تحقيقات وتقارير سياسية

مؤتمر فلسطينيي أوروبا في ميلانو.. رسائل لكل المجاميع الفلسطينية

تستضيف مدينة ميلانو الإيطالية، يوم الأحد الموافق 29 من الشهر الجاري، مؤتمر فلسطينيي أوروبا السادس عشر، الذي يعنى بالحراك الفلسطيني في القارة الأوربية، وتقوية وجوده وانخراط الفلسطينين في المجتمعات الأوربية، وفي الوقت نفسه يرسخ الحضور في الواقع الفلسطيني اليومي كجزء أصيل من الشعب الفلسطيني الواحد الذي يحمل همومه، ويدعم صموده، ويكون فاعلًا في إسناد الفلسطينيين حيثما كانوا.

تزداد أهمية انعقاد المؤتمر لهذا العام، في تزامنه مع سبعينية نكبة الشعب الفلسطيني، ومواكبة فلسطينيي أوروبا لمسيرات العودة الكبرى بفعاليات موازية في عموم القارة.

ينعقد المؤتمر في دورته هذه تحت شعار (سبعون عامًا وإننا لعائدون)، ويأتي في ظروف وتحديات غير مسبوقة تعصف بالقضية الفلسطينية، خصوصًا مع الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأميركية والمتعلقة بالاعتراف بمدينة القدس المحتلة كعاصمة للاحتلال الصهيوني، في انتهاك للحقوق الفلسطينية التاريخية، وانحياز واضح لدولة الاحتلال، على حساب الشعب الفلسطيني.

يبحث المشاركون في المؤتمر جملة من ملفات القضية الفلسطينية النازفة، وفي مقدمتها حق العودة، والأسرى، وحصار غزة الذي يدخل عامه الثالث عشر، في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة، ووضع المخيمات في الداخل والشتات، وقطع المساعدات عن وكالة (أونروا)، ومحاولات الاحتلال وداعميه المتكررة لتصفية حق العودة، إضافة إلى تفاقم مأساة فلسطينيي سورية، خاصة ما يشهده مخيم اليرموك منذ أسبوع من تصعيد عسكري غير مسبوق، أسفر عن مقتل نحو 30 شخصًا ودمار أكثر من 70 بالمئة من مبانيه، فضلًا عن تردي الوضع الإنساني في المخيم. زد على ذلك، الوضع الداخلي الفلسطيني المتدافع، في وقت يسبق فيه عقد مؤتمر ميلانو انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة.

الزير: فلسطينيو سورية تعرضوا لنكبة فلسطينية ثانية

التقت (جيرون) ماجد الزير (رئيس مؤتمر فلسطيني أوروبا)، وسألته عن أوضاع فلسطينيي سورية الذين لجؤوا إلى أوروبا؛ هربًا من ويلات الحرب التي تعيشها البلاد منذ سبع سنوات. فقال: “لعلنا ونحن نستحضر الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية بتنا بحاجة حقيقة إلى ترقيم هذه النكبة لما تلته من نكبات، لأن أقل ما يمكن أن يقال بحق الفلسطينيين الوافدين من سورية أنهم تعرضوا لنكبة فلسطينية ثانية، كان من آثارها أرقام مهولة من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمهجرين، وعليه كان من الواجب علينا أن نتعامل مع موجة كبيرة من اللجوء الفلسطيني الطارئ في القارة الأوروبية، ومما يزيد استشعارنا للمسؤولية إدراكنا لما يترتب على حملة تهجير هؤلاء الفلسطينيين، وما أعدت من مشاريع لتصفية حق العودة الذي تمسكوا به عبر سنوات وجودهم داخل المخيمات برمزيته الوطنية، فجاء الواجب علينا مضاعفًا والمسؤوليات جسام. كما أنّ علينا، ونحن ندرك حجم الطاقات البشرية والوطنية الكبيرة الوافدة إلى القارة، أن نضع خططًا منظمة للتعامل مع هذه الحالة؛ فجاء المؤتمر الثالث عشر في برلين ليحمل هم فلسطينيي سورية في عنوانه الرئيس، وليخرج بجملة من التوصيات لتوجيه التعامل مع هذه الحالة، فكان من الواجب بداية أن نتعامل معهم كحالة داعمة مساندة تعينهم على حل مشكلاتهم وضمان الاستقرار السريع لهم، ومن بعدها كان الهم الأكبر حاضرًا عبر إشراكهم في العمل الوطني القائم في القارة، ليكونوا جزءًا منه يدفعون عجلته ويتكاملون مع مكوناته، ونحن نعمل في هذا المجال منذ سنوات، وأعتقد أننا نحتاج إلى مزيد من الوقت لنصل إلى ما نصبو إليه”.

