الصورة: متظاهر سوري يحمل علم المعارضة، بينما كان يحتج ضد النظام وحليفته روسيا، في بلدة معرة النعمان التي يسيطر عليها المتمردون في شمال محافظة إدلب، يوم الجمعة. (زين الرفاعي/ وكالة الصحافة الفرنسية -صور غيتي).
النظام السوري مصمم على إعادة احتلال كل الأراضي التي خسرها. بمساعدة من القاذفات الروسية والقوات الإيرانية، وبمعنويات عالية بعد نجاحها في ترويع سكان الغوطة ودرعا وإجبارهم على الخضوع، تستعد حكومة بشار الأسد الآن لمهاجمة إدلب، وهي آخر محافظة متبقية خارج سيطرته. إدلب موطن لحوالي ثلاثة ملايين شخص، نصفهم تقريبًا من النازحين، أو تم تهجيرهم قسرًا إلى المحافظة من أماكن أخرى. الكثير منهم محشورون في مخيمات غير صحية أو ينامون في العراء.
في الأيام الأخيرة، تجمّعت قوات النظام على حدود إدلب، وأُسقطت منشورات على مناطق سكنية تدعو السوريين إلى قبول “المصالحة” أو مواجهة العواقب. في هذه الأثناء، أرسلت روسيا تعزيزات إلى قاعدتها البحرية في طرطوس.
حددت الترويكا السورية (روسيا وإيران وتركيا) إدلب “منطقة خفض التصعيد” العام الماضي. ولكن ما سيحدث بعد ذلك قد يؤدي إلى تقويض اتفاق المنفعة المتبادلة بين الدول الثلاث.
يخدم خفض التصعيد في إدلب مصالح تركيا بشكل حقيقي: فهو يبقي كلًا من الأكراد السوريين ونظام الأسد بعيدين عن الحدود، ويحافظ على صلة تركيا بالتسوية طويلة الأجل، وتضم السوريين الذين كانوا سيحاولون، لولا ذلك، الانضمام إلى الثلاثة ملايين ونصف لاجئ الموجودين حاليًا في تركيا. لقد أظهرت تركيا التزامها من خلال إقامة مراكز مراقبة في كل المحافظة وإنشاء الجبهة الوطنية للتحرير، وهي مزيج من الجيش الحر والميليشيات الإسلامية التي تتبع الأوامر التركية. ومن ناحية أخرى، تنظر روسيا وإيران إلى مناطق خفض التصعيد على أنها تكتيكية ومؤقتة. ومثلما تم التخلي عن درعا والغوطة، فإنهم (يأملون) أن تُعاد إدلب إلى سيطرة الأسد.
النظام السوري وحلفاؤه يبررون هجومهم المقبل على إدلب، بالقول إنهم يريدون استئصال الجهاديين. هيئة تحرير الشام، التي تقودها جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، تسيطر على نحو 60 في المئة من المحافظة، ويقدر عدد مقاتليها بنحو عشرة آلاف مقاتل، بحسب ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية. إن الوصف المتكرر لإدلب “كمرتع لتنظيمات إرهابية” يدعم سردية النظام بأن كل معارضة لحكمه تتكون من مجموعات إرهابية. كما يعفي المجتمع الدولي من أي مسؤولية لحماية المدنيين.
لكن هذا التوصيف للمحافظة غير دقيق. كان أهل إدلب في طليعة النضال ضد هيئة تحرير الشام (هتش). منذ تحرير إدلب من النظام (جزئيًا منذ عام 2012 وبعده تمامًا عام 2015) عمل العديد من مواطنيها على بناء مجتمع حرٍ يعكس قيم الثورة. وفقًا للباحثين، تم إنشاء أكثر من 150 مجلسًا محليًا لإدارة الخدمات الأساسية في المحافظة، وأقام الكثيرون أول انتخابات حرّة منذ عقود. لقد شهد المجتمع المدني المكبوت منذ فترة طويلة انبعاثًا جديدًا، وتمّ إنشاء وسائل إعلام مستقلة، مثل راديو فريش Fresh الشعبي، لتحدي احتكار النظام للمعلومات، ونمت المراكز النسائية التي تمكّن المرأة من المشاركة في السياسة والاقتصاد.
لقد هددت (هتش) هذه الإنجازات التي تحققت بشق الأنفس. حاولت الجماعة دمج نفسها داخل السكان المحليين. منذ سقوط حلب عام 2016، كثفت محاولاتها لفرض أيديولوجيتها، من خلال الاستيلاء على المؤسسات المحلية وإنشاء المحاكم الشرعية. لقد كانت قاسيةً مع خصومها المتخيلين. في كانون الأول/ ديسمبر، اعتقلت أربعة ناشطين من مضايا بارزين هُجروا إلى إدلب، بتهمة “العمل الإعلامي ضد هيئة تحرير الشام”، وكان رائد فارس، أحد مؤسسي راديو (فريش)، قد نجا من محاولة اغتيال، وكذلك غالية رحال، التي أسست منظمة مزايا Mazaya، التي تدير ثمانية مراكز نسائية. أسفر القتال بين (هتش) ومجموعات متمردة أخرى عن مقتل العديد من المدنيين، كما تركت موجة الاغتيالات وعمليات الخطف للحصول على فدية السكان المحليين خائفين وغاضبين.
