يتهم بعض السوريين المعارضين حزبَ الشعب الديمقراطي (الحزب الشيوعي – المكتب السياسي سابقًا) بأنه ذو ميل إسلامي، مستندين في اتهامهم إلى مسألتين: الأولى تتعلق ببيان أصدره الحزب في ثمانينيات القرن الماضي، دعم فيه موقف الإخوان المسلمين من السلطة، وتم إخفاء هذا البيان عن الأعضاء العلويين في الحزب، الأمر الذي دفع أعضاء في الحزب في منطقة السلمية والساحل إلى تقديم استقالاتهم منه، بعد إصرار زعيم الحزب رياض الترك على موقفه، ويضيف البعض أن “ابن العم” رياض الترك ضغط على التجمع الديمقراطي لمنع إصدار بيان يدين الإخوان المسلمين، لاعتباره أن “انتفاضة” الإخوان هي ثورة اجتماعية ضد السلطة المستبدة.
المسألة الثانية: تتعلق بتحالف سياسي عقده حزب الشعب مع الإخوان المسلمين، بعد انطلاق الثورة السورية، من خلال تأسيسهم المشترك للمجلس الوطني السوري، ومن ثم المشاركة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة. ويتضمن الاتهام أن الشخصيات المنتمية إلى حزب الشعب لعبت دورًا تابعًا للإخوان المسلمين في المجلس الوطني.
في الحقيقة، إن ما يبدو جنوحًا إلى اليمين، أو تقاربًا مع الإسلام السياسي، ليس سوى موقف براغماتي أتى تعبيرًا عن رؤية واقعية للتكوين السوري الذي يُشكّل فيه المسلمون السنّة ما يقرب من ستين في المئة من مجموع السوريين، إذا استثنينا منهم الأكراد السوريين الذين يُشكّلون عشرة بالمئة من هذا المجموع. ورؤية رياض الترك، كما الحزب، مفادها أن الحزب ينهض على الكتلة الأكبر من الشعب، أي على المسلمين السنّة، وهذه رؤية سياسية عملية بحتة، شاركهم فيها لاحقًا المفكر صادق جلال العظم. وهي على خلاف ما يشعر به ويعتقده سوريون من غير السنة. ومن الطبيعي أن يعتمد أي حزب (حتى حزب البعث، أو الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني) على الكتلة الأكبر من الشعب في وصوله إلى السلطة، من دون أن يكون ذلك مُعلنًا على طريقتنا العربية الفجة على أنه اعتماد على كتلة مذهبية، أو طائفية.
وما يبدو أنه طائفي في هذا الموقف من الكتلة الأكبر هو في حقيقته سياسي بحت، لا يُدرك هذه الحقيقة إلا من تخلى عن حساسيته الأقلوية. وهذا ما يقوله المتعاطفون مع موقف الترك.
لا يُنكر البعض تفهمهم للحساسية الأقلوية، فيعتبرونها حساسية طبيعية لمن كان منحدرًا من أقلية، فموقف كل إنسان لا ينفصل عن موقعه، وموقع أي أقلية داخل الأكثرية يختلط دائمًا بالخوف والتوتر والهواجس، على خلاف موقع الأكثرية الذي ينضح بالثقة والطمأنينة، أو عدم المبالاة. ويصح الأمر بالنسبة إلى الطوائف، كما إلى سائر أنواع الأقليات الأخرى، سواء أكانت اجتماعية أم سياسية.
ويمكن فهم عودة منشورات موقع حزب الشعب إلى الإسلام، واستخدام آيات مقدسة، وأحاديث نبوية، من شخصية الترك البراغماتية في المجال السياسي، وخلفيته الفكرية، متأثرًا بفكرة (عربنة الماركسية)، أو (تعريبها)، التي دعا إليها كل من المفكرين الثوريين، إلياس مرقص، وياسين الحافظ.
وبالطبع، فإن (تعريب)، أو (عربنة) هما كلمتان تُشيران إلى المجال الثقافي والثقافة العربية، ولا تنفصلان أبدًا عن الإسلام. وإذا حلّلنا معنى الثقافة، فسنجدها في اللغة أولًا، ولغة العرب بعد القرآن هي روح القرآن. وهذا ما يمكن قوله عن الثقافة العربية أيضًا، بأنها ثقافة الإسلام، أو الفضاء الإسلامي، بعيدًا عن النصوص الدينية، أو التشريعية. فما جاء بعد القرآن والعهود الأولى من الإسلام بُني كله على هذا الكتاب. كذلك تفكير ونفسية العربي، حيث لا يختلف المسيحي العربي عن المسلم العربي كثيرًا في هذا الأمر، طالما أنهما يحملان قيمًا مشتركة، وينطقان لغة واحدة. وكل لغة تحمل رموزًا ودلالات نابعة من الاعتقادات والعادات، ونابعة من الوضعية البيئية لحظة الانتهاء من تكوّن اللغة كصيغة ثابتة مقدسة.
الأقليات الإسلامية، كمجموعات سياسية وفكرية منشقة عن إسلام الدولة، الذي هو ذاته إسلام المجتمع العربي، لديها تفضيلات مختلفة، على الرغم من أنها تشترك في الأولويات مع إسلام الدولة.
إن تعريب الماركسية، أو (عربنتها)، أو (وقعنتها)، لتلائم الأوضاع العربية، أو الوضع السوري، أمرٌ مُبرّر من ناحية الأصالة الوجودية التي تقتضي منا، كي نكون حاضرين في صميم المجتمع وعقله، وفاعلين فيه، أن ننطلق من عقل المجتمع وفكره، فنرى الأمور بمنظار (الحاضر هنا)، في دمشق وبغداد والقاهرة، وليس بمنظار (الحاضر هناك) في موسكو أو بكين أو باريس. ولا بدّ لي، كي أكون منسجمًا مع ذاتي، ذات المجتمع، أن أفكر بطريقتي، ومن خلال ثقافتي التي يُفترض أن يكون منبعها ثقافة المجتمع، وليس الثقافة الروسية، أو الفرنسية، أو الصينية، وهو شرط الواقعية والمصداقية في التفكير والعمل الفكري السياسي الاجتماعي. وهو أمرٌ مبرر من ناحية الفاعلية السياسية، أيضًا، فلكي تكون فاعلًا يجب أن تملك وسائل اتصال فاعلة، ومنطق اتصال سليم يفهم البيئة التي تعمل فيها. والبيئة العربية، على العموم، وفي أغلبيتها، متدينة أو محافظة، لكن في كل الحالات يُفضّل الاستشهاد بالفكرة، أو النص الديني، دون الاستغراق فيهما: أستخدم النص، ولا أسمح له أن يستخدمني.
للأسف، في الحرب السورية درجت منابر إعلامية، تُمثّل جهات مختلفة محسوبة على الثورة، على إهانة مجموعات، أو مناطق سورية، لخلفيات غير سياسية، فمن غير المنطقي، أو اللائق، أن يستخدم حزب، أو تيار يساري، أو قومي، أو إسلامي، أو ماركسي، الدينَ، أو أن يستخدم النص الديني من أجل إهانة، أو مهاجمة طوائف غير إسلامية، أو سنّية، أو طوائف من أديان أخرى. مثلما استخدمت تلك المنابر الإعلامية النص الديني، للحصول على رضى غالبية المجتمع، أي السنّة، وهو ما يعتبره البعض نفاقًا، وهو توظيف يُذكّر بسلوك فقهاء السلطة، ووعاظ الزعيم القائد الذين يستخدمون النص الديني لقهر الشعب المؤمن، وتأبيد خضوعه للسلطة دون معوقات، أو متاعب.
