كلّما قيل: إن (داعش) هُزِمت وحان وقت الحل السياسي؛ وجدنا أن الأيدي التي تعبث بسورية وتثير الفوضى، تسعى لزعزعة الوضع أكثر من السابق.
فبعد قيام الطيران الحربي (الإسرائيلي)، في أعقاب عملية عفرين، بقصف قاعدة عسكرية يُظنّ أن إيران تستخدمها في سورية، وكذلك الممارسات التي تقوم بها ضد الفلسطينيين، وبعد اتهام قوات الأسد باستخدام السلاح الكيمياوي في الغوطة الشرقية؛ بلغ التوتر بين سورية والغرب ذروته.
فالاتهامات المتبادلة التي بدأت بين روسيا والولايات المتحدة (التي تؤيدها فرنسا وإنكلترة تأييدًا مطلقًا)، في أعقاب الأنباء حول استخدام قوات النظام أسلحة كيمياوية على مدينة دوما في الغوطة الشرقية، تحوّلت إلى توتر حقيقي بين البلدين.
الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها عازمون على الهجوم
وكان موقف الولايات المتحدة المتعلق بتوجيه ضربة عسكرية إلى سورية، قد أعلِن من قبل الرئيس دونالد ترامب بشكل مباشر.
ترامب الذي قال: “إن الخيار العسكري ضد سورية وارد، وسنجتمع بالقيادة العسكرية لنتخذ خلال 48 ساعة قرارات على درجة كبيرة من الأهمية”، يكون قد أفصح بذلك عن عزمه توجيه ضربة عسكرية لسورية. وربما تكون مدة 48 ساعة التي حددها ترامب للضربة قد انتهت، في أثناء قراءتكم هذه السطور.
الجدل والنقاش الذي دار في الأمم المتحدة يشيران إلى أن أميركا ستقدم على هذه الضربة بعملية مشتركة مع كل من فرنسا وإنكلترا. وقد تناقلت الصحف أن إحدى السفن الحربية التابعة للأسطول السادس الأميركي الرابض في البحر الأبيض المتوسط، بدأت بالتحرك باتجاه سواحل سورية. أما روسيا فكما كان قبل عام من الآن، فهي ما زالت تقف بجانب نظام الأسد، وتصرّ على عدم وجود أي إذن باستخدام السلاح الكيمياوي في المنطقة.
وقد عبّر ممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبنزيا عن موقف روسيا قائلًا: إننا أبلغنا الولايات المتحدة، عبر القنوات المعنية، أن قيامها بعمل عسكري ضد سورية، سيولّد نتائج خطرة ووخيمة.
وكان قد أُعلِن بالأمس عن حالة التأهب في أنظمة الصواريخ والرادار الروسية، في جنوب روسيا والبحر الأسود، مع الادعاء بطبيعة الحال أن هذا الإعلان جاء في إطار مناورات عسكرية كانت تجري مسبقًا.
الوضع وخيم أكثر مما كان عليه قبل عام
وكان الممثل الخاص للأمم المتحدة في سورية ستيفان دي ميستورا قد قال: إن الأمم المتحدة لم تستطع “تحديد المسؤولية عن هذا الهجوم الكيمياوي المشكوك فيه”.
وبهذا الشكل؛ تبدو الأمور وكأنها قد عادت مجددًا، بالرغم من كل المحادثات الدولية الثنائية والمتعددة، إلى ما قبل 7 نيسان/ أبريل 2017. (*)
حتى إن بعض الأوساط ترى أن الدول التي تظهر استماتة من أجل التقاسم والمحاصصة قد لجأت، بسبب تعاظم الخلافات والتناقضات بينها، إلى “استعراض للقوة”. ومع أخذ مسألة “شعور هذه الدول بحاجة أكبر إلى القوة العسكرية لتعزيز وتقوية مواقعها” بالحسبان؛ يبدو واضحًا كل الوضوح أن اتهام نظام الأسد باستخدام السلاح الكيمياوي، لم يكن سوى ذريعة لزيادة نفوذها وفاعليتها العسكرية في سورية.
ولذلك، فإن الولايات المتحدة، ومعها شركاؤها المقربون: فرنسا وبريطانيا، سيقومون أولًا بضرب بعض الأهداف في سورية، ثم بعد ذلك سيعملون على البحث عن الدلائل، حول استخدام السلاح الكيمياوي في دوما: أحدث فعلًا، أم لا!
طبعًا، إذا رغبوا في البحث عن ذلك! حيث إن الاحتمال الأكبر، هو بقاء الأدلة الحقيقية التي تثبت استخدام السلاح الكيمياوي، في الظلام هنا أيضًا، كما جرى في إدلب قبل عام.
ضوء أخضر من تركيا للتدخل الغربي
وكما في كل مرة، فإن رئيس الجمهورية أردوغان يتّهم العالم أجمع، وبخاصة الدول الكبرى كالولايات المتحدة والغرب، بالصمت والبقاء متفرجًا على مأساة الشعب السوري الذي يتعرض للقتل من قبل النظام. فأردوغان يتهم هؤلاء بعدم التدخل ضد الهجمات الكيمياوية المزعومة -إن كانت قد حدثت- التي تتعرض لها الغوطة الشرقية، ناسيًا أن ذلك يتم بغطاء روسي، وأن القاتل والمقتول هما مسلمان!
