اقتصادسلايدر

معبر نصيب والأهمية الاقتصادية للدول الفاعلة

سيطر نظام الأسد مدعومًا بقواتٍ روسية، ومباركًا بموافقةٍ إسرائيليةٍ وأميركيةٍ ضمنيةٍ، على منطقة الجنوب السوري التي كان يميل عدد من المحللين إلى تجنبيها سيناريو السيطرة، انطلاقًا من نظرية رفض “إسرائيل” والأردن والولايات المتحدة أي سيطرة لجيش النظام الواقع تحت تغلغل “ميليشياوي شيعي إيراني”.

لكن يبدو أن الرغبة الأميركية في عدم دفع ثمن البقاء في سورية “غير المفيدة اقتصاديًا”، من خلال الركون إلى شريكٍ يضمن له تحقيق ما هو مطلوب، بأقل التكاليف وبأسرع وقتٍ وأفضل النتائج، أحبطت النظرية المذكورة أعلاه، وجعلت مصير الجنوب بيد روسيا التي باتت تلعب دور الضامن هناك.

عقب السيطرة على منطقة الجنوب المحاذية للأردن؛ بدأت وسائل إعلام النظام السوري تُسلط الضوء بشدة على مدى الأهمية التجارية لمعبر نصيب الحدودي الذي يربط بين سورية والأردن. وبينما ما يزال الغموض يكتنف مصير المعبر، واحتمال فتحه من عدمه، بأخذ إشارة مسؤولين من النظام السوري إلى سعيهما لإصلاح الطرقات المُحيطة به، وتصريح مسؤولين أردنيين بجاهزية قوافلهم التجارية للدخول إلى سورية في حال فتح المعبر، يتضح أن المعبر ذاهبٌ نحو التفعيل لا محالة.

في سياق ذلك، يصبح التساؤل الدائر حول المعبر هو: ما الذي يشكله المعبر بالنسبة إلى الدول الفاعلة في سورية؟

البداية من روسيا التي تُمثل دور الكعب الأعلى سياسيًا في سورية. منذ تدخلها المباشر في الأزمة السورية، نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، وروسيا تسعى لتعجيل تسوية الأزمة السورية، انطلاقًا من مسعاها لاستغلال حالة الشعور الأميركي في الملف السوري؛ نتيجة اتباع الانعزالية الصامتة في عهد أوباما، والأخرى الصارخة في عهد ترامب، وحالة الضعف التركي – الأردني، بالإضافة إلى الجو الدولي الذي كان متوافقًا أو غير مكترث، نسبيًا، مع التمدد الإيراني، قبل ولوج ترامب سدة الحكم. كما لعب جانبا التكاليف الاقتصادية، والتخوف من تصاعد التحديات الأمنية الدولتية وما دون الدولتية “التنظيمات الإرهابية”، دورهما في مسعاها لتعجيل تسوية الأزمة.

وفيما يبدو أن روسيا تمكنت، من خلال إشراك تركيا في عملية التسوية، وتطبيق “الشيشنة” على الفصائل، بفرزها فصائل موافقة على عملية الحل السياسي والقبول بها “كوسيط دولي لحل الأزمة”، وأخرى “إرهابية غير موافقة” على تحقيق ما ترنو إليه. وعقب ذلك، باتت بحاجة إلى إعادة تعويم النظام على الصعيد الاقتصادي، لتعجيل عملية إعادة الإعمار وآليات دخول المعدات اللازمة لذلك. ويكفل التعويم الاقتصادي التعويم السياسي الذي يفتح للنظام السوري إعادة بلورة علاقاته مع الدول المجاورة وغير المجاورة. كما أن إعادة فتح معبر نصيب، بالنسبة إلى روسيا، في ظل سيطرتها السياسية الواسعة على سورية، يصب تجاريًا في صالح حركتها التجارية، حيث سيصبح بإمكانها الوصول إلى منطقة الخليج بطرق برية، عادةً ما تكون أقل تكلفة مقارنة بالطرق البحرية.

ربما تتوافق إيران والنظام السوري مع الهدف الروسي ذاته، فهي ترمي، على الرغم من حجم الضغط الدولي المفروض عليها، إلى كسب القدر الممكن من كعكة إعادة إعمار سورية، وتعويم النظام بما يمكن أن يكفل رفع الحصار الاقتصادي الدولي المفروض عليه؛ ما يمكّنها من عقد صفقات مباشرة معه خلال عملية إعادة الإعمار.

أما على الصعيد الأردني، فيبدو أن الضغط الاقتصادي، إلى جانب المسارات الدولية التي فُرضت عليه بعد انتهاء “دوره الوظيفي”، كممر لوجستي لإدارة تحركات فصائل المعارضة السورية في الجنوب، ورغبته في استباق تحرك النظام بعقد توافقٍ مع روسيا يحول دون اقتراب الميليشيات الشيعية من حدوده، قد لعب دورًا حيويًا في تغيير سياسته حيال الملف السوري.

لقد بدأت حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي تتداعى في الأردن، بعد تعرضه لضغط ملموس من بعض الدول الخليجية التي أظهرت تحركاتها الإعلامية والدبلوماسية توجهَها نحو التطبيع مع “إسرائيل”، واستمر هذا الضغط عقب اتباعه سياسة متوازنة حيال الأزمة الخليجية – الخليجية، حيث قابل الأردن هذه الضغوط بمحاولته لعب دور مستقل، إبان أزمة إعلان الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس، يُمليه عليه وضعه السيادي “كراعٍ للحرم القدسي الشريف”، وكدولة ذات مصالح قومية مستقلة، على الأرجح، لا ترغب في الوقوع تحت سوط سيناريو “البحرنة” الذي يعني تحوله إلى دولة تابعة بشكلٍ شبه كامل للسعودية كحال البحرين. لكن ذلك عرّضه لتراجع كبير في حجم المساعدات الخليجية المُقدمة له؛ ما زاد حالة التدهور الاقتصادي التي يعاني منها أصلًا، نتيجة الأزمات الفاعلة في سورية والعراق، كما كان في اضطراره إلى مقاطعة قطر خسائر لم تعوضها الدول الخليجية.

يعتمد الأردن الذي يفتقر إلى المصادر الطبيعية على المساعدات الخارجية، واقتصاد السوق “التجارة الحرة”، اللذين شهدا تدهورًا كبيرًا في الآونة الأخيرة. وقد أدت هذه العوامل بالأردن نحو تحريك عجلة التحرك الدبلوماسي النشط، لتفادي ما يمكن تفاديه، مُـتجهًا نحو فتح المعبر التجاري مع العراق “طريبيل”، في آب/ أغسطس من العام الماضي، وأجرى مفاوضات مع فصائل المعارضة والنظام، لفتح معبر نصيب بآلية ثلاثية. وعلى الأرجح، سيُفتح المعبر بآلية ثنائية تربطه بالنظام مباشرة. وتزداد نقطة فتح المعبر، بالنسبة إلى الأردن، أمام إعادة فتح السعودية معبر (عرعر) مع العراق، الذي أدى إلى تراجع أهمية ميناء العقبة التي اعتمد عليها العراق في تجارته، لصالح ميناء جدة.

بالنسبة إلى تركيا، فإن إعادة فتح المعبر، ومشاركتها في تفعيل الحركة التجاري، ربّما، يُثبّت أقدامها في شمال إدلب، كدولة ضامنة لسير الحركة التجارية الدولية على مسار خط حلب – حمص، الذي تسيطر على بدايته. كذلك، فإن ذلك يعوّض لها خسائرها الاقتصادية التي تُرجمت، وفقًا لصحيفة (حرييت) التركية، من خلال تراجع حجم تجارتها الخارجية بنسبة 40 بالمئة نتيجة الأزمة السورية.

أخيرًا، تأتي لبنان ضمن الدول التي تستفيد من المعبر على صعيد اقتصادي، حيث قُدرت خسائرها نتيجة لإغلاق المعبر بـ 2.5 مليون دولار يوميًا، بحسب تقرير مركز جسور للدراسات: (معبر نصيب الحدودي؛ أثرُ إغلاقه وإعادة افتتاحه على سورية والمنطقة)، حيث تستخدم لبنان المعبر كمعبر “ترانزيت” نحو الأردن. وتُشكل السلع الزراعية عصب الصادرات اللبنانية تجاه الخليج، وتحتاج هذه السلع إلى مسافة قصيرة، لتصل إلى المستهلك بحالةٍ طازجة، غير أن إغلاق معبر نصيب جعل التجارة اللبنانية تضطر إلى الانتقال من طريق بحري، ينطلق من مرفأ طرابلس إلى ميناء العقبة الأردنية ثم عمّان، ومنها إلى دول الخليج. وتستمر هذه العملية قرابة 40 يومًا؛ ما يعود بالتكاليف الباهظة على المُصدر والمستورد.

في المحصلة؛ يبدو أن لإعادة افتتاح المعبر جوانب سياسية، تنطلق من حرص روسي وسوري “ممثلًا بالنظام”، على إعادة تعويم النظام كصاحب سيادة يُجري تعاملات سياسية واقتصادية مع الدول المجاورة، إلا أن العامل الاقتصادي يكاد يكون صاحب دور كبير ومؤثر في بلورة الاندفاع الدولي نحو القبول بفتح المعبر، لتفادي خسائر تجارية جمّة تعاني منها الدول المجاورة لسورية.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق