مع إعلان النظام السوري وحلفائه الإيرانيين والروس انتهاء العمليات العسكرية في الغوطة الشرقية، بعد سيطرتهم على مدينة دوما يوم الجمعة الماضي، عقب عملية عسكرية واسعة بدأت في 18 شباط/ فبراير 2018، وانتهت بتهجير معظم سكان الغوطة الشرقية؛ بدأت التساؤلات تُثار حول مصير الجنوب السوري.
تسيطر فصائل الجنوب، ومعظمها من (الجيش السوري الحر)، على مساحات واسعة من ريف محافظة درعا، وأجزاء مهمة من درعا المدينة، إضافة إلى معبر نصيب الحدودي ومعبر الجمرك القديم، وهما يمثلان المنفذين البريين الوحيدين نحو الأردن.
تشهد هذه المنطقة هدوءًا نسبيًا، منذ توقيع “اتفاق خفض التصعيد” في الأردن، في تموز/ يوليو الماضي، بحضور الجانب الأميركي والروسي والأردني، كما تخضع المنطقة لحسابات دولية مهمة، تتعلق بأمن دولة الاحتلال الإسرائيلي.
نصت مذكرة التفاهم الموقعة حول مناطق تخفيف التوتر في جنوب سورية، على جعل مناطق “جنوبي القنيطرة والسويداء ودرعا، مناطقَ مغلقة أمام المقاتلين من أصول غير سورية، ومن ضمنهم العسكريون الإيرانيون وميليشيات (حزب الله) اللبناني”. ونصت كذلك على وقف إطلاق النار بين قوات النظام وفصائل الجنوب السوري.
يتخوف مراقبون من تحويل النظام إمكاناته العسكرية نحو الجنوب السوري، بعد سيطرته على الغوطة الشرقية البؤرة التي أرّقته خلال السنوات الماضية.
(مركز حرمون للدراسات المعاصرة) أوضح في دراسة له، نُشرت الأسبوع الماضي، أنه “يوجد في جنوب سورية أطراف فاعلة كثيرة: الولايات المتحدة، (إسرائيل)، الأردن، روسيا، إيران، والنظام السوري والميليشيات المرتبطة بإيران، إضافة إلى فصائل (الجيش الحر)، ولا شك في أن الولايات المتحدة وروسيا تأخذان على رأس الأولويات مصالح (إسرائيل)، وبدرجة أخف مصلحة الأردن”.
ذكرت الدراسة، وعنوانها (جنوب سورية بين الانهيار والاستقرار)، أن “مصلحة الطرفين (روسيا والولايات المتحدة) تكمن في ألّا تندلع مواجهة بين إيران و(إسرائيل) في جنوب سورية، ولا أن تندلع مواجهة عسكرية بين المعارضة والنظام وروسيا، ستدور على بعد بضعة كيلومترات من الحدود الأردنية، وفي الغالب ستتم التهدئة، مهما كانت الإرباكات، ومهما كانت المناوشات مُرتجلة أو مُخططًا لها، وسيتم احتواء أي توتر، قبل أن تفقد الأطراف السيطرة عليه”.https://harmoon.org/archives/8351
يعمل النظام وحليفته روسيا على التخلص من آخر جيوب دمشق المتمثلة بالقلمون الشرقي، وبعض أحياء وبلدات الجنوب الدمشقي التي تتواجد فيها فصائل (الجيش الحر)، ثم يمكن أن ينتقل إلى ريف حمص، نظرًا إلى عدم ارتباط تلك المنطقة بأي حسابات دولية، حتى اليوم.
عبد الوهاب عاصي، الباحث في (مركز جسور للدراسات)، أيّد هذا التصوّر، حيث قال لـ (جيرون): “في الواقع، أعتقد أن الحديث عن شن هجوم واسع نحو الجنوب السوري ما زال مبكرًا، وقد تحصل معارك اختبار لجاهزية دفاعات فصائل المعارضة، وربما معارك استنزاف، في حين قد يتمّ تأجيل المعركة الواسعة حتى الانتهاء من جميع البؤر التي ما زالت تسيطر عليها فصائل الثورة والمعارضة، داخل مناطق نفوذ النظام السوري، والمقصود هنا جيوب ريف حمص الشمالي وجنوب العاصمة والقلمون الشرقي”.
أضاف عاصي: “لكن حتى ذلك الحين، يساورني اعتقاد بأن فصائل المعارضة العاملة في الجنوب السوري لن تبقَى تنتظر الهجوم عليها، فمن المحتمل أن تقوم بشن هجمات وقائية، في مدينة (إزرع)، وفك الحصار عن بلدة (حيط) وحي سجنة في درعا، وليس من المستبعد أيضًا أن تدعم الولايات المتحدة الأميركية مثل هذا التحرك، وألا تقف عائقًا أمامه، وهذا يندرج ضمن استراتيجية تقويض القوة الروسية في سورية، وإبعاد روسيا وإيران عن أي حدود مع دول الإقليم”.
تتصف فصائل الجنوب السوري بأنها الأكثر انضباطًا، وتتمتع بعلاقات جيدة مع الأردن والولايات المتحدة، لكن السوريين أخذوا عليها عدم قيامها بمناصرة الغوطة الشرقية، في حين تواردت أنباء عن نصح الولايات المتحدة لها، بعدم شن أي هجوم على النظام خلال معركة الغوطة؛ لأن ذلك سيجر ويلات على درعا، لكن السنوات السابقة أثبتت فشلًا ذريعًا للنظام في معظم معاركه في درعا، وكانت الجبهة الأصعب على قواته.
توقّع مركز (حرمون) في دراسته أن يتم تغيير “مسار اللعبة بالنسبة إلى كل من الأردن و(إسرائيل) على وجه الخصوص، وقد تدفعان بثقلهما لإقناع الولايات المتحدة، بأن تتراجع عن أي نيّة لرفع يدها عن ضمان هدنة الجنوب السوري، وستضطر موسكو، في اللحظة الحرجة، إلى إجراء انعطافة براغماتية لملاقاة واشنطن، وإلا؛ فستواجه بتهميش وإبعاد، وتقبل بتثبيت فكرة السلطة الأميركية على إدارة الحرب في جنوب سورية”.
أضافت الدراسة: “ما يهم الإدارة الأميركية في جنوب سورية هو إضعاف إيران والميليشيات التابعة لها، خصوصًا في المناطق الحدودية مع (إسرائيل) والأردن، وهنا تأتي أهمية بقاء واستمرار مناطق خفض التصعيد في جنوب سورية”.
قد تكون الضربة الصاروخية الأميركية للنظام، يوم السبت الماضي، أحد المؤشرات والتهديدات التي يمكن لها أن تلجم النظام وداعميه عن التفكير بخطوات تصعيدية، في الجنوب أو الشرق السوري، حيث تعدّها الولايات المتحدة مناطقَ نفوذ لها، بينما ينتظر السوريون إطلاق العملية السياسية في جنيف بشكل جاد مجددًا؛ لإبعاد احتمالات حرب قاسية جديدة، قد يفتحها النظام بدعم روسي في درعا أو في إدلب.