لم يخاطر السوريون بحياتهم ويثوروا ضد ديكتاتورية الأسد ليستبدلوها بأخرى. أصدرت العديد من المجالس المحلية بيانات رفضت فيها سلطة (هتش) على الحكم المحلي، أو أعلنت حيادها في القتال بين الجماعات المتمردة. والمئات من الناشطين المحليين قاموا بتنسيق المعارضة لسيطرة (هتش)، ودعوا إلى نزع العسكرة عن مجتمعاتهم من خلال الحملات الإعلامية والتظاهرات العامة. بشجاعة، استبدلوا العلم الجهادي الأسود بعلم الثورة. في نيسان/ أبريل، نظم العاملون في المجال الطبي احتجاجات ضد الاقتتال الداخلي وضد الاختطاف، كما نظّمت النساء احتجاجات ضد مراسيم التمييز تجاه المرأة، مثل فرض قوانين صارمة بارتداء الملابس، والطلب من الأرامل العيش مع قريب من الذكور (مُحرَم).
ترافق استيلاء النظام على الغوطة ودرعا وغيرها من المناطق، بانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. فقد حدثت هناك موجات من الاعتقالات من المنشقين، وتمّ تجنيد الرجال قسرًا في جيش النظام، كما أُجبر العديد على توقيع الوثائق التي تفيد بعدم اشتراكهم في الاحتجاجات أو الأنشطة المناهضة للنظام، وقد تم الضغط عليهم لتقديم معلومات حول الجماعات المتمردة. الصحفيون والعاملون في المجال الإنساني وناشطو المعارضة يعيشون في خوف لكونهم مستهدفين.
لا شك أن إعادة احتلال إدلب ستؤدي إلى تلك النتائج نفسها. سيتم سحق النشاط المدني الذي يعمل علانية، وسيتم القضاء على التجارب الديمقراطية الواعدة، مما يجعل المتطرفين يزدهرون في الظلام/ سرًا.
في حين أن مجتمعًا مدنيًا قويًا هو واحدٌ من أفضل المدافعين ضد انتشار التطرف، بينما حملات القصف والإرهاب الذي تقوده الدولة تزيد من جاذبية الجماعات الجهادية. واليوم، يقوم مانحون رئيسون للمجتمع المدني السوري، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، بسحب التمويل للمنظمات السورية في إدلب خشية أن يصل إلى أيادي الإرهابيين. وبالنظر إلى فداحة الأزمة الإنسانية التي من المرجح أن تتكشف، فإن سحب المساعدة التي هم بأمس الحاجة إليها قد يزيد من تعقيد معاناة المدنيين.
الأسوأ من ذلك كله هو أن هناك إجماعًا دوليًا متناميًا على أن النظام هو أفضل حلٍ للدمار الذي أحدثه. المجتمع الدولي يقوم الآن بتحويل تركيزه نحو إعادة الإعمار، وإعادة تأهيل النظام من خلال مكافأة المسؤولين عن دمار البلد، والضغط على اللاجئين للعودة إلى بلدٍ، سلامتهم فيه بعيدة كل البعد عن أن تكون مضمونة.
يدرك أهالي إدلب أن من المحتمل أن يتم التخلي عنهم إلى مصير مماثل لمصير إخوتهم في درعا والغوطة. إن الغضب من خداعهم من قبل القوى الديمقراطية المفترضة، المتجذرة بعمق بالفعل، آخذٌ في الازدياد. ويدرك السكان أن أولئك الذين يفضلون “الاستقرار” بأي ثمنٍ يرون استمرار مقاومتهم كإزعاج. لكن استعادة سيطرة النظام على إدلب لن تؤدي إلى السلام، بل ستقلل من الاستقرار، وستقضي على البديل الديمقراطي للاستبداد، وتترك الجهاديين -الذين يزدهرون من خلال العنف والاضطهاد والاحتلال الأجنبي- كآخر رجال يقفون، لتشكيل تهديد طويل الأمد للمنطقة والعالم.
اسم المقالة الأصلي | The Death Blow Is Coming for Syrian Democracy |
الكاتب | ليلى الشامي، Leila Al-Shami |
مكان النشر وتاريخه | نيويورك تايمز، 2/ 9، The New York Times |
رابط المقالة | https://www.nytimes.com/2018/09/02/opinion/idlib-syria-jihadists-democracy.html?rref=collection%2Fsectioncollection%2Fopinion |
عدد الكلمات | 963 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب |