يُعرّف الفساد في المساعدات الإنسانية، وفق مصادر منظمة الشفافية الدولية،[1] بأنه “استغلال للمساعدات التي تُقدم للدول الضعيفة أو المحتاجة، وتحويلها لصالح الفئات غير المستهدفة أو التي طُلبت من أجلها المساعدات، سواء المتعلقة بالمشاريع أو المعونات الإنسانية، وكذلك استغلال المساعدات في مصالح عائلية أو قبلية أو طائفية معينة، كما يمكن استغلال المساعدات في الحصول على خدمات جنسية أو معاملة تفضيلية لأفراد الأسرة والأصدقاء، مثل عمليات التوظيف أو التكسب الشخصي من العمليات اللوجستية، أو استغلال المشتريات المتعلقة بهذه المساعدات للمصالح الشخصية أو الفئوية”.
إن أخطر أنواع الفساد هو في المساعدات الإنسانية والدولية، في فترات الحروب، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة:[2] “إن الفساد يعوق قدرة الأمم على النمو والازدهار، فلا يمكن أن يزدهر السلام أو التنمية أو حقوق الإنسان في مناخ يسوده الفساد”. وأضاف: “منَع الفساد، العام الماضي، 30 بالمئة من المساعدات الإنمائية من الوصول إلى مستحقيها؛ ما يعني أنه لم يتم بناء جسور أو مستشفيات أو مدارس وأشخاص يعيشون دون الاستفادة من هذه الخدمات، هذا فشل للمساءلة والشفافية ولا يمكن أن ندعه يستمر”. وقال: “إن مكافحة الفساد هي أكثر أهمية في الدول الضعيفة والهشة، التي خرج بعضها من صراع، حيث سيادة القانون والمؤسسات ما تزال ضعيفة”، مشيرًا إلى أن مكافحة الفساد يجب أن يكون أولوية على المستويين الوطني والدولي، بالنسبة إلى الحكومات والمجتمع الدولي.
يواجه قطاع المساعدات الإنسانية تحدي الفساد، منذ أكثر من عقد، ولكن من الواضح أن هناك حاجة إلى زيادة الاستثمار في التصدي للفساد. وبشكل أكثر تحديدًا، يجب على الجهات الفاعلة الرئيسية في القطاع الإنساني -الحكومات المانحة والأمم المتحدة والوكالات الإنسانية والحكومات المضيفة- أن تصبح أقوى وتعمل بشكل جدي وفعال لمكافحة الفساد.
الفساد في المساعدات الإنسانية في سورية
نسمع كثيرًا عن المساعدات الإنسانية التي تقدم للشعب السوري، ويحق لنا أن نتساءل عن مصير كل تلك الملايين من الدولارات، وعن الخدمات التي تقدمها تلك المنظمات كمقارنة بسيطة جدًا مع تلك الإيرادات ومع ما نراه ونلامسه على أرض الواقع.
لا توجد أرقام محددة عن مقدار المساعدات التي تضيع للفساد، ولكنها تقوض الجهود الإنسانية بطرق شتى. فالرشوة والابتزاز يشوهان صنع القرار، ويزيدان تكلفة السلع والخدمات. وتقلص كمية المعونة التي تصل إلى أشد الفئات ضعفًا، أو تنخفض جودتها.
تتعرض المنظمات الإغاثية، كباقي المنظمات الأخرى، لمخاطر الفساد، ولكن في حالة العمل الإغاثي يعد الفساد واحدًا من أسوأ المخاطر التي قد تصيب المنظمات؛ إذ يقوض سمعتها ويعطلها عن تأدية دورها، ويحرم في النهاية الإنسان المستهدف من الحصول على الإغاثة الموجهة له، كما يضعف ثقة المتبرعين بالعمل الإنساني وأهميته، ومن هنا تكمن أهمية محاربته ومواجهته بكل السبل الممكنة، لضمان استمرار العمل الإغاثي الإنساني وتطويره.
اتهمت مجموعة (حملة سوريا)[3] الأمم المتحدة بفقدان قيم “النزاهة والاستقلالية والحياد”، عبر انحيازها بتوزيع المساعدات. ووقعت 55 منظمة إنسانية على تقرير “حملة سورية”، الذي عنونته بـ “الانحياز”، وأعدته عبر مقابلات مع العشرات من العاملين -السابقين والحاليين- والباحثين مع الأمم المتحدة في سورية. وأكدت وجود الفساد في علميات المساعدات والإغاثة الإنسانية.
يقول أحد الناشطين: إن العمل الإغاثي، على الرغم من أهميته في مراحل الصراع الدموي والنزوح، ترك أثرًا سلبيًا على العمل المدني، نتيجة الفساد والأموال التي ضُخّت بدون رقيب”. من جهة أخرى، يتساءل أحد اللاجئين: كيف يمكن أن يحصل موظفون في المنظمات الإغاثية على كميات كبيرة من المساعدات الإغاثية، فتجد أن منازلهم مليئة بالمواد الغذائية والعينية؟ بل إنهم يقومون بتوزيع كميات من هذه المواد على عائلاتهم وأصدقائهم، ومنها ما يباع إلى محال بيع المواد الغذائية والبسطات العشوائية في الشوارع.