ما فعلته وتفعله تلك الجهات المحسوبة على الثورة يورث مزيدًا من المشكلات الاجتماعية، ولا يُؤسس لحل الصراع، وبالطبع لا يحقق العدالة، وهو على الضد من فكرتي الحرية والكرامة اللتين انطلقت لأجلهما الثورات العربية، والثورة السورية على الأخص.
إنطلقت الثورة السورية من أجل حرية وكرامة كل مواطن سوري بغض النظر عن حزبه أو دينه أو مذهبه. النظام السوري الظالم المجرم إستخدم الأقليات للحفاظ على كرسي الحكم ولو أدا ذلك إلى حرق وتدمير سوريا وتشريد سكانها…
تحياتي أخي فراس
أنا من يكتب افتتاحيات موقع حزب الشعب، وأنا من ضمّن بعضها نصوصًا دينية، والآيات كلها مقدسة فلا داعي لأن تصفها في مقالتك بالمقدسة وكأن منها ما هو مقدس وما هو غير ذلك ” هذه ملاحظة عابرة لكي لا يعيب كتابتك صفة التطويل غير المفيد، أو ما يسمى فضول الكلام.
على كل حال ليس هذا موضوعنا، موضوعنا هو ربط وجود نصوص دينية التي استخدمتها في بعض عناوين الافتتاحيات وبين شخصية الترك وموقفه، وهذا ربط غير صحيح لسببين:
الأول: أن الافتتاحيات التي حملت عناوين كهذه تتضمن موقفًا ناقدًا بشدة للإسلام السياسي بشكل عام والإسلام الجهادي بشكل خاص، ولك أن تعود إلى نصوص الافتتاحيات التي حملت هذه العناوين وإلى غيرها لكي يتضح لك موقفي.
ولهذا فهي لم تكن مجاملة للأكثرية كما تفترض بل على العكس لقد اتهمني البعض بسبب مضمون هذه الافتتاحيات بمخالفة خط الحزب وهو أيضًا اتهام غير صحيح.
الثاني: أن رياض الترك لم يتدخل ولا مرة واحدة في ما أكتب، ولم يحاول أبدًا أن يملي علي رأيًا، وترك لي هو والرفاق في القيادة مطلق الحرية في التعبير عن رأيي بما لا يخرج عن إطار عام تمثل ملامحه الأساسية الابتعاد عن الطائفية وغيرها من البنى قبل الوطنية والالتزام بمفاهيم الديمقراطية و التعددية، وهو كما ترى إطار رحب الآفاق.
وبالمناسبة: أنا لم أجتمع برياض الترك في حياتي ولا حتى عبر السكايب.
أما البيان الذي تقول إنه أخفي عن الرفاق من الطائفة العلوية فلا أدري كيف يمكن سوق هذا الاتهام الخطير بدون دليل، وخصوصًا أن معاصرين للمرحلة ينكرون هذا بشكل مطلق، وهو بيان يدين مجزرة المدفعية أخلاقيًا وإنسانيًا ويحمل من جهة أخرى نظام الاستبداد مسؤولية إثارة النعرات الطائفية.
وما تقوله عن علاقة توجه الترك بتعريب الماركسية فهذا قد يكون ذا نصيب من الصحة، ولكنه ليس موقفي فطالما عبرت عن احترامي لهذه الفكرة الريادية من جهة، وعن اعتقادي بقصورها من جهة أخرى، ولك أن تعود إلى مقالة لي في جيرون بعنوان: ماركس ارحل.
أنا لا أجامل الإسلاميين ولا الأكثرية السنية، وربطك بين بعض عناوين الافتتاحيات وبين موقف الترك يطلق عليه في المنطق وصف اللزوم غير المنطقي أو اللزوم المنفك.
وأخيرًا: أود أن أسألك سؤالًا بغرض ضبط العنوان في مقالتك وجعله أكثر علمية:
هل يصح علميًا وصف الأكثرية السنية أو الإسلام السياسي بأنهما طبقة؟