ككل الطغاة، كان نظام الأسد جاهزًا، بالطبل والزمر، ليعلن أن الضربات العسكرية التي وجهتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، فجر اليوم السبت، على مواقعه، لم تنل منه؛ حيث استقدم في الصباح الباكر، رجالَ أمنه إلى ساحة الأمويين، ليتراقصوا ويتمايلوا أمام مبنى تلفزيونه، ليكون يسيرًا على إعلامه المشاركة في مراسم “الزفة”.
انتقلت عدوى الاحتفالات كالوباء، إلى بعض جمهوره الموالي من البسطاء، الذين لم تتح لهم فرصة التعرف إلى وطنهم طوال حياتهم، يرافقهم بزهو الانتصار المزعوم، كالعادة، عباقرةُ بعض اليسار والقوميين ومثقفي الارتزاق على هامش فتاته، وهم يذكروننا دائمًا بأنهم صنف آخر من شرطة المرور الذين كان نصيبهم بضع ليرات على معابر الطرقات، حيث يتبجحون بالقانون.
بالدربكّة والدبكة، عبّر نظام الأسد اليوم، عن انتصاره على الغرب الإمبريالي، وأعلن أنه ما زال قادرًا على قتل السوريين، بكل ما تيسر له من أدوات؛ إذ طالما أن رئيسهم ما زال مبتسمًا ولم يتأذ، فالوطن بخير، بل بألف ألف خير. بالمعاني ذاتها، عبّر ذات يوم نظام البعث، عندما خسر الجولان في 1967، حيث كان وزير الدفاع آنذاك الأسد الأب، وقد قابل السوريين بالوقاحة ذاتها، وأعلن أن النظام “انتصر”.
لا أحد يدري أين اختبأ الأسد وحاشيته المقربة، لحظة الضربة، قبل أن يقول له أسياده الإيرانيون والروس: “خلصت”، كما عوّد هو أتباعَه منذ سنوات سبع، لكن السوريين يدركون تمامًا، أنه حتى لو كان واقفًا في وسط ساحة الأمويين نفسها، مع الطبل والزمر، فلن تستهدفه أي لفحة هواء دولية، لا عربية ولا إقليمية ولا غربية ولا شرقية، فالمهمات التي أداها لكل هؤلاء مجتمعين، لم يقدمها أي جاسوس أو عميل، على مدى التاريخ البشري، وإن ذلك التطبيل في ساحة الأمويين وغيرها اليوم، ليس رسالة لمن أطلق الصواريخ فجرًا، واستبق الأسدَ بالتطبيل والتزمير لها أسبوعًا، إنما هي رسالة للسوريين المنكوبين، بأن القَتلة ما زالوا بخير، ويستطيعون الانتقام قريبًا من مدنكم وقراكم وأجساد أبنائكم.
إن الطبل والزمر الذي نظّر له بالأمس “قبنض”، في مجلس الشعب مؤكدًا أنه “ضروري”، يُطبّق اليوم بالصوت والصورة، كما طبّقه فنانو النظام من حرستا قبل أيام، وقد سبقهم مجلس شعبه كلّه بتأكيده، يومَ دخل عليه الأسد -بعد جريمته التي ارتكبها عند المسجد العمري، في درعا جنوب سورية مع بداية الثورة السورية- حيث انهمر الطبل والزمر بدخوله “الجنتل” إليهم، إذ وقف على المنصة يترنح ضاحكًا منتشيًا بدماء شعبه.
بتلك الصورة نفسها، أعلن ذات يوم، قائد ميليشيا “حزب الله” اللبنانية حسن نصر الله، بعد قصف (إسرائيل) لجنوب لبنان في 2006، وتهجير الأهالي نحو سورية وبقية المناطق اللبنانية، حيث قُدر العدد بنحو مليون لبناني، مع تدمير أحياء في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي مدن ومناطق لبنانية، وبعد أن أنهت (إسرائيل) هجومها؛ خرج نصر الله يعلن انتصاره على اللبنانيين قبل (إسرائيل)، لتتجدد اليوم تلك الانتصارات المستمرة منذ عقود، لزعماء التعليب الأمني على شعوبهم.
لا شك أن الأسد، في مقاييس تلك الأنظمة المعلبة، “انتصر” فجر اليوم على القوى العظمى، أو كما عنونت مواقع الأنباء الروسية، شقيقة ذلك المبنى المطل على ساحة الأمويين بدمشق، بأن “الرئيس الأسد يحضر إلى مكتبه كالمعتاد”، وكادت أن تكتب “والعصافير تزقزق والشمس تشرق والنسيم عليل”.
أعلنت وزارة الدفاع الروسية، صباح اليوم، أن دفاعاتها أسقطت “71 صاروخًا من بين 103 صواريخ قبل وصولها إلى أهدافها”، وأعلن إعلام الأسد أن دفاعاتهم الجوية أسقطت بدورها أغلب الصواريخ، وكلا الشقيقين الحليفين الموغلين في دم السوريين مع ولي فقيههم من إيران، يهزؤون من أميركا وحلفها، كونه لم يستطع الوصول إلى تقنيات براميل الخردة الأسدية الإيرانية، المحشوة بتقنيات العصر لقائد مسيرة التحديث والتطوير، وآيات الطائفية “الملالية”، مضافًا إليها حديد البيوت التي هدمتها تلك البراميل الهمجية على رؤوس أصحابها.
لم تمر على أعين موالي هذا النظام مشاهد طائرات عدوان أسدهم، وهي تدمّر بلدهم، ولم يشاهدوا طيران روسيا ولا مرتزقة إيران وهم يقتلون شعبهم، وكانت بالنسبة إليهم حافلات نقل المهجرين عن بيوتهم، من الغوطة وما سبقها، مجرد فيلم كوميدي أو فانتازيا، تستحق الرقص والتهليل والطبل والزمر.
رأى أولئك المطبلون ومثقفوهم، بحسهم “الوطني” عالي الجودة، صواريخَ الغرب فقط، ولم يروا تلك المواقع العسكرية المستهدفة، وهي تقصف المدنيين السوريين بكل أنواع الموت. ولم يستوعب أولئك المزمرون أن بقاء نظامهم على صدر السوريين، هو العدوان الدولي الأكبر والأخطر على سورية والمنطقة.