أدب وفنون

النساء في الفكر السياسي الغربي

  • “المرأة هي رئتنا المعطلة” إمام عبد الفتاح إمام

ما تزال قضية المرأة تشغل حيزًا كبيرًا من اهتمامات المفكرين والباحثين، والمفكرات والباحثات، في المجتمعات النامية؛ على الرغم من التحسن الذي طرأ ظاهريًا على وضع المرأة فيها، وهو تحسن سياسيّ أكثر منه اجتماعي وديني، فقد باتت المرأة تحجب نفسها اليوم خلف نقاب، وكأنها جسدٌ وحسب، قابل للافتراس في أي وقت، وكأنها خُلقت من دون روح إنسانية وعقل قابل للتنوير.

رأت (سيمون ديبوفوار) أن المرأة لا تولد امرأة، ولا الرجل كذلك، العوامل الاجتماعية والسياسية والدينية هي التي تجعل من الأنثى امرأة ومن الذكر رجلًا. ومن منطلق قضية المرأة ونظرة المجتمعات إليها (وكل مجتمع حسب تطوره الفكري)، قامت (سوزان موللر أوكين) بدراسة لوضع النساء في الفلسفة الإغريقية مؤكدةً البحث بفلسفة أفلاطون، والفلسفة المعاصرة، ونظرة الفلاسفة إلى المرأة، والمقارنة بين المجتمعات من حيث الموروث الاجتماعي التقليدي، والوضع السياسي والديني، ووعي تلك المجتمعات في اعترافها بالمرأة أو عدم الاعتراف بها، وفي النظر إليها على أنها أدنى منزلة من الرجل، فكتبت كتابها الشهير (النساء في الفكر السياسي الغربي)، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، الطبعة الأولى 2009، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.

بحثت موللر في أفكار الفلاسفة السياسيين في العصور القديمة والحديثة، وما اجترته المجتمعات من مواريث اجتماعية وفكرية كانت العامل الرئيس في اضطهاد المرأة، وإعاقة حركات التحرر العالمية التي ناهضت -وما زالت- التمييز ضد المرأة، فوقع اختيارها على (أفلاطون وأرسطو من العصر القديم، وجون ستيوارت مل، وجان جاك روسو من العصر الحديث)، لتظهر تصوّر الفلاسفة وحججهم عن المرأة ومكانتها في المجتمعات.

عالجَت المؤلفة في الجزء الأول من الكتاب موقعَ المرأة في فلسفة أفلاطون، وقد بدا لها لغزًا محيرًا، أنّ فيلسوفًا ذا تفكير عميق كأفلاطون يفكّر بأن الأنثى “خُلقت من أنفس الرجال الأشرار وغير العقلاء”، ثم يقول في جانب آخر: “على الرجل والمرأة أن يتلقيا تربية متساوية ودورًا اجتماعيًا واحدًا”، ثم لا تتوانى المؤلفة عن تقديم المبررات لأفلاطون على أنه ابن بيئته، أو حسب هيغل “الإنسان ابن عصره”؛ وذلك بعد أن بحثت في التراث والأدب والشعر اليوناني، فاستنتجت منها نغمة الكراهية للمرأة، في أعمال هوميروس وهزيود. ففي رواية (هزيود) التي ظهرت فيها شخصية (باندورا) الأسطورة اليونانية التي خلقها إله الحدادة الشائه الأعرج، فحلّ معها الشر بالعالم، حسب اعتقاد التراث اليوناني، “ومنها ظهر جنس خبيث وقبائل من النساء، ومصدر عظيم للأذى”، من ثم أحجم عن زواجها الرجل المتبصر “هيفا ستوس” ليتزوجها أخوه المتهور، مع أن (باندورا) كانت تتمتع بحرية شخصية كحرية الرجال، لذلك اعتبرها المجتمع اليوناني القديم شرًا وأذية.

كانت المرأة في التراث اليوناني -بعامة- عقابًا أزليًا للرجل. ومن أبرز أشكال التمييز التي ظهرت في التراث اليوناني، بين الرجل والمرأة، تمييزُ الفضائل باعتبار أن للرجل فضائل خاصة، وللمرأة فضائل تخصها (كل حسب وظائفه)، انطلاقًا من مفهوم “الطبيعة” التي أولاها أرسطو اهتمامًا خاصًا ليعطي الدور الاجتماعي لكلٍ من الرجل والمرأة، على أساس الفرق البيولوجي بينهما، من ثم تتفحص موللر المسار الذي اتبعه روسو على خطى أرسطو، ومجمله تأليه الطبيعة؛ فعندما يتحدث روسو عن المرأة، يرى أنها تتمتع بسلبية وخضوع وخجل ونقص في العقل، وكل هذه الصفات هي من هبة الطبيعة، ولا علاقة للتنشئة الاجتماعية بها، ففي روايته (إميل) يقول لصوفي: “عندما يصبح إميل زوجك، فإنه يصبح سيدك. تلك هي إرادة الطبيعة التي ينبغي عليك طاعتها”، ثم يقول روسو: “عندما يسلك الرجل سلوكًا سليمًا، والرجل هو سيدها، فإن باستطاعته أن يتحدى الرأي العام، لكن المرأة عندما تسلك سلوكًا سليمًا، فإن ذلك هو نصف مهمتها فقط، وما يعتقده الناس في أمورها هو النصف الآخر، هو يوازي ما هي عليه بالفعل”. هكذا حكم روسو على المرأة، بما يحكمه المجتمع الذي تعيش فيه، ليس فقط أنها أدنى منزلة من الرجل؛ بل هي نصف الرجل! تلك هي متطلبات الثقافة الذكورية التي توسم فيها بعض المجتمعات، على الرجل أن يثبت جدارته، وعلى المرأة أن تثبت عفتها وطهارتها! كان موقف روسو متناقضًا من المرأة، والغالبية العظمى من الفلاسفة السياسيين كذلك يؤيدون حبهم للنساء، ويحرمونهن من ممارسة الحياة كما يمارسها الرجال، ففي كتابه (العقد الاجتماعي) لا يفرق روسو بين امرأة ورجل في حقهم بالمواطنة، لكن ما أسبغ به المرأة من ولاء للرجل في كتابه (إميل) يدعو إلى التساؤل والاستفسار. (مع أن الخطاب في الكتاب المذكور موجه إلى الرجل).

أما ستيوارت ملّ الذي بدأ معه فجر جديد للمرأة في دعوته للمساواة بين النساء والرجال، من خلال كتابيه: (مذهب المنفعة العامة) و (استعباد النساء)، دان فيهما مبدأ تنظيم العلاقات بين الرجال والنساء، من حيث العلاقات الاجتماعية والسياسية المجحفة في حق النساء، كما كشف عن أن المشكلة تكمن في ما يحيط بها من مشاعر وعواطف وانفعالات، تجعلها أقرب إلى مشكلة تحرير الزنوج في الولايات المتحدة. فالمرأة عند ملّ كائن حر ومستقل بذاته، لا يُستنفد هذا الكيان من خلال سلطة الرجل على المرأة؛ بل لا وجود لسلطة الرجال على النساء.

تصل موللر في نهاية الكتاب إلى أن العامل الأول عند الفلاسفة، في تصوّرهم عن النساء، هو نظرة كل فيلسوف للأسرة، فالذين ينظرون إلى الأسرة على أنها مؤسسة طبيعية؛ حددوا النساء بالوظائف الجنسية والإنجاب وتربية الأطفال، وعليهن التمتع بالعفة والطهارة كي يحفظن شرف الرجل، وأن السياسة بقدر ما أتاحت للنساء فرص العمل فيها في العصر الحديث، بقدر ما كانت هي العائق الأكبر في طريق تحرير المرأة وتحررها.

مقالات ذات صلة

إغلاق