إذن، يمدّ بشار الأسد، ووراءه الروس والإيرانيون حليفاه الوثيقان المخلصان الشديدان، لسانَه للعم ترامب، ولاتفاق مناطق خفض التصعيد الذي وقّعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل سنة.
قبل أيام، بدأ نظام بشار الأسد عملية طويلة مخططًا لها على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، في محافظة درعا الجنوبية. حتى الآن، شارك جيش النظام النظامي وقوات النخبة المسمّاة “قوات النمر” في القتال، إلى جانب حملة من القصف المدفعي والصاروخي. وقد نفى النظام وجود أي تدخل أجنبي يدعمه في العمليات؛ ومع ذلك، فهنالك تأكيدات أن الطيران الروسي يشارك في القصف، وأن ميليشيا (حزب الله) الذراع الضاربة لإيران تشارك في القتال على الأرض، متنكرين بالزي الرسمي لجيش النظام.
في الطرف الآخر، فإن أقوى فصيل معارض هو الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر، وهي تقاتل إلى جانب الفصائل المتشدّدة الجهادية والسلفية، من أحرار الشام إلى جيش الإسلام إلى هيئة تحرير الشام المرتبطة بـ “تنظيم القاعدة” في سورية. وقد رفضت هذه الجماعات فرض النظام لصفقات المصالحة المحلية، على مدى الأسابيع القليلة الماضية، ورأت أن مثل هذه الصفقات لا تعدو كونها مجرد استسلام قسري. ومع ذلك، فمن المرجح أن يحقق النظام نجاحًا ضد المعارضة، ويتقدم داخل أراضيها ويجبرها على الاستسلام، ربما خلال الأسابيع المقبلة.
لا يدعم مقاتلي المعارضة أحد، فإدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تفاءل بعض السذّج من السوريين بأنها ستكون أفضل من إدارة سلفه أوباما، أعلنت بصفاقة أنها “لن تمد يد العون لهم في مواجهة النظام”، جنوبي البلاد، بحسب مصادر في المعارضة. ولكنّها تتعاطف مع السوريين، وتتفهم “الظروف الصعبة التي تواجهونها الآن”. وهي ترجو الروس (حلفاء الأسد) والنظام السوري، بعدم القيام بأي عمل عسكري يخرق منطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سورية.
لدى النظام بالتأكيد القدرة على إحراز تقدم سريع ضد المعارضة التي فقدت دعم الولايات المتحدة والأردن. ومع إغلاق الأردن لحدودها، فإن جيب المعارضة في درعا محاصر فعليًا.
مع ذلك، قد يتمهّل النظام في القيام بعملياته، خوفًا من ردة فعل إسرائيلية، ولعلّه يزاوج بين الاستيلاء على المزيد من أراضي المعارضة، وتقديم عروض اتفاقات المصالحة التي تحث المعارضة على الاستسلام.
ولكن التقارير الواردة في الشهر الماضي أفادت بأن إيران و”إسرائيل” توصلتا إلى اتفاق، بوساطة أردنية، وافقت فيه إيران على عدم المشاركة في عمليات درعا، لتجنب ردات الفعل العسكرية الإسرائيلية. ومع ذلك، أشيع أن الميليشيات المدعومة من إيران كانت ضمن القوات التي استعدت لهجوم درعا، خلال الأيام القليلة الماضية. وقد تختبر إيران حدودها، مع ذلك، خاصة أن الصفقة بينها وبين “إسرائيل” كانت خاصة وغير رسمية. وإذا ثبت تورّط الميليشيات المدعومة من إيران بالفعل في العمليات، واقتربت من الحدود الإسرائيلية؛ فمن المرجح أن تردّ “إسرائيل” بغارات جوية. وقد يكون لهذه الضربات أثر كبير، على غرار الهجوم الذي وقع في 17 حزيران/ يونيو، وأودى بحياة العشرات من مقاتلي النظام في محافظة دير الزور، أو قصف 10 أيار/ مايو الذي ضرب نحو 70 هدفًا إيرانيًا في جميع أنحاء البلاد. وهذا يعزز رأينا بأن من المرجح أن يواصل النظام هجومه في درعا، ولكن بنوع من الحذر من أجل السيطرة على الوضع، وتجنب الإفراط في التمدّد صوب المعارضة أو الاعتماد على دعم الميليشيات الإيرانية.
من المرجح أن تؤدي عمليات النظام إلى حركة تهجير كبيرة، وخاصة تهجير المقاتلين المتمردين وأسرهم. من المؤكّد أن الأردن لا يسمح الآن للمقاتلين باستخدام أراضيه كمنطقة انطلاق لعمليات هجومية أو دفاعية، وهو لن يسمح للمقاتلين واللاجئين الإضافيين بالانسحاب إلى أراضيه. فإذا رفض الأردن السماح لهم بالدخول؛ فإن الأغلب أن ينتقل المتمردون، وخاصة القياديون بينهم وعائلاتهم، إلى محافظتي إدلب وحلب. والحال أنه بعد درعا، سيكون آخر معقل رئيس للمعارضة هو الجيب الشمالي الغربي الذي يضم أجزاء من محافظتي إدلب وحلب. وهناك، ستكون أي محاولات من قبل النظام لاستعادة السيطرة على الأرض -من خلال الهجمات الجوية أو البرية– معقّدة، بسبب وجود القوات التركية. أما إلى حدّ يمكن أن تتعاون تركيا مع النظام، فسيعتمد على الطريقة التي يتعامل بها النظام مع “وحدات حماية الشعب” الكردية (YPG) في الشمال، خاصة إذا قامت الولايات المتحدة بسحب قواتها، كما نعتقد أنها ستفعل. فإذا كان النظام قادرًا على احتواء “وحدات حماية الشعب” والتحكّم فيها؛ فمن المحتمل أن توافق تركيا على تفاهم مع دمشق. أما إذا سمح النظام لوحدات حماية الشعب بالاحتفاظ بهياكلها واستقلالها؛ فمن المحتمل أن تستمرّ تركيا في دعم المعارضة، وتقويض جهود النظام لاستعادة ذلك الجزء من البلاد.
باختصار، ردّة الفعل الشائنة للرئيس ترامب، حيال اتفاقية خفض التصعيد، ستقلب الطاولة في سورية. لقد تباهى ترامب ومساعدوه مرارًا بتوصلهم إلى اتفاق خفض التصعيد، وعدّوا ذلك انتصارًا لدبلوماسيتهم. ولكنهم اليوم يتفرجون على قوات النظام والروس وإيران وهم يخرقون الاتفاق، دون أن تهتزّ في رؤوسهم شعرة واحدة، تاركين السوريين في جنوب سورية، بين مواجهة انتحارية مع النظام أو الاستسلام المخزي له، وهو ما يعني التنكيل بالمنطقة التي كانت علامة الخزي الكبيرة لبشار الأسد: درعا. أو قد يجد السوريون متنفسًا لهم في “إسرائيل”. يا للعار!