اندلعت الحرب الأهلية في سوريا قبل سبع سنوات. وفي السنة الاولى شهد بشار الأسد الهزائم أساساً. فالأرض التي حازها النظام العلوي أخذت في التقلص. وبأذني سمعت وزير الدفاع إيهود باراك يقدر بأن أيام الأسد معدودة. وحسب أفضل ذاكرتي، لم يعطه أكثر من أسبوعين.
جهازنا الأمني تردد في حينه في التوصية التي يقدمها للقيادة السياسية. هل ما يحصل في سوريا ـ جيد لليهود؟ هل سقوط الأسد كجزء من الربيع العربي (والذي كان عندنا محللون وخبراء شاذون علقوا عليه آمال عظمى للتحول الديمقراطي في العالم العربي) هو بشرى لدولة إسرائيل أم لعل البدائل التي ستنشأ في سوريا ستكون أخطر علينا؟ في البداية كانت هناك محافل تقدير عندنا مقتنعة بأن سقوط الأسد محتم، وعليه فليس هاما على الإطلاق ما نريد. ولكن بعد ان صمد حاكم سوريا حتى عندما كانت معظم دولته يسيطر عليها داعش وميليشيات متنوعة ومختلفة بلورت إسرائيل سياسة الجلوس على الجدار: دعم انساني فقط للثوار على طول حدود الجولان، «خطوط حمر» بالنسبة لنقل «السلاح محطم التوازن» من الأسد إلى حزب الله في لبنان، ومحاولة، عقيمة في هذه الاثناء لمنع تثبيت التواجد الإيراني في سوريا.
هكذا استمر هذا في السنوات الأخيرة. فقد قررت إسرائيل عدم التدخل في الحرب الاهلية في سوريا. «فهذا هو خيار بين الطاعون والكوليرا»، قال عندنا وتمنوا النجاح لكل الاطراف. نظرنا من الجانب إلى كل ما يجري في سوريا. وكان الثمن بالطبع تجاهل مصالحنا في المداولات التي جرت بين اولئك الذين تدخلوا فيها عمليا. لم نكن موجودين في المداولات بين الولايات المتحدة وروسيا، وبالتأكيد ليس في المداولات بين بوتين، أردوغان وروحاني. وفي كل الوقت واصل خبراؤنا ينقطون في آذاننا المسلمة التي لا جدال فيها: سوريا لن تعود لتكون ما كانت عليه قبل الحرب الأهلية. مرة أخرى لن تكون عدوا خطيرا لإسرائيل، لن تعود دولة مع وحدة اقليمية، بل إطار هزيل ومفكك من المصالح المحلية والاجنبية، القبائل والميليشيات، ليس دولة.
ولكن حان على ما يبدو الوقت لإعادة تقويم الوضع. إذ رغم الخبراء، فإن الأسد، بمساعدة إيران وروسيا، ينتصر في الحرب. فبعد أن خرب مدنا بكاملها، قتل اكثر من نصف مليون من مواطنيه، جعل ملايين آخرين لاجئين ينتشرون في الاردن، العراق، لبنان، تركيا وفي الدول الاوروبية المختلفة، فإنه لا يزال الحاكم في سوريا.
صحيح أنه منح الروس قاعدة دائمة في صورة مطارات جوية وموانىء بحرية لن يخرجوا منها بسرعة، وصحيح أنه جعل نفسه متعلقا بإيران، بحرسها الثوري والميليشيات المختلفة التي تقاتل باسمها من أجله. صحيح أنه باع روحه للشيطان حزب الله، ولكن سوريا ستعود لتكون إطار دولة واحدة، مع حكم مركزي واحد، وكذا ستعود لتكون ما كانته: عدوا خطيرا لإسرائيل، بل واخطر مما كانت قبل ان تصبح وادي القتل والخراب، إذ حين تنتهي هناك الحرب، ستكون سوريا رأس جسر إيراني في حدودنا. لا يمكن لا هجوم على قاعدة سلاح جو سوريا كهذه أو تلك ان تغير هذه الصورة.
شيء واحد فقط يمكنه أن يوقف الآن هذه المسيرة: تصفية الأسد. الاستخدام الوحشي الذي يقوم به الأسد للسلاح الكيماوي الاجرامي ضد مواطنيه: الشيوخ والنساء والاطفال، يدحرج إلى يد إسرائيل فرصة لتغيير مجرى الامور المتوقع هذا. الأسد هو في نظر العالم الحر مجرم حرب، قاتل الجماهير الذي دمه مباح. تصفيته الشخصية ستؤدي أيضاً إلى سقوط نظامه. داعش لم يعد يشكل اعتبارا، أو ذريعة للامتناع عن التدخل في الحرب الأهلية. الأسد هو المرسى الإيراني في سوريا، وكذا المرسى الروسي، إذ ان بوتين يعرض تأييده للأسد كخطوة دعم للحكم الشرعي ضد المتمردين على الملكية. وهو يمنع كل خطوة ضده في مجلس الامن. الدول الاوروبية التي وافقت في الماضي في أنه في نهاية الحرب لن يكون بوسع الأسد مواصلة الحكم في سوريا تصطدم الان بالموقف الروسي الذي يعتقد بأن الأسد ليس المشكلة في سوريا بل جزء من الحل. هذه الخطوة الروسية هي الاخرى يجب أن تتشوش. ولمثل هذا التشويش سيكون لنا أيضاً شريك أمريكي. وعليه، فيجب قتل الأسد، وجميل ساعة واحدة أبكر.