ترجمات

صحيفة اللوموند: “على المسلمين المشاركة في النضال الذي تقوده الجمهورية ضد الإرهاب”

يشرح الكاتب الطاهر بن جلون، في منبر نشرته صحيفة اللوموند، أنه يجب غسل الإسلام من خطابات الكراهية الكارثية التي تناقض مبادئه وقيمه التي تعكس صدى قيم الدينَين التوحيديَين الآخرَين.

فرنسا دولة قانون. يحاول الإرهاب كسر هذه الدولة وتدمير الديمقراطية. لكن كل إجابات فرنسا كانت على انسجام مع الروح الجمهورية.

لا مجال، على سبيل المثال، لاتباع المثل الأميركي القائم على إنشاء غوانتانامو على الطريقة الفرنسية. ثمة أصوات ترتفع من أجل إقامة مراكز يتمّ فيها حجز عشرين ألف فرد، مصنفين بوصفهم “س” (أي أمن الدولة)، لكن ذلك ليس ممكنًا ولا مرجوًا. إذن ما العمل؟

تجد فرنسا نفسها هدفًا دائمًا لحركة تدفعها كراهية الجمهورية، ورفض قوانينها، والعنصرية المناهضة للمسيحيين، وكذلك ضد اليهود. خطاب الجهاديين ساذج. إذ وهم يهتفون “الله أكبر”، يعلنون لون أفعالهم. قيل لهم بما فيه الكفاية إلى أي حد هذه البلد هي “أرض الكفار، يهيمن عليها اليهود، وأن من واجب المسلم تنظيفها”. لا يوجد شيء آخر في رأس هؤلاء الأفراد الذين هيمنت عليهم دعاية فعالة وملحة، تغلب عليها نزعة في معاداة السامية تزداد عنفًا.

لا تستطيع فرنسا أن تستمر في انتظار أن يتعب أعداؤها أو يصيروا عاقلين؛ إذ أنهم لن يتخلوا ولن يتوبوا. من الممكن العثور على تسويات مع المافيا، أكثر مما يمكن العثور عليها مع الجهاديين، لأن هؤلاء الأخيرين مفعمين بأيديولوجية حربية وبكراهية لا حدود لها.

الاستنكار لا يكفي

هل يجب إعلان حالة الطوارئ مجدّدًا؟ زيادة عدد الحرس وتشديد البحث والتفتيش؟ كل ذلك ممكن، لكنه، في العمق، لا يفيد شيئًا كبيرًا. يقوم الدرك والشرطة بعملهم بلا هوادة. والعمل البطولي الذي قام به الكولونيل آرنو بيلترام هو هنا للبرهنة على ذلك. إلا أن ما يجب فعله، لوضع حدٍّ لعودة المأساة الأبدية هذه، يتعلق باستراتيجية أخرى: أن يشارك السكان المسلمون فعليًا في النضال، وفي منع الإرهاب الذي يرتكب باسمهم، أو، على الأقل، باسم دين أسيء فهمه، وحرّف عمدًا عن مساره.

لم يعد بوسع المسلمين، على تباينهم، أن يكتفوا بالسخط من هذه الأفعال الوحشية وإدانتها. يجب عليهم أن يشاركوا في النضال الذي تقوده الجمهورية ضد الإرهاب.

كيف؟ هناك مستويان.

الأول موجود أصلًا، لكنه لا يؤلف قوة مهمة. يزداد أكثر فأكثر انخراط شباب مسلمين (مؤمنين أو غير مؤمنين، لكنهم ذوو ثقافة وحساسية إسلاميتين)، في صفوف الشرطة والدرك. يجب حضهم، وتشجيعهم، ومنحهم إمكانية الدفاع عن قيم الجمهورية، عن طريق انخراطهم في هذا النضال.

طائفة تميل إلى الانكفاء والصمت

المستوى الثاني أكثر تعقيدًا، لأن المقصود إقناع أكثرية السكان المسلمين، بمساعدة الأمة في منع الاغتيالات والحيلولة دونها. ولهذا، سيتوجب أن تغير فرنسا الرؤية التي لديها عن الإسلام وعن المسلمين. يجب كسب هذه الطائفة، وهي منقسمة بالتأكيد وحذرة، بل ميالة إلى الانكفاء والصمت. يجب أن تشعر بنفسها معنية بهذه القضية التي تحملها أعباء وزر جسيم، وأن تتبنى، في الوقت نفسه، إسلامًا دنيويًا ملائمًا للعلمانية.

كيف العمل، كيف الكلام، كيف التنظيم؟ ذلك ما يتطلب الوقت والخيال.

بداية، يستطيع رئيس الجمهورية أن يتوجه إلى مسلمي فرنسا، ويطمئنهم، وأن يمدَّ لهم يده من أجل تعاونٍ يعني أيضًا مستقبلهم ومستقبل الأمة كلها. نعلم أن “إسلام فرنسا” لم يوجد بعد. نحن نتخيله، ونأمله، ونرسمه، لكن جميع الناس يتفقون على أنه لم يعثر بعد على مكانه في المجتمع الفرنسي العلماني. ثمة عمل كثير يجب القيام به من أجل جعله ممكنًا، وذا صدقية، وجمهوريًا. لم يتم الشروع في هذا العمل، حتى وإن كانت المؤسسة الثقافية، إسلام فرنسا، قد أنشئت منذ عام 2016 وتحاول إعداد مشروعات ومبادرات. لكنها لا تزال تفتقر إلى الموارد.

 

العنوان الأصلي 
الكاتبالطاهر بن جلون
المصدرصحيفة اللوموند   Le Monde
الرابط 
المترجمبدر الدين عرودكي

 

مقالات ذات صلة

إغلاق