مدينة دوما المحاصرة صورًا لضحايا، جلهم من الأطفال، ممن أصيبوا جراء استخدام الغازات السامة والأسلحة الكيميائية. وبحسب أفراد قوى الدفاع المدني في دوما بالغوطة الشرقية، فإن الأعراض الظاهرة على المصابين ناجمة عن هجوم بصواريخ تحتوي على غازات الكلور والسارين المحظور استخدامها دوليًا. وقد صرحت مصادر طبية من داخل مدينة دوما بأن معظم الضحايا قد تعرضوا للاختناق، من جراء استهدافهم بالغازات السامة، وأن بعض أقسام المستشفى الوحيد في المدينة خرجت من الخدمة بعد استهدافها بالقصف العنيف.
وقد ذكر متطوعو الدفاع المدني السوري -الخوذ البيضاء– أن عملية القصف بالسلاح الكيميائي تلاها قصف المواقع المستهدفة ومبنى المستشفى الذي استقبل المصابين بالبراميل المتفجرة بواسطة المروحيات. وقد أكد متطوعو الدفاع المدني ظهور أعراض مشتركة على المصابين: الزرقة وخروج زبد من الفم وحروق في القرنية، وهو ما يرجح أن أحد مركبات الفوسفور العضوية تدخل ضمن الغازات السامة المستخدمة. وبحسب ما وثقته فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، فقد وقع ما يزيد عن مئتي استخدام للسلاح الكيميائي في سورية، منذ عام 2012 حتى الآن، ولم تفلح قرارات مجلس الأمن السابقة حول الموضوع بإيقاف استخدام السلاح الكيميائي في سورية.
حمّل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية النظامَ السوري والحكومة الروسية مسؤوليةَ قصف دوما العشوائي، ومن ذلك القصف بالغازات السامة، واعتبر هذا الفعل جريمة حرب بحق الأبرياء السوريين، وطالب الدولَ دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبخاصة فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، بالوفاء بالتزاماتهم المتمثلة بحماية السلم والأمن الدوليين، كما هو منصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وتوفير الحماية للسوريين. بدورها، لم تستبعد الخارجية الأميركية وقوع هجوم بالأسلحة الكيميائية والغازات السامة على مدينة دوما، حيث صرح الناطق باسمها بأن الولايات المتحدة تتابع التقارير المثيرة للقلق، وأنها تجري تقييمًا للمعلومات الواردة. وحمّل بيان وزعته الخارجية الأميركية روسيا مسؤولية أي هجوم كيميائي أو بالغازات السامة يحدث في سورية، وجاء فيه: “روسيا تتحمل في نهاية الأمر مسؤولية الاستهداف الهمجي والوحشي للسوريين بالأسلحة الكيميائية”.
قصف قوات النظام والطائرات الروسية مدينة (دوما) هو انتهاك خطير لالتزاماتهم، بموجب القانون الدولي الإنساني ومعايير حقوق الإنسان الدولية، بشأن حماية السكان المدنيين ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، وعدم جواز أن يكون المدنيون محلًا للهجوم، وكافة أعمال العنف أو هجمات الردع أو أساليب التهديد الرامية أساسًا إلى بث الذعر بين السكان المدنيين. كما تنتهك عمليات القصف العشوائي لمدينة دوما المحاصرة قاعدةً ملزمةً بشأن التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، تقضي بأن يوجه أطراف النزاع عملياتهم ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية. ولا يحق في هذه الحالة لقوات النظام وروسيا تبرير استخدامهم للقوة المفرطة وعمليات القصف العشوائي تحت طائلة وجود مقاتلين بين السكان المدنيين؛ لأن ذلك لا يعفيهم من اتخاذ كافة الاحتياطات المطلوبة للتمييز بين المدنيين والمقاتلين، وتقليل الخسائر قدر المستطاع بين المدنيين. وفي حال وجود شكوك، حول الشخص أهو مدني أم غير مدني، فإنه يُعد مدنيًا، ولا يجرد السكان المدنيون من صفتهم المدنية، عند وجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين، إذ يقع في هذه الحالة على أطراف النزاع التمييز بين المدنيين وغير المدنيين، أي المقاتلين.
ينص القانون الدولي الإنساني على واجب ومسؤولية الدول، بعدم جعل المدنيين هدفًا للهجوم مطلقًا، والامتناع عن استخدام الأسلحة التي لا تميّز بين الأهداف المدنية والعسكرية، ومن ضمنها الغازات السامة والأسلحة الكيميائية. وقد سبق للدول أن حظرت استخدام الغازات السامة والخانقة في الحرب، بموجب البروتوكول بشأن حظر استخدام الغازات الخانقة والسامة أو ما شابهها والوسائل الجرثومية في الحرب، لعام 1925، بصفته أمرًا مدانًا من قبل الرأي العام في العالم المتمدن، وعليه التزمت الدول الموقعة على البروتوكول. كما تعهدت الدول بموجب “اتفاقية حظر استحداث وصنع وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدمير هذه الأسلحة” لعام 1993، بألا تقوم تحت أي ظرف باستحداث أو إنتاج الأسلحة الكيميائية والغازات السامة أو امتلاكها أو تخزينها أو الاحتفاظ بها أو نقلها أو استعمالها أو اتخاذ استعدادات عسكرية لاستخدامها.
وتعد الهجمات الجوية العشوائية، كالقصف باستخدام الغازات السامة والأسلحة الكيميائية التي تشنها الطائرات الروسية وقوات النظام على دوما، انتهاكًا جسيمًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، وهي ترقى إلى مستوى جريمة حرب، بموجب المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، التي تحظر استخدام السموم أو الأسلحة المسممة أو الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات، أو تعمّد شن هجوم مع العلم أن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر في الأرواح، أو عن إصابات بين المدنيين، أو عن إلحاق أضرار بالأعيان والممتلكات المدنية أشد إفراطًا، بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة من الهجوم.