تعدّ السرية وعدم الشفافية في الإغاثة الإنسانية بوابة كبيرة، يتغلغل الفساد فيها ويشتت الجهود الإنسانية، كما هناك تلاعب في حصص الإغاثة الإنسانية، ومن أهم مكامن الفساد في الإغاثة الإنسانية هو فساد آلية توزيعها. كما تتم المتاجرة بالمساعدات الإنسانية، حيث نجد المساعدات تباع في عدة محلات تجارية وبوجود معونات تحمل شعار منظمة “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” أو شعار الأمم المتحدة، حيث أكد الصحفيون [4]مشاهدتهم، بأم العين، كميات هائلة من هذه المساعدات المقدمة للشعب السوري، تباع على الأرصفة، وفي المحال التجارية على نحو مكشوف، عن طريق وسطاء فاسدين جنوا الملايين من وراء سرقة هذه المساعدات بطرق مختلفة. كما يلجأ النازحون إلى بيع المساعدات التي يتلقونها طوعًا إلى التجار، وعبر جمعيات “خيرية”، نتيجة الفقر والحاجة إلى شراء مواد ضرورية كالأدوية، ومواد التدفئة.
ومن أهم أسباب فساد الإغاثة الإنسانية عدمُ تفعيل الرقابة الرسمية والشعبية والمجتمعية؛ فالعمل دون رقابة يشكل بيئة خصبة للفساد. ويستوجب أن يتم تفعيل آليات للرقابة، من جميع أجهزة الرقابة الرسمية والشعبية والمجتمعية للتدقيق والتحقق من كشوفات ومستندات الإغاثة الإنسانية، وهذا حق مكفول نص عليه القانون الدولي الإنساني ولا تتعارض الرقابة مع هدف الإغاثة بل أيضًا تعتبر الرقابة ضمانة حقيقية لتحقيق أهداف الإغاثة الإنسانية.
وتشتكي كثير من المنظمات الحقوقية والمدافعة عن حقوق اللاجئين[5] من عدم التوازن المفترض بين تكلفة الإغاثة الإنسانية والمصاريف الإدارية، حيث تعتبر المصاريف الإدارية، وعدم ضبطها بضوابط ومعايير عامة، بوابة للفساد تستوجب وقفة، بحيث تضمن فرق الإغاثة حقوقهم القانونية، من دون الانتقاص من مستوى وحجم الخدمة بما يحقق هدف الإغاثة الإنسانية.
لقد تعرضت في الفترة الأخيرة كثيرٌ من المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية العاملة في سورية وفي الدول المستقبلة للاجئين السوريين، لكثير من الشبهات وعلامات الاستفهام، بسبب الأموال الطائلة التي تجري بين يديها. هذه الأموال التي تأتي من مصادر متعددة، كمنح وهبات وتبرعات، سواء أكانت من حكومات أم من مؤسسات أو شركات أو أفراد، تكون من أجل مشروعات محددة أغلبها مرتبط بمصير الناس، بهدف إغاثة المحتاجين أو محاربة آفات أو درء مخاطر، أو المساهمة في بعض أشكال التنمية لتطوير مناطق محددة هي في حاجة إلى مثل تلك البرامج. حيث أكدت الدراسات[6] أن كثيرًا من المنظمات الدولية خلقت علامة استفهام كبيرة بكيفية صرف هذه الأموال، فالعديد منها تصرف على نفسها أكثر من 60 بالمئة، من الميزانية المرصودة لمشروع محدد حصلت على أمواله بتلك الصفة، فيما يحصل المستهدفون من المشروع على الفتات؛ ما يجعلها تعتاش على حساب الأزمات والكوارث وحاجات الناس.
جاء في أحد التقارير الأميركية[7] عن مقدار الدعم الذي تتلقاه المنظمات الإنسانية، ويقدر بمليارات الدولارات، حيث كشف التقرير عن حجم المساعدات الفعلية التي قد تصل إلى الجهة المستهدفة، وتقدر بـ 30 بالمئة فقط! و70 بالمئة يذهب إلى جهات متعددة حكومية أو أممية أو ضمن آليات الفساد. فالكثير من المشاريع الممولة من أصحاب رؤوس الأموال لا تشكل فارقًا بالنسبة إلى الجهة المنكوبة، فغالبية المنظمات تسخر بنود ميزانياتها التشغيلية في بدل السفر وأجور موظفيها الأجانب.
