الصورة: وكالة فرانس برس (صور جيتي – دليل سليمان).
هناك العديد من الإشارات الواضحة إلى أن الأزمة في سورية تنتقل إلى مرحلة جديدة، من شأنها أن تدفع واشنطن أكثر إلى الهامش. ليس أقلها التطورات الجديدة للوضع المتسارع في شمال شرق سورية، حيث حلفاء واشنطن الكرد، رويدًا رويدًا، يتصالحون بكل تأكيد مع تظام الأسد.
تمتد المنطقة المعنية على طول الحدود مع تركيا، الممتدة من منبج في الغرب لتشمل مدن القامشلي والرقة إلى الحدود العراقية. حيث تبلغ ربع مساحة سورية، وهي غنية بالزراعة والنفط. فمنذ انسحاب القوات الحكومية السورية من المنطقة، في الأشهر الأولى من الحرب، خضعت المنطقة لسيطرة (مجلس سورية الديمقراطية/ SDC)، الجناح السياسي لـ (قوات سورية الديمقراطية/ QSD) التي تدعمها الولايات المتحدة.
تعد المنطقة آخر معقل مهم للقوات الأميركية أو لوكلائها في سورية. فالمنطقة تستضيف انتشارًا للجنود وبنية تحتية لاستقبال الآلاف من الجنود والوكلاء الأميركيين، ومهمتهم في هزيمة أو إبادة تنظيم (داعش)، جنبًا إلى جنب مع قوات سورية الديمقراطية، قد قاربت على النهاية. إلا أن الهزيمة الناجحة لـ (داعش) ما زالت تثير سؤالًا مقلقًا، لم تُجب عليه إدارة ترامب بعد: ماذا بعد؟
لقد حقق تحالف واشنطن مع الكرد نجاحًا، وحقق هدفه الرئيس في هزيمة (داعش). إلا أن الصراع ليس كما كان أثناء الحملة ضد (داعش)، مع سيطرتها على منطقة تزيد على حوالي 400 ميل مربع، هناك الدعاية الروسية وكذلك النظام “الحكومة” في اعادة السيطرة المركزية للنظام على جميع الأراضي والحدود السورية.
يبدو أن إدارة ترامب توافق على نجاح استراتيجية خصومها، آخره في جنوب سورية. هناك كان ملاحظًا تمامًا هزيمة المعارضة مع دمج بعض القوات التي كانت تدعمها الولايات المتحدة سابقًا في الجيش السوري، وهو خيار تم بحثه خلال المحادثات بين النظام ووحدات حماية الشعب (YPG)، الميليشيا الكردية التي تهيمن على قوات سورية الديمقراطية (QSD).
كما أن إسرائيل، الأردن، لبنان والعراق تقوم بعقد السلام مع دمشق، حيث تجري كل الترتيبات بدعم روسي غير مسبوق، لدعم إعادة ضبط الحدود والتجارة التي عطلتها الحرب.
حققت الولايات المتحدة نجاحًا أقل من اللاعبين الآخرين، في تكييف سياستها مع هذه البيئة الجديدة. يبدو أن واشنطن عالقة في حلقة مفرغة في تسليطها المستمر على حملتها ضد (داعش)، وهو أقل أهمية حاليًا، وعلى جدول أعمال دبلوماسي يعتمد على مقررات محادثات جنييف. وإن تجميد البيت الأبيض المساعدات لتحقيق الاستقرار أو إعادة إعمار في الشمال الشرقي، الذي تم إعادة النظر فيه، قد قوض من مزاعم واشنطن بأن الاراضي المحررة من (داعش) ستكون نموذجًا للفاعلية والديمقراطية وإعادة الإعمار.
في المقابل، يتسابق الخصوم والأصدقاء على حد سواء إلى تحقيق أهداف سياسية، بناءً على انتصار النظام العسكري والاستمرار في السلطة، وإذا ما أثمرت المحادثات بين دمشق و(قوات سورية الديمقراطية)؛ فإنها سوف تسحب البساط عما تبقى من سياسة واشنطن تجاه سورية.
يخوض البنتاغون معركة شاقة ليظل منخرطًا في هذه البيئة الجديدة؛ ما يشير إلى مجموعة دائمة التغيير من الترتيبات الأمنية لمرحلة ما بعد (داعش) التي تهدف إلى إحباط الجهد الروسي – السوري، في استعادة السيطرة على كامل البلاد.
غير أن الرئيس ترامب الذي من الواضح أنه يفضل خفض الخسائر الأميركية، من خلال تجميد مساعدات الاستقرار عن حلفائها السابقين، والإذعان لكل من روسيا والنظام من أجل الإسراع في عودة اللاجئين.
من دون برنامج عمل إيجابي، يمكن أن تقوم واشنطن بما هو أسوأ من مجرد الخروج، عن طريق السماح للكرد بالتصالح مع دمشق. فإذا لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لتسهيل إعادة الإعمار في سورية بعد الحرب -تشير الدلائل إلى حقيقة أنها ليست كذلك- فإن بإمكانها اتباع المقولة التي تقول “لا تتسبب بأي ضرر”، وينتهي الأمر بعقوبات تمنع الانتعاش الاقتصادي الذي كانت هناك حاجة ماسة إليه في مرحلة ما بعد الحرب.
في هذه البيئة، يبدو أن جهود البنتاغون الرامية إلى تدعيم مكاسب الحرب، من خلال إنشاء شرطة محلية وقوة حدودية تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، تتناقض مع نتائج جدول الأعمال الذي يمكن أن يحدث عن تقارب الكرد مع نظام الاسد. هذا الاتفاق، على الرغم من عدم سهولته وعدم اكتماله بعد، هو الخيار الوحيد المتاح لكل من النظام والكرد، ولكنه سوف يترك الأميركان معزولين تكتيكيًّا واستراتجيًا من دون حلفاء أو وكلاء يمكن الوثوق بهم.
لقد بدأت بالفعل عودة الأمن السري السوري إلى الشمال الشرقي. الموظفون الحكوميون عادوا لعملهم في سد الطبقة، وإعلام (وحدات حماية الشعب) (YPG) وصور عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني PKK المجموعة الكردية في تركيا، قد اختفت من الشوارع. وقد عرض الكرد أنهم مستعدون للقتال -على ما يبدو بالأسلحة التي قدمتها واشنطن لهم لمحاربة داعش- إلى جانب الجيش السوري ضد الأتراك وحلفائهم السوريين الذين كانت تدعمهم واشنطن في وقت سابق، لإجبار أنقرة على الانسحاب من عفرين التي تحتلها تركيا. ومن دون الكرد، يقتصر حلفاء واشنطن على مجموعات من السنة المحليين والمعزوليين حول الرقة، وهم مطرودون من قوات قبلية تسعى لإعادة الارتباط مع دمشق.
لقد قرأت واشنطن أوارق الشاي. وقد فشلت الحملة العسكرية لإسقاط الأسد، ولا يمكن للمعارضة أن تتوقع الانتصار على مائدة المفاوضات، بما فقدته في ساحة المعركة. تشير التقارير الواردة من موسكو والمنطقة إلى مشاركة الولايات المتحدة مع روسيا، إن لم يكن تفاهمًا، بشأن قضية إعادة اللاجئين ومرونة أميركا في المحادثات حول إصلاحات دستورية.
بعد كل قرار أميركي حول سورية -بدءا من مطالبتها غير المدروسة “بأن على الأسد أن يرحل” إلى إعلانات لا أساس لها عن الفشل الوشيك لتدخل روسيا- فإن تقليص طموحات الولايات المتحدة هو الأفضل للجميع.
غير أن من الصعب كسر العادات القديمة. دعم الحزبيين للوجود العسكري المستمر في البلاد من أجل مواجهة النظام وحلفائه يستمر في تنشيط الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. هذه الآراء ما تزال قوية عندما يتم فصلها عن اي استراتيجية موثوق بها.
إن التحدي الذي تواجهه واشنطن هو أن تفهم أن كل الوسائل والأهداف السياسية يجب أن تفسر فشل سياسة الولايات المتحدة، في مرحلة بعد هزيمة (داعش)، وان تخطط للمستقبل ولكن من دون أن تكون مثقلة بإخفاقات الماضي.
العنوان الاصلي للمادة | The US needs to rethink its Syria strategy |
الكاتب | Geoffrey Aronson |
المصدر | معهد الشرق الأوسط |
الرابط | http://www.mei.edu/content/article/us-needs-rethink-its-syria-strategy |
المترجم | وحدة الترجمة والتعريب في مركز حرمون |