أدب وفنون

ومن الإفتاء ما حصل

ما هذه الضجة التي رافقت مبادرة فضيلة مفتي الجمهورية الشيخ بدر الدين حسون، إثر اشتراكه في اختيار ملكة الجمال في طرطوس؟! أين المشكلة عندما يضطلع الرجل بمهمته باعتباره مفتي الجمهورية؛ ويصدر فتواه بتتويج ملكة الجمال التي سيختارها؟! وبعيدًا عن مهمته في منصب الإفتاء؛ فقد أراد الرجل أن يؤكد للمواطنين أنه بشر من لحم ودم.

على ذمة الراوي، فإن فضيلته تردد كثيًرا قبل أن يقبل بالمهمة التي أوكلت إليه. ورفض بدايةً العرض الذي قدّم إليه رفضًا قاطعًا، واستنكر بشدة، أن يشترك في هذا المهرجان الصاخب، وبخاصة أنه سيكون ملزمًا أولًا، بأن يتفقد المتسابقات واحدة.. واحدة، كاسيات عاريات. وأن يتملّى، ليس وجوههنّ فقط، بل خصورهن وأردافهن وسيقانهن وكل مفاصل أجسادهن. وفي نهاية المطاف عليه أن يختار الملكة. وعليه أن يطبع قبلتين على وجنتيها، ويتمنّى لها دوام الجمال والرشاقة.

لقد أصرَّ فضيلة المفتي، بداية، على رفضه الاشتراك في هذه المهزلة التي من شأنها أن تقلل من قدره، وتحط من شأنه، باعتباره الرمز الديني الأول في البلاد. وتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم.

غير أن الشيطان الرجيم زاره في الليل، حينما آوى إلى فراشه، وأخذ يزين له الأمر، ويقنعه أن اختيار ملكة الجمال هو من صلب عمله، لكنّه استطاع أن يتغلب على الشيطان، حينما أخذ يتلو سورة الناس، ويتعوذ برب الناس من شر الوسواس الخناس الذي أخذ يوسوس في صدره. وظل مستيقظًا لا تأخذه سنة ولا نوم.

وفيما هو يفكر في العواقب؛ لو رفض الأمر، وبخاصة أنه تكليف رسمي من الجهات العليا؛ يسّر له الله أمرًا كان مفعولًا؛ إذ تناهى إليه من نافذة غرفة النوم صوت السيدة أم كلثوم الشجي، تصدح بقصيدة علي أحمد باكثير الخالدة:

قالوا أحبَّ القسُّ سلاّمةً/ وهو التقيُ الورعُ الطاهرُ

كأنّما لم يدرِ طعمَ الهوى/ والحبِّ إلاّ الرجلُ الفاجرُ

يا قومُ إني بشرٌ مثلكم/ وفاطري ربُّكم الفاطرُ

لي كَبِدٌ يهفو كأكبادِكم/ ولي فؤادٌ مثُلكم شاعرُ

فأصغى إلى النغم الجميل، وبدأ يسترخي مع صوت كوكب الشرق العذب، وكلمات الشاعر البليغة، وموسيقى رياض السنباطي الرائعة. وشيئًا فشيئًا بدأ يحسبها: “أقبل، ما أقبل، أقبل، ما أقبل”. ويخاطب نفسه: “أنا لست أرفع شأنًا من هذا القس الذي أطاع قلبه، وحسم أمره، في ما يتعلق بمسألة الجمال، وإن صلاة واحدة بعد أدائي هذا الواجب الوطني، تمحو ما تقدم من ذنوبي وما تأخر. وإن هذه المهمة لا تخرج عن كونها مهمة وطنية، نستطيع من خلالها أن نقنع العالم أننا لسنا دعاة حرب فقط. ففي الوقت الذي نلاحق فيه فلول الإرهابيين في كل مكان من هذا الوطن العزيز؛ فإنه ما يزال لدينا متسع، كي نتمتع بالحمال، والحياة مستمرة في هذا القطر الصامد.

هكذا عزم فضيلة المفتي أمره، وذهب بكل أريحية ليفتي في اختيار ملكة الجمال في طرطوس، ومن ساعته انطلق في سيارته، وهو يغني مع نصري شمس الدين:

وقفلي خليني بوس/ شبابيك الحلوي بطرطوس

يا بيتا المضوي عالبحر/ بقلبي وعينيي بحروس

وشهادة لله، فإنه، حينما همّ بتقديم الدرع لملكة الجمال؛ تناوله بيده اليمنى، تفاديًا من أن يصافحها، فيلحقه الإثم، وبذلك فقد نجا من الخطيئة.

فادعوا له بالتوفيق، أثابكم الله.

مقالات ذات صلة

إغلاق