ينعقد اجتماع أستانا في نسخته الجديدة، في مدينة سوتشي الروسية، يومي 30 و31 من الشهر الجاري، وسط غياب واشنطن، وغموض وتردد في صفوف المعارضة، وتحضير النظام لعدة ملفات أبرزها عودة اللاجئين وإعادة الإعمار.
قال نائب المتحدث باسم الخارجية الروسية أرتيوم كوجين، أمس الخميس: إن “الاجتماع الذي ستحتضنه مدينة سوتشي سيولي اهتمامًا خاصًا بالأوضاع الإنسانية في سورية”. مضيفًا خلال مؤتمر صحفي في العاصمة موسكو: “سيحضر الاجتماع ممثلون، على مستوى نواب وزراء الخارجية، من روسيا وإيران وتركيا، كدول ضامنة لعملية أستانا للتسوية السورية، ووفدا الحكومة السورية والمعارضة السورية، ومراقبون من الأمم المتحدة والأردن. وقد أرسلنا دعوة للولايات المتحدة أيضًا”.
ووفق كوجين، فإن “المشاركين في الاجتماع سيتبادلون وجهات النظر، حول تحقيق مفاوضات بين السوريين، على أساس القرار (2254) الصادر عن مجلس الأمن الدولي، آخذين بالحسبان مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري (سوتشي)”، غير أن النظام، من باب الجانب الإنساني، سيجعل الاجتماع يذهب نحو ملفي عودة اللاجئين السوريين، وملف إعادة الإعمار، وفق الترجيحات.
في الأروقة الأممية، قال ممثل السويد لدى الأمم المتحدة أولوف سكوت، الذي ترأس جلسة مجلس الأمن يوم الأربعاء: إن المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا “عقد مؤخرًا جلسة إحاطة مع أعضاء مجلس الأمن، حول التحضيرات لاجتماع بصيغة (أستانا) في سوتشي في 30-31 تموز الجاري، الذي يهدف إلى ضمان حل سياسي للنزاع السوري”، بحسب ما ذكرت قناة (روسيا اليوم).
أضاف سكوت أن “دي ميستورا يوافق الرأي الذي يقول إنه سيكون من المفيد للغاية إحراز تقدم بشأن هذه المسألة، حتى الأسبوع الوزاري للجمعية العامة في أيلول”.
من جهة ثانية، تغيب واشنطن عن الاجتماع، وفق ما أعلن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، إذ قال: إن بلاده “لن تشارك في محادثات (أستانا) حول سورية، بصفة مراقب أو أي صفة رسمية”، مضيفًا في تصريحات لوكالة (سبوتنيك) الروسية أنه “لا يزال تركيزنا على التفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف، وتحقيق تقدم كبير في هذه المفاوضات. والقنوات والأماكن الدبلوماسية الأخرى تصرف الانتباه عن تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (2254)”.
أضاف: “نحن نرحب بأي تخفيف حقيقي للعنف في سورية، يساعد في تهيئة الظروف لإجراء انتقال سياسي موثوق به، كما ورد في قرار مجلس الأمن رقم (2254)”، داعيًا “الأطراف في عملية (أستانا) إلى إعادة توجيه جهودهم إلى عملية جنيف، ودعم جهود المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا دعمًا كاملًا”.
مصدر في الائتلاف قال لـ (جيرون): إن المعارضة السورية لم تكن يومًا في حالة ضياع، كما هي الآن، مشيرًا إلى أن “مسؤولي المعارضة اليوم فعلًا يعيشون حالة من التردد وطريقهم غامض، ذلك مردّه إلى أن التوجه الدولي حول سورية ما زال مبهمًا بالنسبة إليهم”.
أضاف: “اجتماع بوتين ترامب الذي تم في هلسنكي جعل المعارضة مترددة حتى في وضع خطوات عملية للمستقبل القريب، اليوم إذا دخلت إلى الأروقة لن تحصل على استراتيجية واضحة بيد المعارضة”، مشيرًا إلى أن “المعطيات على الأرض تجعل المعارضة السياسية بأوراق أقل، فكيف إن كان توجه أصدقائها غير واضح حتى اللحظة؟”، وتابع: “المعارضة سيكون لها أكثر من ممثل في سوتشي الأسبوع المقبل -على الأغلب- لكن سيحاولون جعل حضورهم باهتًا، حيث لا يكون على المستوى الرسمي”.
كما قال مصدر مطلع في المعارضة السورية: إن “النظام والمعارضة انتهيا من قوائم المشاركين، فيما تنتظر موسكو قائمة الأمم المتحدة”، مضيفًا في تصريحات لصحيفة (عكاظ) أن “هناك شكوكًا في تحقيق اختراق في الأزمة السورية، في ظل حالة الاحتقان إثر سيطرة النظام على درعا”.
عدّ المصدر أنه “لم يعد هناك خيار سوى الحل السياسي.. روسيا بحاجة إلى معجزة وحل سحري يرضي جميع الأطراف… الخلافات عميقة حول صياغة الدستور، وثمة خلافات أيضًا في تركيبة اللجان”، مشيرًا إلى أن “المعارضة منقسمة حول المشاركة في صياغة الدستور، ولم تتفق على رؤية موحدة”.
في غضون ذلك، ينشط النظام السوري في عدة ملفات، أبرزها ملف عودة اللاجئين، وإعادة الإعمار، الأمر الذي يجعل حضور النظام زاخمًا بالملفات التي يمكن أن تحرف الاجتماع عن معناه السياسي، وتحويلة إلى اجتماع تنسيق في الملفين السابقين، وعارضًا خلاله لرؤيته (الروسية).
حول ذلك، قال بشار الأسد، خلال مقابلة مع وسائل إعلام روسية: إن حكومته والحكومة الروسية “تبحثان إمكانية توفير أقصى قدر من المساعدة لعودة اللاجئين إلى الجمهورية العربية السورية”، بالتزامن مع إعلان وزارة الخارجية الروسية، أمس الخميس، أن وفدًا روسيًا رفيع المستوى بحث مع بشار الأسد “إعادة إعمار سورية في فترة ما بعد النزاع”.
أضاف الأسد أن “”حكومتنا تبذل كل جهد ممكن لإعادة بناء البنية التحتية، ولكن هذا غير كاف، وينبغي أيضًا التفكير في الانتعاش الاقتصادي وخلق فرص عمل، وبناء المدارس، وفي المقام الأول منازلهم (اللاجئين) بحيث يكون لهم مكان للعيش، هذا هو بالذات الموضوع الرئيسي للمناقشات بين الحكومتين الروسية والسورية، كيفية تقديم أقصى قدر من المساعدة لتسريع عملية عودة اللاجئين إلى سورية”.
كما جاء، في بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية، أن الوفد الروسي بحث مع الأسد “مهمات إعادة إعمار البلاد في مرحلة ما بعد النزاع، بما في ذلك عودة اللاجئين السوريين، ونقل الأشخاص داخليًا إلى أماكن إقامتهم الدائمة، في أسرع وقت”، بحسب وكالة (سبوتنيك) الروسية.
أشار البيان إلى أن الأسد “رحّب بخطوات المبادرة الروسية في هذا الاتجاه”، كما أكد (الأسد) “الاستعداد لتهيئة الظروف اللازمة لاستقبال آمن وكريم، وإقامة السوريين العائدين إلى وطنهم”.
في دمشق، افتتح النظام، أمس الخميس، مؤتمر (رجال الأعمال والمستثمرين في سورية والعالم 2018)، وقد حضره “رجال أعمال من 23 دولة عربية وأجنبية، يمثلون شركات في مختلف المجالات الصناعية والتجارية والاقتصادية”، بحسب ما ذكرت وكالة (سانا) التابعة للنظام.
وقال وزير اقتصاد حكومة النظام، محمد سامر خليل: إن سورية بعد الحرب هي أكبر ورشة إعادة الإعمار على المستوى العالمي”، مضيفًا أن العالم “سيشاهد عودة عجلة الإنتاج في سورية بشكل أكبر وأسرع، حيث وصل عدد المنشآت الصناعية حتى الآن إلى 19 ألفًا، بين جديدة ومتضررة تم تأهيلها، جميعها دخلت مجال العمل والإنتاج”، وفق ما ذكرت وسائل إيرانية.
وبحسب منظم المؤتمر والمدير العام للشركة الدولية للاستثمار، مُصان نحاس، فإن إعادة الإعمار “تحتاج إلى 500 مليار دولار كتكلفة مبدئية، فيما تم حتى الآن طرح حوالي 200 مليار دولار من التكلفة الكلية المتوقعة، أي ما يقارب 40 بالمئة مما تحتاج إليه التكلفة الأولية لعملية إعادة الإعمار”.