وردًا على سؤالنا: عن أي فئات وشرائح فلسطينية في أوروبا يخاطبها المؤتمر، من خلال المؤسسات والتجمعات والروابط والنقابات المنضوية فيه؟ أجاب قائلًا: “لقد حرصنا -وما زلنا نحرص- على أن يكون هذا المؤتمر منبرًا وطنيًا، يمثل عموم أبناء الجاليات الفلسطينية في القارة الأوروبية، وينقل رسالتهم ويحمل أفكارهم ومبادراتهم، لذلك فإننا نحرص في كل عام، عبر عشرات المؤسسات القائمة بالمؤتمر والمتوزعة على مختلف بلدان القارة، أن يكون حضور المؤتمر متنوعًا كتنوع شعبنا الفلسطيني؛ ليأتي مؤتمرنا متنوعًا من الناحية النقابية، يحضره الأطباء والمهندسون والمعلمون والإعلاميون والعمال والمرأة ورجال الأعمال، ليكون لهم ورش عملهم وبرامجهم الخاصة داخل المؤتمر”.

وأضاف: “كما أننا نحرص أن يكون التوزع العمري حاضرًا، ليحضره الكبار والشباب والأطفال، فيضج المؤتمر بالملتقيات الشبابية وبرامج الطفل الوطنية، وإضافة إلى ذلك كله، بحكم توزع شعبنا الفلسطيني في مختلف الدول بعد النكبة، يأتي مؤتمرنا متوزعًا أيضًا، من حيث أماكن التوافد إلى القارة الأوروبية، فيحضره اللاجئون الفلسطينيون في أوروبا من سورية والعراق ولبنان والداخل الفلسطيني، نحن نتكلم عن مؤتمر شعب، ومن الطبيعي أن يحضر المؤتمر مجتمع مصغر في كل عام، وبالتالي تكون رسائل المؤتمر وخطاباته ونقاشاته نابعة من الجميع وموجهة إلى كل المجاميع الفلسطينية”.

سألت (جيرون) رئيس مؤتمر فلسطيني أوروبا، عن المؤثرات التي أدت إلى اتساع دائرة التضامن العربي مع القضية الفلسطينية، في ظل تنامي المواقف المؤيدة للحقوق الفلسطينية في الساحة الأوروبية، وعن دور مؤسسات العمل المدني الشعبي الفلسطيني في القارة الأوروبية، في تعزيز هذا التضامن ودفعه إلى الأمام؛ فأجاب: “من المسلَّم به، بشكل مدروس بعيد عن الافتراض، أن حضور الحالة الفلسطينية في المجتمع الغربي وحكوماته هو في تصاعد، وهذا نابع عن جملة من العوامل، في مقدمتها صمود شعبنا وتضحياته داخل فلسطين، مرورًا بفشل الاحتلال الصهيوني في تسويق نفسه وتسويق ديمقراطيته الملفقة، وعجزه عن إخفاء الكم الكبير من التجاوزات التي يقوم بها يوميًا بحق شعب أعزل، في زمن أصبح فيه توثيق المعلومة ونشرها أسهل ما يكون، يضاف إلى ذلك كله الجهد الكبير الذي تبذله المؤسسات الفلسطينية وغير الفلسطينية العاملة في القارة الأوروبية، والتي استطاعت حقيقة أن تعري هذا الاحتلال، وتخاطب شعوب أوروبا باللغة التي يفهمونها، وبالمبادئ التي يؤمنون بها؛ ما أحدث تحولًا ملحوظًا في عقلية الإنسان الغربي ونظرته إلى ما يجري في فلسطين؛ الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على صناع القرار السياسي والأحزاب في تلك البلدان. هذه العوامل السابقة مجتمعة ساهمت بشكل مباشر في هذه النقلة والتغيير في الموقف الذي نشهده اليوم، والذي نراهن على تطويره أكثر فأكثر في الفترة القادمة، على طريق إحقاق الحق الفلسطيني والعودة القريبة”.

دعوة المؤسسات الأوروبية لمناصرة لفلسطين

إلى ذلك، أكدت قيادة المؤتمر، عشية انعقاده، في بيان لها وصلت إلى (جيرون) نسخة منه، أن تفاعل المؤسسات والأفراد في أوروبا مع الفعاليات المتجددة والمستمرة لهو خير دليل على تمسك اللاجئين بحقهم بالعودة إلى ديارهم واستعدادهم للتصدي للمحاولات المتكررة التي تستهدف الحق الفلسطيني، خصوصًا مع إعلان الرئيس الأميركي ترامب اعتبار القدس عاصمة للاحتلال.

ومن أهم فقرات المؤتمر التئام ملتقى نقابي دولي لإطلاق “إعلان ميلانو للدفاع عن حقوق النقابيين الفلسطينيين”، يشارك فيه عشرات الشخصيات النقابية العربية والدولية. والاهتمام المتواصل بشريحة النساء والشباب والأطفال، والتي سيفرد لها ثلاثة ملتقيات متخصصة من فقرات المؤتمر. وفي خطوة متقدمة ينظم المؤتمر ملتقى باللغة الإيطالية، تحضره شخصيات سياسية من المستوى الرفيع، ومئات الإيطاليين المناصرين لحقوق الشعب الفلسطيني.

في السياق ذاته، دعت قيادة مؤتمر فلسطينيي أوروبا، منتصف هذا الشهر، جميع المؤسسات الأوروبية المناصرة لفلسطين لمتابعة نشاطاتها وفعالياتها المؤيدة للحق الفلسطيني على امتداد القارة الأوروبية. كما دعا المؤتمر إلى التفاعل مع حملة (سبعينية النكبة) التي أطلقها مؤتمر فلسطيني الخارج، بالشراكة مع مؤتمر فلسطينيي أوروبا، والحملة الدولية للحفاظ على الهوية الفلسطينية (انتماء)، والجمعية التركية للتضامن مع فلسطين (فيدار)، والجمعية الأردنية للعودة واللاجئين (عائدون)، بالتنسيق مع عدد من المنظمات والمؤسسات الحقوقية، ومؤسسات المجتمع المدني العاملة من أجل فلسطين.

وحث المؤتمر جميع المؤسسات والناشطين داخل فلسطين وخارجها على توحيد الجهود، ضمن حملة (سبعينية النكبة) والتنسيق فيما بينها، والتكامل في الجهود لتشكيل حراك عام، والتأثير في الرأي العام العالمي، والتعريف بمعاناة شعبنا الفلسطيني المستمرة منذ 70 عامًا، حيث تتضمن الحملة العديد من الفعاليات المستقبلية المهمة، منها: إحياء فعاليات النكبة طوال أيار/ مايو، وإحياء الذكرى الـ51 للنكسة بتاريخ 7 حزيران/ يونيو، وإحياء الذكرى 101 لتصريح بلفور المشؤوم في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، وإحياء الذكرى الـ 70 لصدور القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948 القاضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.

جدير بالذكر أن النسخة الأولى من مؤتمر فلسطينيي أوروبا قد عُقدت عام 2003 في العاصمة البريطانية لندن، ثم تنقلت بعد ذلك عبر عدد من العواصم والمدن الأوروبية بشكل سنوي دون انقطاع، وكان آخرها في مدينة روتردام الهولندية، عام 2017.

مقالات ذات صلة

إغلاق