طفت على السطح كثير من التوقعات حول خلافات روسية-إيرانية في سورية، لا سيما أمام انحسار مناطق النفوذ الإيرانية في الجنوب السوري على حساب النظام والروس، وانتشار أحاديث عن بدء انسحاب ميليشيا (حزب الله اللبناني) من ريف حمص ودخول النظام مكانها.
علمت (جيرون)، من مصدر سياسي معارض في موسكو، أن “الخلاف الروسي الإيراني ليس وليد اللحظة”، وأنه “خلاف قديم، يمكن الإشارة إليه منذ بدء ما أطلق عليه (المصالحات)”، مؤكدًا أن “روسيا واجهت صعوبة في إنجاز كثير من المصالحات، لأن النظام حاول عرقلتها -بدفع إيراني- من أجل عدم تسليط الضوء على مرحلة ما بعد الحرب”.
المعلومات التي حصلت عليها (جيرون)، من المصدر المقرب من الحكومة الروسية، تقول إن اتفاقي حمص وغوطة دمشق “كانا الأكثر تعقيدًا، لأن النظام والإيرانيين لم يخططوا لإنهاء الحملة العسكرية عبر اتفاق، أرادوا أن تتم عبر انتصار عسكري ساحق يعكس قدرتهم على استعادة المناطق، لكن ما حصل هو أن الروس أرسلوا رسالة للجميع بأنهم الضامن الذي تقبل به الأطراف المعارضة من أجل الاتفاق، وأن موسكو قادرة على تغيير المعادلات السورية دون أن ينتصر النظام، هذا يعني أن كل أحاديث النظام والإيرانيين عن الانتصارات تبخرت، لأن ما حصل هو اتفاقات تقول إن الطرفين (النظام/ إيران، والمعارضة) خسرا”.
كما أن النظام والإيرانيين -وفق المعلومات- يحاولان الإخلال بالاتفاقات التي تم توقيعها؛ الأمر الذي دفع الروس إلى اتخاذ خطوات واضحة لردع ذلك، من بينها تأديب عناصر النظام الذين سرقوا أملاك المدنيين في ريف دمشق ومخيم اليرموك، والذين عاملوا المدنيين والمعارضين بطريقة سيئة، في أثناء ترحيلهم إلى الشمال السوري.
أشارت المعلومات إلى أن النظام والإيرانيين في حالة قلقة جدًا من انحسار رقعة المواجهات العسكرية؛ لأن ذلك سيفتح الأبواب أمام مرحلة جديدة لن يكون للنظام فيها ما أراد، ولن يكون للإيرانيين فيها موطئ قدم عسكرية تُحقق أهدافهم في الشرق الأوسط، بل إن ما تملكه حاليًا من ترسانة عسكرية هي أهداف متكررة للطيران الإسرائيلي الذي استهدف غالبية المنشآت العسكرية التابعة لإيران و(حزب الله) في سورية.
في السياق، قالت مصادر أخرى: إن “مواقع الحزب (الموجودة في ريفي حمص الغربي والجنوبي الغربي) تشهد بين الحين والآخر عمليات تبديل للقوات الموجودة في المنطقة، بوحدات جديدة؛ ما أظهر توترًا بين القوات الروسية و(حزب الله)، ليتزامن مع التوتر المتصاعد الحاصل بين (حزب الله) والقوات الإيرانية من جهة، والروس من جهة أخرى، حول الوضع في الجنوب السوري؛ إذ إن القوات الإيرانية ما تزال رافضة الطرح الروسي بالانسحاب من محافظتي درعا والقنيطرة وكامل الجنوب السوري، نحو مناطق أخرى في وسط سورية”، بحسب صحيفة (الشرق الأوسط).
أشارت المصادر إلى أن “القوات الإيرانية فرضت شرطًا لانسحابها نحو البادية ووسط سورية، هو إخلاء القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي لقاعدة التنف على الحدود السورية-العراقية، كشرط لها لمغادرة الجنوب السوري، الذي تعمل روسيا مع النظام للتوصل إلى حل حول المنطقة، من خلال مباحثات محلية مع الفصائل وإقليمية مع الدول المجاورة لسورية”.