أما المتحدث باسم الحكومة باكير بوزداغ الذي خرج إلى وسائل الإعلام، بعد اجتماع مجلس الوزراء، فقد قال: ينبغي على المختصين التحقيق في الهجوم الذي حدث في الغوطة الشرقية، بالسرعة القصوى. المعلومات التي وصلتنا سواء من قبل جهاز استخباراتنا، أو من الصور والمشاهد والأخبار الواردة، تثبت بشكل قاطع وقوع هجمات بالسلاح الكيمياوي هنا. ولكن التحقق من ذلك من قبل خبراء ومختصين على درجة كبيرة من الأهمية؛ ما يعني أنه يسير على مبدأ [لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم]. وبقوله: “نحن متأكدون من استخدام قوات النظام لأسلحة كيمياوية”، يكون قد أنار “الضوء الأخضر” لتدخل القوى الإمبريالية.
وهذا ما يظهر لوحة على قدر كبير من التناقض، لأن تركيا التي تسعى جاهدة لكسر شوكة أميركا ونفوذها في سورية، تكون قد وضعتها في موقف أكثر تأثيرًا وفاعلية في سورية هذه المرة، باستدعائها الولايات المتحدة للتدخل ضد النظام.
الطلب الروسي الحرج بشأن عفرين
بعد أن دخلت تركيا في علاقات اقتصادية حقيقية وقوية مع روسيا، توّجت بالبدء بإنشاء مفاعل نووي وشراء صواريخ (S-400) فإن هذه العلاقات تتّجه وتسير في طريق قد يجعل البلدين وجهًا لوجه، بسبب السياسة التركية في سورية، بل يتسارع هذا التقدم فوق ذلك بوتيرة كبيرة.
وفي هذا الخصوص؛ قال الأستاذ المساعد الدكتور فاتح ياشلي، عضو الهيئة التدريسية في جامعة (أبانت عزت بايسال) قسم العلاقات الدولية، في معرض تقييمه للوضع في صحيفتنا أمس: “في حال قامت الولايات المتحدة الأميركية بعمل عسكري جديد في سورية… وهذا احتمال كبير؛ فإن السلطة الحاكمة ستكون أكبر المسرورين بذلك. وهذا ما سيُظهِر مرة أخرى الحدود الموضوعية للتقارب مع كل من روسيا وإيران”. وأضاف أن التقارب الروسي-التركي في سورية قد وصل إلى حدوده ومداه. والأكثر من ذلك، فقد ازدادت في الآونة الأخيرة أعداد القائلين بأن تركيا تميل إلى صف الغرب الإمبريالي.
لأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان قد أعلن أن الرئيس أردوغان لم يصرح قط ببقاء القوات التركية في عفرين، وأن على تركيا أن تقوم بإعادة تسليم المنطقة إلى الحكومة السورية، حال انتهاء العملية.
كل تطور جديد يزيد من التناقضات
رئيس الجمهورية أردوغان قال: إن طلب لافروف هذا هو “طلب خاطئ”، وإننا نحن من نقرر لمن نسلم عفرين، عندما يحين وقت ذلك. وعند الأخذ بعين الاعتبار المقاصد والغايات الروسية في سورية، فإن الطلب الروسي القادم بتسليم منطقة (درع الفرات) أيضًا إلى الحكومة السورية، لن يحتاج إلى المزيد من العلم والمعرفة الدبلوماسية.
أما العلاقات الاقتصادية التي بنيت بين البلدين، فهي على الأغلب ستعقد وتقيد أيدي تركيا، أكثر من روسيا. وبأخذ هذه التطورات كلها بالحسبان؛ يبدو أن التوتر الحاصل بين الغرب الإمبريالي وروسيا، سيجعل العلاقات بين روسيا وتركيا تسير، على نحو بيّن وواضح، باتجاه الخلاف والمواجهة.
(*) في 7 نيسان/ أبريل 2017 قامت الولايات المتحدة الأميركية، بعد الادعاء باستخدام قوات النظام أسلحة كيمياوية على مدينة إدلب، بتوجيه ضربة عسكرية، استهدفت فيها مطار الشعيرات العسكري القريب من مدينة حمص السورية، بصواريخ أطلقتها من سفن حربية.
Suriye’ye batı müdahalesi Türkiye-Rusya ilişkilerini baskılıyor | العنوان الأصلي للمقالة |
Yazar: İhsan Çaralan | الكاتب: إحسان تشارالان |
Kaynak: Evrensel gazetesi- 11.04.2018 | المصدر وتاريخ النشر |
https://www.evrensel.net/yazi/81242/suriyeye-bati-mudahalesi-turkiye-rusya-iliskilerini-baskiliyor | رابط المقالة |
علي كمخ | المترجم |