تحقيقات وتقارير سياسية

الملف السوري في القمة الأميركية الروسية

من المنتظر أن يلتقي الرئيسان: الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، الاثنين المقبل، في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وإذا تمّ هذا اللقاء الذي يعدّ بمثابة القمة، نظرًا إلى أهميته التي تنبع من اجتماع رؤساء الدولتين العظميين؛ فإنه سيكون اللقاء الثالث بين الطرفين.

ملفات عدة عالقة بين الطرفين بحاجة إلى وضع النقاط على الحروف فيها، كالملف السوري والأوكراني والكوري الشمالي والتجارة الدولية والعقوبات المفروضة على روسيا، وغيرها، لكن يبدو أن الملف السوري، الذي يشهد توجهًا نحو التسوية، يستحوذ على موقعٍ مهم في اللقاء المرتقب.

في الغالب، يُشكل ملف انسحاب الميليشيات الشيعية التابعة لإيران المحور الأساس للقاء المرتقب. تُجري “إسرائيل” عبر مستوياتها الدبلوماسية العليا تحركات مكوكية، تُرجمت من خلال زيارة وزير دفاعها لموسكو، ومستشار أمنها القومي إلى واشنطن، وأخيرًا رئيس وزرائها إلى الاتحاد الأوروبي، لإقناع القوى الفاعلة في القضية السورية، بضرورة التوصل إلى اتفاق يضمن لها انسحاب الميليشيات الإيرانية إلى مسافة جيدة. وإلى جانب تشكيل “إسرائيل” برغباتها في حماية الأمن القومي، أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة كحليف تاريخي استراتيجي، تسعى الإدارة الأميركية الحالية لاتباع استراتيجية الاحتواء والتطويق ضد إيران، من أجل “تخفيف” حالة التهديد التي تُمارس ضد حلفائها في المنطقة، ولتأسيس تحالفات إقليمية تُقاسم فيها التكلفة المالية والبشرية، ومن أجل استعادة “الهيبة الدبلوماسية” التي أُهدرت، على حدّ وصف ترامب، من خلال الاتفاق النووي الذي صبّ في صالح إيران، على حساب الولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها في المنطقة.

ويبدو أن الولايات المتحدة تُدرك نقاط الخلاف بين روسيا وإيران، كخلافهما بخصوص حجم السيطرة على المناطق الجيوسياسية الاستراتيجية في سورية، والخلاف حول رؤية الحل؛ حيث ترمي روسيا إلى تسريع حل الأزمة لتفادي المزيد من الخسائر، على العكس من إيران التي يبدو أنها تتبنى رؤية “الحل الصفري” الذي يقوم على إقصاء جميع القوى المنافسة والأطراف المعارضة، فضلًا عن رغبة روسيا في مسايرة بعض مطالب الولايات المتحدة من إيران، من حيث رغبتها في تقليم القوة الميدانية الإيرانية في سورية، التي تتفوق عليها، عوضًا عن رغبتها في التنسيق مع الولايات المتحدة لرفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها، بالإضافة إلى الاستفادة من الدعم الأميركي أو الدولي لعملية إعادة الإعمار مستقبلًا، وهذا ما يجعلها تهدف إلى اتخاذ روسيا كقوة يمكن التنسيق معها، لتسهيل عملية بناء ميزان قوى “يخفف” النفوذ الإيراني في سورية.

أيضًا، قد تتطرق القمة إلى المآل الشرعي لـ (وحدات حماية الشعب) الكردية التي أنهت مهمتها الأساسية في محاربة تنظيم (داعش)، وباتت بحاجة إلى ذريعة شرعية تُمكنها من الحفاظ على وجودها الشرعي، لا سيما أنها أضحت تسيطر على قسم كبير من مصادر الطاقة السورية. وفي هذا الإطار، قد يتمحور حديث الطرفين حول النظر في آلية تتيح لهما التوصل إلى نقطة تسوية مشتركة بهذا الشأن. ويبدو أن توافق الطرفين ممكن، من جهة طرح الولايات المتحدة مشروع “المجالس المحلية الشرعية” المُنتخبة من الشعب، وطرح روسيا في مسودة الدستور التي عرضتها على المعارضة مسبقًا “إدارة محلية لامركزية”، تتصل مع بعضها بعقدٍ وطني، يجمعها في “جمعية المناطق” التي تحظى بصلاحيات موسعة ومختلفة. ولكن يبدو أن اللقاء المرتقب قد يعجز عن التوصل إلى اتفاق نهائي حول هذه النقطة، لما يقف أمام الطرفين من تحديات إقليمية وميدانية في الفترة الحالية.

في هذا اللقاء، قد تطرح روسيا فكرة إعادة فتح الطريق الدولي من تركيا وصولًا إلى الأردن، لتسريع عملية تعويم النظام السوري اقتصاديًا ثم سياسيًا، وفتح المجال أمام الحديث عن عملية إعادة الإعمار وآليات تنسيق دخول المعدات اللازمة للمناطق المنكوبة في سورية.

في النهاية، تربط الطرفين معادلات دولية وإقليمية ومحلية، تجعل تحركهما حيال الملف السوري يتسم ببطء مشهود، لكن يبدو أن النقاط المطروحة أعلاه قد تشهد تطورات ملموسة في حال حدث اللقاء المذكور.

مقالات ذات صلة

إغلاق