كما أن التوتر الروسي-الإيراني على الأراضي السوري زادت وتيرته، إثر “اتفاق بين روسيا وتركيا بشكل غير معلن، يقوم على إنهاء الوجود الإيراني بشكل كامل في الشمال السوري، حيث تعمل كل من روسيا وتركيا، من خلال توافق مشترك، على إجبار القوات الإيرانية على الانسحاب، ودفعها لذلك عبر دفع من دولة إقليمية للتصعيد ضدها في شمال وغرب مدينة حلب، خلال الأسبوع الأخير”، بحسب ما ذكرت المصادر.
من جانب آخر، قال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض يحيى مكتبي: إن “إيران وميليشياتها، التي بلغ تعدادها نحو سبعين ألف مرتزق، تمددت في سورية بالتزامن مع صمت دولي واضح، لكن فيما يبدو أن هذا التمدد خرج عن نطاق التفاهمات المرسومة، والمعني بها بشكل خاص إسرائيل التي قصفت مواقع مهمة للإيرانيين في سورية، هذه رسالة واضحة تقول إن من غير المسموح لإيران التمدد إلى مناطق قد تخلق إشكالات لإسرائيل، وروسيا دخلت على الخط لإيجاد صيغة تفاهمات انعكست في الانكفاءات الإيرانية في الجنوب السوري”.
أضاف، في تصريحات لـ (جيرون)، أن “روسيا وجدت الفرصة سانحة لتقول إن يدها هي العليا في سورية، وإيران هي في المرتبة الثانية أو الثالثة، كما استفادت موسكو من الزخم الموجود الذي تتزعمه الولايات المتحدة لجهة تقليص الانتشار الإيراني بعد الاستثمار به.. اليوم فيما يبدو القرار المتخذ هو تقليص الدور الإيراني”، معقّبًا أن “الطريق ما زال في أوله، ويحتاج إلى وقت طويل”.
عدّ مكتبي أنه “حتى اللحظة، لا يوجد تصور واضح حول ما سينتج عن الانسحابات الإيرانية، ربما يكون هناك انسحابات أخرى، لكن من المبكر الحديث حول الأمر، بالرغم من وجود صقور في الإدارة الأميركية معارضة للبرنامج الإيراني في المنطقة.. ربما نحتاج إلى بعض الوقت حتى تتبلور الصورة بشكل كامل”، مشيرًا إلى أنه “في هذا السياق، وجب التأكيد على مسألة مهمة هي حركة تجنيس عناصر الميليشيات الإيرانية التي يقوم بها نظام الأسد، بضغط إيراني يهدف إلى مزيد من خلط الأوراق، وربما يكون هذا نحو وجود ضمني لهذه الميليشيات تحت خانة سوريين وليس أجانب”.
رأى مكتبي أن “إيران ليست قادرة على المواجهة المفتوحة، لذلك فإنها ستخفض رأسها حتى نهاية هذه العاصفة، وتعيد من جديد تموضوعاتها بما ينسجم مع هذا التقليص، إيران صاحبة مشروع قائم على فكر طائفي، ويستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة عمومًا، ولن تتخلى عن مشروعها”.
تابع: “حتى لو تم تقليص وجودها العسكري، فإن لإيران مخالب اقتصادية، عملت على غرسها خلال السنوات الماضية، المشغل الثالث للاتصالات في سورية اليوم هو بيد شركة إيرانية تابعة للحرس الثوري الإيراني، كما أن هناك خمسة آلاف هكتار من الأراضي تم منحها لإيران لإقامة (مشاريع اقتصادية)، وألف هكتار لإقامة (مشاريع صناعية)، كما أنه لا ننسى المشاريع الإعمارية التي تتولاها شركات إيرانية من أجل تعزيز التغيرات الديموغرافية”.
إلى ذلك، قال زعيم (حزب الله اللبناني) حسن نصر الله: “لو اجتمع العالم كله ليفرض علينا أن نخرج من سورية؛ فلن يستطيع”، زاعمًا خلال خطاب متلفز أمس الجمعة أن “هناك حالة وحيدة فقط: أن تأتي القيادة السورية وتقول لنا يا شباب، الله يعطيكم العافية ممنونين شاكرين.. كفى الله المؤمنين القتال، انحسمت احملوا وامشوا”.