تحقيقات وتقارير سياسية

تقارير حقوقية: استهداف إسرائيلي ممنهج للصحافيين الفلسطينيين لحجب الحقيقة

 

أكّدت منظمات حقوقية وإنسانية فلسطينية، في قطاع غزة والضفة الغربية وأراضي 48، أنّ استهداف قناصة جيش الاحتلال للصحافيين الفلسطينيين يأتي في سياق خطّة ممنهجة، وهو ما يؤكّد انتهاك “إسرائيل” لقواعد القانون الدولي والإنساني.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة أنّ جنود الاحتلال استهدفوا، يوم الجمعة الماضي، خلال حراك “مسيرة العودة الكبرى” السلمي، الصحافيين والمصورين والطواقم الصحية الميدانية بشكل مباشر؛ ما أسفر عن ارتقاء المصور الصحافي ياسر مرتجى (30 عامًا)، وإصابة 40 صحافيًا ومصورًا غزيًا، منذ يوم الجمعة قبل الماضي، منهم 13 بالرصاص الحي، و2 بكسور من جراء إصابتهم بقنابل غاز، و25 بالاختناق، وهو ما أكّده مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة.

دعا المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان، ومقره الرئيس في جنيف، وله مكتب إقليمي في الأراضي الفلسطينية، الأممَ المتحدة إلى فتح تحقيق في استهداف الصحافي ياسر مرتجى، الذي استشهد متأثرًا بجراح أصيب بها جراء قنصه من قبل قناصة جيش الاحتلال، في أثناء تغطيته تظاهرات الجمعة الماضية شرقي قطاع غزة.

ذكر المرصد “الأورومتوسطي”، في بيان وصلت نسخة منه لصحيفة (جيرون)، أنّ “أربعة من خبراء الأمم المتحدة، من ضمنهم مقرر حرية التعبير، أصدروا بيانًا عاجلًا على خلفية الأحداث في غزة، أكّدوا فيه حظر القانون الدولي الصارم، لاستخدام القوة من المسؤولين المكلفين بإنفاذ القانون”.

وبيّن المرصد، في شكواه للأمم المتحدة، أن قناصة جيش الاحتلال -بالرغم من تأكيد منظمي الاحتجاجات على سلمية الفعاليات- قَتلوا 17 متظاهرًا، عند الحدود لم يشكلوا تهديدًا مباشرًا للجنود، وأصابوا نحو 1200 آخرين، في 30 آذار/ مارس الماضي.

اغتيال الحقيقة

من جهة أخرى، طالبت نقابة الصحافيين الفلسطينيين المجتمعَ الدولي والاتحاد الدولي للصحافيين، بـ “إرسال فريق خاص للتحقيق في جرائم الاحتلال تجاه الصحافيين”. فيما اعتبر مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، أن الهدف من استهداف الصحافيين هو “حجب الحقيقة عن العالم”. وطالب محكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة، بـ “إجراء تحقيق فوري في جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين”.

في السياق، قال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان: إنّ “استهداف قوات الاحتلال الصحافيين الفلسطينيين، على الرغم من وجود كل الشارات المميزة لطبيعة عملهم، يؤكّد -بما لا يدع مجالًا للشك- أنّ جنود الاحتلال لديهم أوامر، أو على الأقل لديهم تصريح، بإيقاع خسائر بشرية وردع الصحافيين عن تغطية جرائمه”.

أوضح المركز، في بيان عمّمه على وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، أنّ “قوات الاحتلال قتلت المصور الصحافي ياسر مرتجى، بعد إصابته من قناصة الاحتلال، بطلق ناري اخترق بشكل عرضي منطقة البطن، وأدى إلى وفاته متأثرًا بجراحه، فجر يوم السبت الموافق 7 نيسان/ أبريل”. وأشار إلى أنّ (مرتجى) “كان يرتدي علامات مميزة أنّه صحافي، إذ كان يرتدي سترة واقية زرقاء اللون مكتوب عليها “press”، إلى جانب ارتدائه خوذة رأس زرقاء اللون أيضًا”.

شدّد المركز الحقوقي المستقل الذي يرأسه الحقوقي راجي الصوراني، ومقره غزة، على أنّ “استهداف الصحافيين هو جريمة، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وأنّ ما حدث سياسة إسرائيلية متبعة لإخراس الصحافة، يمارسها الاحتلال ويرصدها المركز منذ عقود، لطمس الحقيقة وتغييب الرواية الأخرى التي تتحدث عن جرائمه ضد الشعب الفلسطيني”.

وأكّد المركز: على الاحتلال “التزام دولي، باتباع المعايير الدولية المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية من المكلفين بإنفاذ القانون”، داعيًا الأطراف الدولية ذات العلاقة، ولا سيما الاتحاد الدولي للصحافيين وآليات الأمم المتحدة، إلى تعزيز حماية حقوق الإنسان، وخاصة المقررين الخاصين لكل من الحق في حرية التعبير والحق في التجمع السلمي، بالعمل على رصد الانتهاكات والخروج بالموقف المناسب من هذه الأحداث، وبخاصة في ما يتعلق بالاستهداف المباشر للصحافيين.

في الشأن ذاته، دان مركز (إعلام)، ومقره مدينة الناصرة المحتلة، وهو مركز إعلامي للمجتمع العربي الفلسطيني في أراضي 48، استهدافَ الصحافيين في غزة، مؤكدًا في بيان له أنّ “هذا الاستهداف أدى إلى استشهاد المصور الصحافي ياسر مرتجى الذي كان يبعد 350 مترًا عن الجدار، وفق شهادات قمنا بجمعها”. ورأى أنّ “استهداف الصحافيين يأتي ضمن محاولات (إسرائيل) طمس جريمتها بحق المتظاهرين السلميين، ومحاولة تغليب روايتها الدعائية على الحقيقة في أرض الواقع”. وأكّد (إعلام) أنّ “استشهاد مرتجى وإصابة صحافيين آخرين، هو إصرار من قبل (إسرائيل) على ارتكاب جرائم متعمدة ضد الصحافيين”.

وجّه مركز (إعلام) رسالةً إلى الجيش الإسرائيلي، طالبه فيها بـ “التحقيق في ظروف الحادث، مع التشديد على أنّ الصحافيين -بحكم وظيفتهم في نقل الواقع والحقيقة- محميون وفق المواثيق الدوليّة، وآخرها القرار (2222) الصادر عن الأمم المتحدة 2015، والمشدّد على ضرورة حماية الصحافيين في مناطق النزاع المسلح، وضرورة الدور الذي يجب أن تلعبه محكمة الجنايات الدولية للدفاع عنهم”.

انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة

لفتت تقارير حقوقية إلى أنّه، وفق متابعة حالات الاستهداف والإصابات، يمكن التأكيد على أنّ جنود الاحتلال قاموا باستهداف المتظاهرين والصحافيين والمصورين والطواقم الصحية الميدانية، بهدف القتل، وهذا يتضح بصورة جلية من مكان الإصابات، وقد كان عدد كبير منها في الرأس وفي أعلى الجسم. وأشارت التقارير إلى أنّ “القتل العمد أو الإصابة الخطيرة للسكان المحميين يرقى إلى مستوى انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة”.

وارتقى 10 فلسطينيين في “جمعة الكاوتشوك”، وأصيب 1354 منهم 491 بالرصاص الحي والمتفجر، باستهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي المتركز على حدود قطاع غزة لمسيرة العودة الكبرى في الجمعة الثانية لها، بعد أن قتل 20 آخرين الأسبوع الماضي.

وتنص المعايير الدولية لاستخدام الأسلحة النارية على أنّه “لا يجوز للجنود استخدام الرصاص الحي إلا في حالة تعرضهم لخطر محدق، يهدد حياتهم بشكل مباشر، ويجب أن يكون إطلاق النار بالتدريج، وبشكل متناسب مع حجم الخطر، من خلال التحذير أولًا، ولا يجوز بكل الأحوال استخدام الرصاص الحي إلا كآخر خيار، وبهدف الدفاع عن النفس أو الغير من خطر محدق، وبهدف تعطيل حركة المهاجم وليس قتله”.

وفي الضفة الغربية المحتلة، نظم عشرات الصحافيين الفلسطينيين، السبت، وقفة وفاء للشهيد ياسر مرتجى، وسط مدينة رام الله، حاملين لافتات تنعى زميلهم، مؤكّدين المضي في حمل رسالته الإعلامية، على الرغم من المخاطر التي يتعرض لها الصحافي الفلسطيني من قتل واعتقال واستهداف.

وقال عضو الأمانة العامة لنقابة الصحافيين عمر نزال: “إنّ هذه الجريمة الجديدة بحق الصحافيين لن تمر دون عقاب”، مشيرًا إلى تصاعد جرائم الاحتلال ضد الصحافيين، إذ قتل 80 صحافيًا منذ عام 1967، منهم 48 شهيدًا في الضفة وغزة، منذ عام 2000”.

أكّد نزال أنّ “استهداف الاحتلال المتعمد للصحافيين يهدف إلى منعهم من نقل الحقيقة”، مضيفًا “لكننا ماضون في هذه التغطية، وأصواتنا ستبقى عالية، وعدسات كاميراتنا ستبقى مفتوحة، وسنوثق كل جرائم الاحتلال بحق أبناء شعبنا”. وأضاف: إنّنا “مصممون على الاستمرار في عملنا، وأداء واجبنا الوطني والمهني في الكشف عن جرائم الاحتلال، مهما كلفنا من دماء وتضحيات وعذابات، وستبقى تغطياتنا مستمرة”.

وفي وقفةٍ نُظمت أمام مقر الأمم المتحدة غرب مدينة غزة، قال نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين تحسين الأسطل: إنّ “استهداف الصحافيين يعدّ جريمة بموجب القانون الدولي الإنساني، ويأتي في إطار سياسة إسرائيلية متبعة، بهدف إبعاد وسائل الإعلام عن ساحة الجريمة الكبرى التي يرتكبها بحق المواطنين الأبرياء”. لافتًا إلى أنّ “النقابة مستمرة في جهودها، لملاحقة القتلة ومجرمي الحرب الإسرائيليين”. ودعا الأسطل، المجتمعَ الدولي إلى “التحرك الدولي، فورًا، لإجبار سلطات الاحتلال على التوقف عن جرائمها بحق الفلسطينيين”.

من جانبه، قال مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس: إنّ “الاحتلال يرتكب جرائم حرب منظمة، وسوف يستمر فيها طالما أمن المساءلة الدولية”. وتابع قائلًا: إنّ “ما تستهدفه (إسرائيل) هو إلحاق أكبر قدر من الأذى بالمدنيين”.

وشدّدت المنظمات والمراكز الحقوقية ونقابة الصحافيين على الدور المحوري للاتحاد الأوروبي، في تعزيز حماية حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، وطالبته بتفعيل شرط احترام حقوق الإنسان في اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية، بما يضمن احترام سلطات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأرض المحتلة. وأكّدت الهيئات الفلسطينية أنّ تقديم أيّ دعم عسكري أو سياسي، من قبل أي طرف دولي في هذه الأثناء، يُعدّ اشتراكًا في الجريمة المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق