اقتصادسلايدر

روسيا.. عين على قطف ثمار تدخلها في سورية من باب إعادة الإعمار

(راند) الأميركية قدرت التكلفة بـ250 مليار دولار.. والصين تسعى إلى (B.O.T)

اكتسبت روسيا خبرة طويلة في المراوغة والمفاوضات عبر التاريخ، لما خاضته من حروب داخلية وإقليمية ودولية، مكّنتها من الظفر بملكة توظيف أوراق ضغط حساسة تتعلق بالسياسات العليا للخصم، في سبيل تحقيق ما ترنو إليه.

وعكست روسيا براعتها في هذا الإطار، من خلال توظيف الورقة الكردية ضد تركيا، لإرغامها على الرضوخ للمشاركة في عملية التسوية التي تبغي، والتي جاءت على شكل هيكلة للدول الفاعلة ضمن محادثات تتجاوز التعقيدات الدولية والإقليمية، وتضمن تجميد قوة المعارضة السورية السياسية والعسكرية على حدٍ سواء. ولا يساور أحد الشك أنها حصلت على مبتغاها بناءً على المعادلة أعلاه، عبر ما يُسمى بمحادثات (أستانا).

وبالتزامن مع انتهاء قمة هسلنكي التي عُقدت بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الأمريكي، دونالد ترامب، أخذت وسائل الإعلام الحديث عن وجود توجه روسي مُكثف لحل ورقة اللاجئين بالتعاون مع الدول الفاعلة وذات العلاقة. وهو الأمر الذي أثار تساؤلًا فحواه؛ كيف ستُقنع روسيا المجتمع الدولي بدفع فاتورة إعادة إعمار سورية؟

حسب ما يبدو، فإن روسيا، منذ تدخلها المباشر في سورية، تحاول الركون إلى أوراق ضغط عدة على المجتمع الدولي، لا سيما الدول ذات العلاقة، من أجل (شرعنة) تدخلها، واعتبارها الدولة الأكثر قدرةً على تولي إدارة الملف اليوم، وعلى صعيد استراتيجي.

بدايةً، اعتمدت روسيا على ورقة (محاربة الإرهاب) في سورية، مبيّنةً، على نحوٍ ضمني، أن تدخلها يأتي في إطار موافقة هدف المجتمع الدولي القائم على محاربة الإرهاب، وبالأخص تنظيم (داعش). وحاولت إثبات ذلك من خلال دحر عناصر التنظيم من مناطق عدو، كالمناطق الشرقية لسورية. وتحت إطار هذه الورقة، تمكّنت من شرعنة تدخلها، وتحقيق سيطرة واسعة في سورية.

وبعد انتهاء صلاحية الورقة الأولى، أخذت تطرح ذاتها كـ(دولة ضامنة) لجميع الأطراف في سورية، مستندةً إلى ورقة التعاون مع الولايات المتحدة، من أجل تحجيم النفوذ الإيراني داخل سورية. وظهرت جوانب هذا التعاون في ضمان اتفاق الجنوب الذي سمح لقوات النظام بدخول درعا والقنيطرة، و(حظر) دخول القوات الإيرانية لمسافة 85 كيلومترًا. كما بدت جوانب هذا التعاون من خلال غض الطرف عن الاستهداف (الإسرائيلي) المتكرر لأرتال حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى التابعة لإيران.

ربما دُفعت روسيا للتعاون مع الولايات المتحدة في هذا الصدد، من أجل التخلص فعلًا من السيطرة الميدانية العالية لإيران، والتي قد تُعيق الرؤية الروسية للحل في أي مرحلةٍ من المراحل على صعيد استراتيجي. لكن يبدو أن الهدف الروسي في فتح الباب الحديث عن عملية إعادة الإعمار التي بلغت كلفتها، وفقًا لتقديرات ورقة (خطة السلام من أجل سورية 4) الصادرة عن مؤسسة راند الأميركية، 250 مليار دولار. ذلك المبلغ الهائل الذي لا يمكن إطلاقًا لروسيا تحمله، دفعها نحو استجداء التعاون مع الولايات المتحدة التي تعني صندوق النقد، والبنك الدوليين، وتعني الأموال الخليجية التي يمكن أن تصب في سبيل تحجيم النفوذ الإيراني.

وأخيرًا، بدأت روسيا تلوّح بورقة إعادة اللاجئين إلى أراضيهم، لتستجدي تعاونًا دوليًا أكبر لا يقتصر على الولايات المتحدة، بل كافة الدول ذات العلاقة بالقضية، كدول الاتحاد الأوروبي، ولبنان، وتركيا، والأردن. وتكتسب دول الاتحاد الأوروبي أهمية أكبر بالنسبة لروسيا، ربما لإدراكها، أي روسيا، حجم تكاليف أزمة اللاجئين عليها منذ بدء الأزمة السورية، وعلمها بالتوجه الليبرالي التنموي للاتحاد الأوروبي؛ ذلك التوجه الذي يعمل على تنمية المناطق المنكوبة، وتأسيس تكتلات اقتصادية لتحقيق السلم السياسي والاقتصادي والأمني الخارج للسطح بحفظ للمصادر وتبادل للفائدة التنموية التي تُظهر للسطح (اقتصاد السلام الدائم)، مما يجعل عند روسيا شعور بإمكانية مساهمة الاتحاد الأوروبي في عملية إعادة الإعمار.

أيضًا، لجذب دول العالم الأخرى، كالصين ودول (البريكس)، للمشاركة في عملية إعادة الإعمار، قد تدفع روسيا بالنظام نحو عرض مميزات اقتصادية مُجدية للدول التي تُساهم في عملية إعادة الإعمار، وفقًا لنظام اقتصادي يُعرف باسم (B.O.T)، ويعني بناء وتشغيل، ومن ثم تسليم. وهنا لا تتحمل الدولة المُستقطبة للاستثمار أي تكاليف، وإنما تتكلف الدولة المُساهمة بها مقابل الاستفادة من تشغيلها لفترة من الزمن.

في المحصلة؛ برعت روسيا في التوجه نحو إتمام معادلة للتحكم بالقضية السورية على نحوٍ شبه كامل يدعم توجهه نحو (حلٍ صفريٍ) يضمن تسوية الأزمة على النحو الذي تصبو. ولإتمام ذلك كان لا بد من أوراق ضغط على الدول الفاعلة، ويبدو أنها أجادت استخدام هذه الأوراق.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق