تحقيقات وتقارير سياسية

الوجه الحقيقي للمقاومة والممانعة

قبل شهر من اليوم، حاولت إيران نقل نقطة التحرش مع “إسرائيل”، من جنوب لبنان إلى جنوب سورية، فأرسلت طائرة مسيّرة إلى أجواء الجولان السوري المُحتل، فأسقطتها المضادات الإسرائيلية لحظة دخولها، وزعمت يومئذ أن الطائرة كانت تحمل المتفجرات. على إثر تلك الحادثة، شنّت “إسرائيل” غارة جوية على مطار (تي فور)، حيث تتخذ إيران أجزاءً من المطار قاعدة عسكرية لها، فتمّ تدمير القاعدة وبعض الأهداف الأخرى، وقُتل العديد من المقاتلين الإيرانيين.

بعد غارة (تي فور)؛ ارتفعت حدة الخطابات في إيران تهديدًا ووعيدًا بالانتقام من “إسرائيل”، لقتلها جنودًا إيرانيين، واستمرت التهديدات حتى مساء التاسع من أيار/ مايو، إذ تمّ قصف أرض خالية في هضبة الجولان، بعدد من القذائف التقليدية محدودة المدى والتأثير (من نوع كاتيوشا)، لترد “إسرائيل” بعشرات الغارات، قامت بها ثماني وعشرون طائرة إسرائيلية قصفت خمسين هدفًا، قالت “إسرائيل” إنها تُشكل كامل البنية التحتية للوجود الإيراني في سورية، لتتسرب الأخبار في اليوم التالي عن سقوط عشرات القتلى الإيرانيين في مواقع القصف، حيث سقط في منطقة حضر الحدودية وحدها ما يزيد عن خمسين قتيلًا إيرانيًا، حسب مصدر طبي في مشفى الصنمين الذي استقبل الجرحى والقتلى ليلة المعركة.

صبيحة اليوم التالي للضربة الإسرائيلية، كما جرت العادة، كان إعلام ما يُسمى محور الممانعة والمقاومة يحتفل بالنصر المؤزر، وقد استنفر المحللين السياسيين على قنوات التلفزة، ليشرحوا عظمة صواريخ كاتيوشا التي سقط بعضها ضمن الأراضي السورية، وأن هذه هي المرة الأولى منذ عام 1973 التي يتم فيها إطلاق طلقة تجاه هضبة الجولان المحتلة، وكان ذلك -من دون أن يُدرك السادة المحللون- إثباتًا على عمالة النظام طوال هذه السنين.

الضربة الإسرائيلية المبررة بالضربة العبثية لمحور الممانعة، أدخلت المحور كله في دوامة من التناقضات، وعلى رأي المثل الشعبي (راحت السكرة وأتت الفكرة)، ففي أثناء احتفال التلفزيون الرسمي السوري بهذا الإنجاز، كانت إيران تُطلق التصريح تلو الآخر، على لسان كبار ضباطها وسياسييها، بأنها ليست من أطلق صواريخ كاتيوشا تجاه هضبة الجولان، بل وصل الأمر بأحد قادة الجيش الإيراني إلى توجيه الاتهام للجيش السوري بشكل مباشر ودون خجل.

أما أحد كبار الممانعين العرب، فقد كان ينتحب باكيًا في مقابلة على شاشة (bbc) ويتساءل: لماذا لم تُسلّم روسيا منظومة الصواريخ (s300) إلى سورية وإيران؟ ولماذا تمنع إسرائيل روسيا من تسليم الصواريخ؟ وهل تدعم إسرائيل الإرهاب؟ قبل أن يتذكر أنه كان يومًا فلسطينيًا، ليعود ويجيب نفسه في محاولة للخروج من المأزق: “نعم إسرائيل دولة إرهاب”.

يُدرك قادة إيران جيدًا أن وضعهم الداخلي الاقتصادي والسياسي، لا يسمح لهم بفتح معركة حقيقية مع “إسرائيل”، وأنها ستكون خاسرة على نحو أكيد، بل ستكون نهاية حكم الملالي وإلى الأبد، وقد لاحظنا السيل الجارف من التنديد بصواريخ كاتيوشا من كل أقطاب الأرض، حيث اتفق العالم على أن لـ “إسرائيل” كامل الحق بحفظ أمنها، كما اتفق العالم بالمقابل على إدانة صواريخ الممانعة الخلبية، وفي حال نشوب حرب حقيقية بين إيران و”إسرائيل”؛ يمكن الجزم بأن إيران ستكون وحيدةً في مواجهة باقي العالم.

هذا هو الوجه الحقيقي للممانعة والمقاومة: عرضٌ خلّبي لبطولة وهمية لإرضاء الشارع في طهران ودمشق، ولحفظ ماء الوجه بعد عشرات الغارات الإسرائيلية على مدار سنوات دون ردّ يُذكر. ولكن حتى هذه المسرحية الهزلية، التي لم تتسبب بأي ضرر يذكر للعدو الصهيوني، لم تستطع إيران أن تتحمل مسؤوليتها، فعن أي قدس يتحدث المنافقون في طهران؟ وعن أي تحرير يتكلمون؟

“إسرائيل” ليست ضد الوجود الإيراني في سورية بالمطلق، ولكنها ضد أن تتجاوز إيران الخط الأحمر، وعلى العكس تمامًا، فوجود إيران المضبوط إسرائيليًا، من حيث البعد عن الحدود ونوع السلاح الذي تمتلكه، هو وجود ترحّب به “إسرائيل”؛ لأنه يُعطيها ضمانة بأن دوامة العنف والتدمير ستبقى تعمل في سورية، وهي التي غضت الطرف عن دخول ميليشيا (حزب الله) إلى سورية للهدف ذاته، حيث إنها تدرك أنها لو أرسلَت أعتى فِرقها؛ فلن تقوم بما قام به (حزب الله) في سورية، من دمار وقتل وتهجير.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق