أثارت (رسالة منظمات المجتمع المدني السوري) التي سلمها بعض ممثلي تلك المنظمات، يوم أمس الأربعاء، إلى المشاركين في مؤتمر الدول المانحة لدعم سورية، المنعقد في بروكسل، موجة انتقادات واسعة بين ناشطي الثورة السورية، ولا سيما الفقرة المتعلقة بـ “رفع العقوبات وتفعيل القنصليات التابعة للنظام”.
أكدت الرسالة، حصلت (جيرون) على نسخة منها، “تمسك المجتمع المدني السوري بالحل السياسي، وفق مرجعية قرارات مجلس الأمن، ووقف العنف بكافة أشكاله، وضرورة خروج الميليشيات الأجنبية وكل قوى الاحتلال من سورية”، كما أكدت على “التمسك بوحدة الأراضي السورية، ورفض إجراءات التغيير الديموغرافي من قبل جميع الأطراف”.
وطالبت الرسالة برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري، لأنها -بحسب مرسليها- “ألحقت الضرر بالمدنيين السوريين، وبخاصة في قطاعات الصحة والتعليم وسبل العيش”، ودعَت إلى تفعيل عمل قنصليات النظام، في مختلف الدول “لتقديم الخدمات للسوريين”، كما دعت إلى تسهيل العودة “الطوعية للاجئين والنازحين السوريين”.
أكد فؤاد أبو حطب، عضو غرفة المجتمع المدني في غازي عنتاب، لـ (جيرون)، أن هذه الرسالة “موجّهة من منظمات ممثلة عن المجتمع المدني السوري، أو جزء من المجتمع المدني السوري الذي يمثل شريحة واسعة من السوريين، ويعمل داخل مناطق سيطرة النظام السوري وخارجها وفي دول الجوار، وهي موجهة إلى مؤتمر المانحين في بروكسل”.
أضاف أبو حطب، وهو أحد المشاركين في صياغة الرسالة في بروكسل: “تطرقت الرسالة إلى ثلاثة محاور أساسية: أولها تفعيل عملية سياسية، وفق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن، يتبعها عدالة انتقالية وطنية، والكشف عن مصير المعتقلين والمخطوفين؛ وثانيها مستقبل المجتمع المدني السوري، وتأمين فضاء حر لعمله في سورية ودول الجوار وضرورة دعمه؛ وثالثها دعم اللاجئين والمهجرين قسريًا والنازحين داخل وخارج سورية. لكن الموضوع الذي أثار زوبعة هو الفقرة التي تنصّ على إعادة النظر بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري”.
أثارت الفقرة المتعلقة برفع العقوبات وتفعيل القنصليات التابعة للنظام موجةً كبيرةً من الغضب، بين ناشطي الثورة السورية؛ باعتبارها تشير مباشرة إلى أن النظام الحالي هو الممثل للسوريين بكافة أطيافهم، حيث كتب الناشط في مجال المجتمع المدني معتصم السيوفي، على صفحته في (فيسبوك): “البيان الصادر عن (المجتمع المدني السوري) في بروكسل سيّئ جدًا، ولا يعبّر عمّن صنعوا بدمائهم وعذاباتهم وتضحياتهم عملًا مدنيًا حقيقيًا، ولا عن الغالبية العظمى من ناشطي العمل المدني السوري”.
لكن أبو حطب برر هذه اللغة الحيادية في البيان، قائلًا: “يجب علينا معرفة حيثيات وظروف صياغة البيان، وبخاصة أن مَن صاغه هم 34 من منظمات ناشطة في مناطق النظام، وأخرى عاملة وناشطة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، تمّت دعوتها على هامش المؤتمر، وكان لا بد من وجود حساسيّات لدى الجميع، أثناء المشاورات والصياغة”.
أضاف أبو حطب: “المجتمع المدني -وإن لم يكن حياديًا بالمطلق- هو الجهة الوحيدة التي تمثل السكان المدنيين، على مختلف توجهاتهم وتوزعهم الجغرافي، دون وجود أهداف ضيقة وخاصة، ويجب أخذ هذا الأمر بالحسبان عند قراءة الرسالة، والنظر إليها كرسالة مقدمة من منظمات تمثّل جزءًا مهمًا من المجتمع المدني، لا فريقًا سياسيًا أو عسكريًا”.
منتقدو البيان رأوا أنه يحمل لغة خطابية محايدة لا تمتّ إلى الواقع بصلة، وأن من صاغ البيان أساء إلى تاريخ من العمل المدني السوري الذي حاربه النظام، حيث قال بسام القوتلي، مدير مجموعة البحث والإدارة، لـ (جيرون): “كل محاولات الخروج بأوراق مشتركة، مع منظمات النظام، كانت -وستكون- فاشلة، لا أفهم لماذا تصرّ منظمات المعارضة على العمل ضمن الأطر التي يضعها فيها المجتمع الدولي”.
سارعت عدد من المنظمات السورية إلى إصدار بيانات توضيحية، ليلة أمس، حول الرسالة؛ إذ أصدرت (شبكة حراس) بيانًا نفت فيه توقيعها على الرسالة، كما أصدر (مركز توثيق الانتهاكات) و(الشبكة السورية لحقوق الإنسان) بيانًا مشتركًا، أوضحا فيه أن “ليس للمركز أو للشبكة أي علم بالبيان المذكور، ولم يسمعا به، ولم يقرأه أحد من فريق المؤسستين، أو يشارك في صياغته، أو يوقع عليه أي أحد، سواء من المركز أو الشبكة، وأن المؤسستين لم تقوما بإصدار أي بيانات صحفية خاصة في هذا اليوم”.
كانت (جيرون) قد نشرت، في الخامس من أيلول/ سبتمبر الماضي، مضمون رسالة غرف المجتمع المدني التي شكلها المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا،(https://geiroon.net/archives/93702 ) وقد حملت لغة خطابية محايدة، تشبه إلى حد بعيد تلك التي استخدمت في رسالة الأمس، وأثارت في ذلك الوقت انتقادات واسعة، من ناشطي الثورة.