أهم فضيحة دولية في فساد المساعدات الدولية للشعب السوري
أعلنت الولايات المتحدة وقف التعامل مع 12 شركة تسليم وتوريد مسجلة في تركيا، بسبب دورها في تحقيق الأرباح من المساعدات الإنسانية المخصصة لسورية.[8] وأصدر مكتب المفتش العام للوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، قرارًا يمنع الوكالة من العمل مع هذه الشركات مدة خمس سنوات. وأشار المكتب، في بيان له، إلى أن هذا القرار جاء نتيجة لتحقيق استمر سنتين، في “شبكة فاسدة من الرشوة والاحتيال والتزوير”، ذات علاقة بتقديم مساعدات إنسانية إلى سورية، في إطار برامج تنفذها الوكالة. وبعض تلك المنظمات ذات تاريخ طويل في العمل الإنساني مثل الهيئة الطبية الدولية (IMC) ولجنة الإنقاذ الدولية (IRC) والمنظمة غير الحكومية الأيرلندية (GOAL)، والتي عوقبت بتعليق التمويل عنها ولو جزئيًا.
وكان الغش الأكثر شيوعًا هو التواطؤ بين الشركات التي تبيع الإمدادات الإنسانية مع موظفي الشركاء المحليين للوكالة الأميركية للتنمية الدولية الذين قبلوا الرشاوى مقابل المساعدة في الفوز بالعقد. وكما كانت هناك أيضًا حالات لاستبدال مواد المعونة، ببدائل أرخص وكذلك حالات فشل في الرقابة والتفتيش.
السؤال الرئيس هو كيف يمكن الحد من الفساد في المساعدات الدولية ومعالجته؟ هنا يبرز دور المنظمات الدولية المستقلة، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومنظمة الشفافية العالمية، حيث عملت هذه المنظمات مع منظمات دولية أخرى مثل البنك الدولي على إنشاء مبادرة دولية، تحت اسم مبادرة الشفافية في المعونات الدولية [9]وتضمنت هذه المبادرة عدة معايير للرقابة وشفافية المعلومات، سواء تلك المتعلقة بالمساعدات الإنسانية أو مساعدات التنمية المستدامة. ومن أهم ما تضمنته هذه المبادرة، الإفصاحُ عن المعلومات ومحاسبة المتورطين الذين يثبت عليهم ذلك في عمليات استغلال للمساعدات الدولية. ويمتلك البنك الدولي والعديد من الدول المانحة سياسات فعالة للحد من ظاهرة الفساد في المساعدات الدولية، ولكن بالمقابل هناك فشل في آليات المراقبة والتنفيذ والتدقيق والتقويم.
ينبغي للحكومات المانحة والهيئات الإنسانية أن تزيد الحوافز الإیجابیة، لتحلیل المخاطر بشفافية والإبلاغ عن الفساد، وعليها أن تضع نهجًا مشتركة لإدارة التهديد بالفساد. وينبغي تعزيز حماية المبلغين عن المخالفات وتخصيص الموارد لتدوير هذه البرامج في الميدان وتوفير التدريب المستمر.
بما أن سورية تصنف في الثلاث مراتب الدنيا للفساد في العالم، فإن من الصعب أن يتم رصد عمليات الفساد التي تصاحب المساعدات التي تقدم لسورية؛ وذلك لضعف المؤسسات والأنظمة والهيئات المتخصصة بمكافحة الفساد وغياب بعضها الآخر، وهو ما يعني بالتالي ضعف المعلومات الموثقة، وانعكاس ذلك على غياب الشفافية.
إلا أننا في الوقت ذاته لا نستطيع تجاوز بعض التجارب الناجحة في المجال الإغاثي والتنموي، كما يجدر القول إن عددًا من هذه المنظمات السورية تعمل جاهدة على الظهور بقدر من المسؤولية تجاه مانحيها والمتبرعين لها، وذلك من خلال وضوحها وشفافيتها وحرصها على توفير الضوابط اللازمة في عمليات إنفاقها؛ ما زاد من درجة ثقة وقناعة الممولين والمتبرعين لها، سواء أكانوا حكومات أم قطاعًا خاصًا أم منظمات أهلية محلية وخارجية أخرى.
[1] محسن الموسوي شرف، الشفافية كضرورة لرصد السياسات العامة الجمعية البحرينية للشفافية، منظمة الشفافية العالمية.
[2] مسؤولو الأمم المتحدة يسلطون الضوء على تأثير الفساد على المجتمعات، أخبار الأمم المتحدة.
[3] 55 منظمة سورية تتهم الأمم المتحدة بالانحياز للنظام السوري، عربي 21، 2016
[4] فساد علني في مساعدات الهلال الأحمر بطرطوس! سوريا الجميلة 2016.
[5] الفساد وعرقلة الإغاثة جريمة ضد الإنسانية | الأمناء نت، 2016
[6] المنظمات الدولية.. اتهامات الفساد والتخابر (ملف) – جريدة لوسيل، 2017
[7] . فساد ممنهج واسترزاق تنموي | الأمناء نت، 2014
[8] واشنطن تقاطع مؤسسات تركية تورد مساعدات إنسانية إلى سورية بسبب الفساد، روسيا اليوم 2017.
[9] ما هي المبادرة الدولية للشفافية في المعونة؟ https://www.aidtransparency.net/wp-content/uploads/2014/12/FAQAR.odt