الصورة: علم سورية مع صورة لبشار الأسد عند حاجز تفتيش للجيش في دوما، 15 تموز/ يوليو 2018 (صورة: حسان عمار/ أسوشيتد برس).
بعد سبع سنوات من الحرب في سورية، ها هي تنتهي اللعبة. جميع الجبهات الرئيسة قد جُمدت عن طريق التدخل الأجنبي، والعمل العسكري الآن يعتمد على الصفقات السياسية التي تتم بوساطة خارجية. وقد تكون النتيجة تقسيمًا واقعيًا للبلاد.
قضت قوات بشار الأسد المدعومة من روسيا العامين الماضيين، في استعادة معاقل (المتمردين) المعزولة، مثل شرق حلب والغوطة. وفي الآونة الأخيرة، استعادوا المنطقة على طول الحدود مع الأردن والأراضي القريبة من مرتفعات الجولان، ولكن عند هذه النقطة، فقد جرت بسهولة.
كان مشهد الدبلوماسيين الروس الذين يتنقلون بين الإسرائيليين والسوريين والإيرانيين والأميركيين للتخفيف/ للتسهيل من عودة الأسد إلى خط وقف إطلاق النار عام 1967 في الجولان، علامةً على أمور مقبلة. وفي النهاية، رفضت إسرائيل قبول إعادة مراقبة روسية للوضع القائم قبل عام 2011، لكن ليس من الواضح أن الأمور ستكون سهلة في بقية سورية، حيث المناطق الثلاث المتبقية خارج سيطرة الأسد محمية من جنود الدول الأعضاء في حلف الناتو، ومغلفة بدبلوماسية معقدة.
المنطقة الأصغر التي لا تزال خارج نطاق سيطرة الدولة هي (التنف). في هذه الفقاعة الممتدة على طول 55 كيلومترًا حول معبر حدودي مع العراق، حيث يبقى مئات من القوات الأميركية و(المتمردين) السوريين المتحالفين معها، ظاهريًا لمطاردة فلول الدولة الإسلامية (داعش).
وافقت روسيا على ألا تتحدى الوجود الأميركي في (التنف)، لكن ما تريد الولايات المتحدة القيام به في هذا المكان غير واضح. لقد خسر التنف معظم أهميته حيث إن المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قد تراجعت، لكن هناك موقفًا قويًا في واشنطن يريد من الجيش الأميركي أن يتمسك بهذا الجيب من الأراضي، لمجرد الضغط على دمشق وموسكو وطهران. طالما يمكن للبيت الأبيض أن يقنع نفسه بأن المال الذي أنفق بشكل جيد، لسبب استراتيجي أو آخر، أن يبقي التنف خارج سيطرة الحكومة المركزية.
في شمال شرق سورية، قامت قوات سورية الديمقراطية (قسد)، بإنشاء كيان اشتراكي شبه مستقل يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مدعومًا بنحو 2000 جندي أميركي. تتكون قوات سورية الديمقراطية من الأكراد والعرب والسريان، لكن خضوعها لسيطرة حزب العمال الكردستاني ليس سرًا، وهو العدو اللدود لتركيا. على مدى السنوات القليلة الماضية، ناضل المبعوثون الأميركيون لردع الأتراك -الذين يشعرون بالقلق من معقل حزب العمال الكردستاني على حدودهم الجنوبية، كما كانت تشعر الولايات المتحدة تجاه وجود صواريخ سوفييتية في كوبا- عن الهجوم.
لا يقتصر نشر القوات الأميركية على إبعاد الأتراك فقط، بل أيضًا لمنع قوات الأسد من دخول المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية. لكن الحقيقة المتمثلة في أن دونالد ترامب الرئيس الأميركي يواصل القول إنه يريد إعادة القوات إلى الوطن، قد أرعبت قادة (قسد). إذ ليس لديهم سلاح جوي، ولا مدرعات، ولا اقتصاد قابل للحياة، ولا أصدقاء أقوياء باستثناء الولايات المتحدة. وإن تركوا لوحدهم؛ فلن يستطيعوا صدّ الأسد أو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ومع ذلك، فإنهم يفضلون الأسد. زار كبار ممثلي قوات سورية الديمقراطية مؤخرًا دمشق، لاقتراح نظام حكم لامركزي في سورية، وإدماج وحدات (قسد) في الجيش السوري، ووضع حدٍّ للتمييز ضد الأكراد من قبل الحكومة. الأسد لن يقبل بمشاركه حقيقية في السلطة، لكنه قد يكون مستعدًا لإرضاء بعض مطالب (قسد) الأقل سطوةً ويهمّش الآخرين، بينما يوفر الحماية ضد تركيا. في المقابل، سيتوجب على (قسد) أن تظهر لأميركا رغبتها بالانسحاب، وتسلم الأسد السلطة/ المفاتيح.
قد يبدو هذا النوع من تطور المؤامرة مناسبًا تمامًا لرغبة ترامب في مغادرة سورية، ولكن صناع السياسة الأميركيين أيضًا قلقون من عودة الجهاديين، وغير متحمسين للإذلال العلني على يد دمشق. ما لم أو حتى يقول ترامب بخلاف ذلك، من المرجح أن يبقي شيء من الدمج بين العطالة والأيديولوجية الولايات المتحدة متورطة في شمال شرق سورية، مما يجعلها بعيدة عن الأسد.
في هذه الأثناء، تهيمن تركيا على شمال غرب سورية، كجزء من عملية أستانا الروسية التركية الإيرانية المشتركة التي تسعى إلى حل أو تجميد الصراع وفق شروط مناسبة لتلك الدول الثلاث. لكن تركيا لا تستطيع العمل بأمان في الشمال الغربي من دون تعاون روسي.
في صيف عام 2016، أرسل أردوغان جيشه إلى مدينة الباب، من ضواحي حلب، داعمًا تحالف (المتمردين) السوريين. بعد ذلك بعامين، استولت القوات التركية على عفرين الكردية المجاورة. سهلّت موسكو كلا التدخلين، مما سمح لأردوغان بإقامة جيب حدودي طالما لم يهاجم زبائنه المتمردين الحكومة السورية. إنها صفقة جيدة بالنسبة إلى روسيا، لأنها تجعل عضوًا أساسًا في حلف الناتو يعتمد على موسكو.
يبدو الأسد أقل حماسًا، بعد أن شاهد بفزع الباب وعفرين تنتقل إلى وكالات تركية: الكهرباء موصولة الآن عبر الحدود، واللغة التركية تُدَرس في المدارس، وتدفع أنقرة رواتب (المتمردين)، ويشرف الأتراك على الشرطة والإدارة المحلية، والساحات العامة. سُميت باسم أردوغان بدلًا من الأسد.
جنوب عفرين في إدلب، آخر محافظة متبقية في سورية خارج سيطرة النظام، أصبح النفوذ التركي أكثر ضعفًا. ما يزال أردوغان يحاول تغيير ذلك، لكن إدلب عصية على الإخضاع. المنطقة أكبر من عفرين والباب معًا، وقد استوعبت مئات الآلاف من المهجرين السوريين، وكثير منهم خرجوا بموجب ما يسمى صفقات الإخلاء التي نقلت السكان من المناطق المحاصرة بالقرب من دمشق وحلب وغيرها من معاقل (المتمردين) السابقين. ويحذر مسؤولو الأمم المتحدة من أن أي هجوم قد يؤدي إلى تهجير جماعي. ومع ذلك، فإن وجود الجهاديين ذوي العلاقة مع القاعدة في إدلب يُعدُّ غير مقبول، ولو كان بعيدًا عن المعسكر الموالي للأسد.
بين تشرين الأول/ أكتوبر وأيار/ مايو، قام نحو 1300 جندي تركي ببناء عشرات نقاط المراقبة على أطراف المحافظة، بعد أن أعطت روسيا وإيران الضوء الأخضر لخطة دُبرّت في آستانا لتجميد القتال بين (المتمردين) والنظام، في الوقت الذي تحاول فيه أنقرة أن تكون مسؤولة عن إسلاميين معتدلين أصدقاء لتركيا. بالنسبة إلى أردوغان، الحفاظ على إدلب هادئة هو لمنع أزمة لاجئين. تستضيف تركيا بالفعل 3,5 مليون سوري. خوفًا من أن الأسد على وشك أن يتحرك باتجاه الشمال، يشير المسؤولون الأتراك الآن إلى موسكو بأن الهجوم على إدلب سيتجاوز “الخط الأحمر”، وينتهك شروط اتفاق آستانا.
تريد موسكو أن يرحل الجهاديون عن إدلب، خاصة بعد سلسلة من هجمات الطائرات من دون طيار على القاعدة الجوية الروسية المجاورة، جنوب اللاذقية. لكن لدى الروس أيضًا حوافز قوية لدعم الوضع الراهن الذي نتج عن التفاهمات في آستانا. ويعرفون أن الأسد يستطيع البقاء من دون إدلب أو عفرين أو الباب، ولا يرى الدبلوماسيون الروس أي سبب ملح لإنهاء المأزق حيث يتنافس الطرفان لكسب ودّ موسكو. ألكسندر لافرينتيف، المبعوث الروسي الخاص لسورية، قال في 31 تموز/ يوليو: إن هجومًا واسع النطاق على إدلب سيكون “غير وارد”، مناقضًا نظيره السوري.
هذه التفاهمات التركية الروسية تضع الأسد في موقف صعب. وسيجد جيشه صعوبة في استعادة إدلب من دون دعم روسي، وإجبار الكرملين على الانحياز لطرف لن يكون بالضرورة لصالحه.
ومع ذلك، ربما تريد روسيا أن ترمي عظمةً للأسد، وهناك الكثير من المناطق الرمادية بين الاستعادة الكاملة وعدم القيام بأي شيء. يمكن لروسيا أن تدعم هجومًا كبيرًا على المناطق النائية مثل مدينة جسر الشغور، ذات الموقع الاستراتيجي، جنوب الحدود التركية، أو غيرها بالقرب من حلب. شريطة أن تبقى التداعيات قابلة للإدارة، فقد يكون هذا النوع من الهجوم المحدود مقبولًا لتركيا، كما قد تكشف الأيام المقبلة.
مع تقدّم الدبابات السورية نحو الشمال وتزايد التوتر، يتوجه سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي إلى أنقرة هذا الأسبوع. ما سيتوصل إليه في الاتفاق مع نظيره التركي سيساعد في تحديد العديد من هذه النتائج في سورية. قد يتم تسليم بعض أجزاء إدلب إلى الأسد، ولكن إذا قرّرت روسيا عندئذ أن تميل لصالح تركيا، فإن أجزاءً كبيرة من شمال غرب سورية قد تكون بعيدة عن متناول الأسد في المستقبل المنظور.
لن يكون هناك نهاية نظيفة للحرب، لكن هل تحتاج موسكو فعلًا إلى ذلك؟ من مولدوفا إلى أوسيتيا الجنوبية وشرقي أوكرانيا، يميل الكرملين عادةً إلى استغلال الأوضاع الفوضوية لصالحها. وكما رأينا في قبرص، فإن تركيا ليست غريبة عن مفهوم الحلول المؤقتة التي لا نهاية لها.
بعد سبع سنوات، لم تعد الحرب السورية صراعًا على نظام الأسد ومستقبله، ولكن على شكل البلاد التي سيواصل حكمها. إن مصير المناطق التي ما تزال بعيدة عن سيطرته أصبح الآن بين أيدي الأجانب.
اسم المقالة الأصلي | The Shape of Syria to Come |
الكاتب | آرون لوند، Aron Lund |
مكان النشر وتاريخه | مجلة السياسات العالمية، WORLD POLITICS REVIEW، 13/8 |
رابط المقالة | https://www.worldpoliticsreview.com/articles/25498/the-shape-of-syria-to-come |
عدد الكلمات | 1238 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب |