الصورة: جينفر هيور.
تقترب الحرب الأهلية السورية القاسية والقاتمة من لحظة فاصلة، بالنسبة إلى الرئيس بشار الأسد وحلفائه: إيران وروسيا، حيث يستعدون لشن هجوم عسكري على محافظة إدلب، آخر معقل كبير للمعارضة.
إن الأسد، الذي يعتمد على روسيا وإيران في الدعم العسكري والمالي، ويصر الغرب عليه لمغادرة السلطة يومًا، على وشك سحق المعارضة، والتسبب في وقوع كارثة إنسانية. حيث يعيش ما يقارب ثلاثة ملايين شخص، من بينهم نحو مليون طفل، في إدلب التي تقع على الحدود السورية- التركية. ليس هناك شك في أن الهجوم الشامل سيؤدي إلى الموت والدمار والتهجير الذي يماثل الوحشية التي رأيناها من قبل. لقد عانى المدنيون بشكل مروع، خلال سبع سنوات من الصراع، إلى درجة توقفت فيها الوكالات الدولية عن التعداد، مع وصول القتلى إلى 400 ألف قتيل.
رفضت سورية، مع وجود قوى أجنبية ومحلية وإرهابية متنافسة فيما بينها، أن تكون حلًا سهلًا، غالبًا ما أعاقت الوصول إليه الولاياتُ المتحدة بسبب أهدافها المرتبكة، وسياستها غير المتماسكة وفعاليتها المحدودة. وما تزال تحذر نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، من أن هجوم نظام الأسد على إدلب سيكون “تصعيدًا متهورًا”، وأن “الأمر متروك لروسيا لمنع ذلك من الحدوث”.
أثارت المحاولة الدبلوماسية في اللحظة الأخيرة، بما في ذلك اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة، موجةً من التحذيرات لروسيا وللأسد، لكن من الواضح أن القوى الكبرى يجب أن تحاول أكثر من ذلك، بعد أن قام الأسد بنشر قواته حول إدلب، بينما قامت روسيا بنقل 26 سفينة حربية و36 طائرة قبالة الساحل السوري.
إذا سيطرت قوات النظام على إدلب؛ فسيكون الأسد قد دمّر المعارضة، وأعاد معظم الأراضي السورية إلى سيطرته. يجب التوقف عن الحرب والقتل، ولكن السؤال الآن هو كيف يمكن التقليل من نطاق المذبحة، وما الذي يمكن القيام به، إذا كان هناك أي شيء، لتصحيح سورية مرة أخرى.
لا يستطيع الأميركيون وحلفاؤهم أن يغيّروا مسار الحرب في سورية، ولا يتوقع منهم إصلاح كل المشكلات التي أوجدها الأسد وروسيا. ولكن ربما يكون لديهم نفوذ أكبر للتأثير في الأحداث أكثر مما استخدموه حتى الآن. إن منع حدوث هجوم شامل على إدلب هو الهدف المباشر، لكن المساعدة في ضمان مستقبل سوري أكثر استقرارًا هي أيضًا من ضمن المصلحة الأميركية.
يشمل النفوذ الإبقاء على 2200 جندي أميركي، معظمهم يقاتلون الدولة الإسلامية، في شرق سورية، ما يوضح أن على الأسد تغيير سلوكه، من أجل السيطرة على موارد النفط والغاز في تلك المنطقة، وأن يكون أكثر دبلوماسية.
يمكن أن تكون العقوبات أيضًا أداة مفيدة. يوم الخميس، قامت الولايات المتحدة بتصعيد الضغط على سورية للبقاء خارج إدلب، بفرض عقوبات مالية على أربعة أشخاص وخمس شركات، يقومون بتسهيل نقل الأسلحة أو الوقود للنظام.
إدلب هي آخر المناطق الأربعة لخفض التصعيد التي حددتها، العام الماضي، كلّ من روسيا وإيران وتركيا (الداعم الرئيس للمعارضة المناهضة للأسد) كملاذات للمدنيين.
لكن روسيا التي تستخدم القوة والحصار في التفاوض، ساعدت الأسد في استعادة المناطق الثلاثة الأخرى، وإرسال الآلاف من مقاتلي المعارضة المستسلمين وعائلاتهم إلى إدلب. هناك نحو 10 آلاف أو أكثر من الجماعات المتشددة المرتبطة بالقاعدة.
لقد نقلت تركيا قوات لها إلى الشمال في سورية، وأغلقت حدودها بعد قبولها 3.5 مليون لاجئ، وأقامت مراكز مراقبة عسكرية في إدلب. وكجزء من صفقة إزالة التصعيد، كان من المفترض أن تقاتل تركيا المسلحين المتشددين أو تنزع سلاحهم، وقد سعت لفصل بعض مقاتلي إدلب الأكثر اعتدالًا عن الفصائل المرتبطة بالقاعدة.
من جانبها المعارض في النزاع، عملت تركيا مع روسيا وإيران على وضع حد لوقف النار، ووضع خطة لتسوية سياسية. لكن، في اجتماع القوى الثلاث في طهران يوم الجمعة لإجراء محادثات فاصلة، رفض فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، الدعوة إلى وقف جديد لإطلاق النار، من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وبحسب ما ورد، كانت تركيا تحاول تفادي هجوم روسي- سوري كبير على إدلب، باقتراح نزع سلاح المقاتلين وإجلائهم إلى منطقة عازلة في المنطقة، تراقبها قوات المعارضة المعتدلة. من غير الواضح مدى فاعلية هذا المقترح للحل، ولكن تركيا قلقة حقًا لأن أي هجوم سوف يتسبب بتدفق اللاجئين والمسلحين والبحث عن ملاذات آمنة عبر الحدود.
كان بوتين من أكثر داعمي بقاء الأسد، وقد وفر له القوات العسكرية الضرورية في عام 2015، عندما كانت المعارضة تتقدم عليه.
في وقت يتم فيه إلقاء اللوم على المسلحين المتشددين ومقاتلي المعارضة، في بعض جرائم الحرب في سورية، كما أسفرت الغارات الجوية الأميركية على أهداف للدولة الإسلامية عن قتل بعض المدنيين، يقول مراقبو حقوق الإنسان إن قوات الداعمة للأسد كانت مسؤولة عن غالبية هذه الفظائع.
حذر الرئيس ترامب بشدة من أي استخدام للأسلحة الكيمياوية في الهجوم المتوقع على إدلب. وألقى الأسد البراميل المتفجرة، واستخدم الأسلحة الكيمياوية المحظورة على المناطق المدنية. كان الهجوم على دوما في نيسان/ أبريل على وجه الخصوص مرعبًا، حيث أظهرت صور الأطفال كيف تسيل الرغوة من أفواههم وأنوفهم.
جاء في بيان البيت الأبيض الأسبوع الماضي: “دعونا نكون واضحين.. ما يزال موقفنا ثابتًا، وهو أنه إذا اختار الأسد استخدام الأسلحة الكيمياوية مرة أخرى؛ فسترد الولايات المتحدة وحلفاؤها بسرعة وبشكل مناسب”.
أمر ترامب بتنفيذ غارات جوية على أهداف للنظام السوري، ردًا على هجمات بالأسلحة الكيمياوية في عام 2017، وفي نيسان/ أبريل 2018. لكن العمل لم يكن متصلًا بسياسة أوسع. هناك بعض الفرص التي يمكن أن تتحسن الآن، بعد أن تمّ تعيين جيمس جيفري، وهو سفير سابق في تركيا والعراق، ممثلًا لأميركا في التدخل في سورية.
يوم الخميس، نشرت (واشنطن بوست) تقريرًا يفيد أن الرئيس ترامب -وهو الذي قال قبل أشهر إنه يريد إعادة القوات الأميركية إلى الوطن- وافق على استراتيجية جديدة لتمديد البعثة العسكرية في سورية، إلى أجل غير مسمى، وإطلاق ضغط دبلوماسي كبير لضمان مغادرة جميع القوات العسكرية الإيرانية من سورية. ونقلت الصحيفة عن السيد جيفري قوله: إن السياسة الأميركية لم تعد “يجب أن يذهب الأسد”، كما ناقشتها إدارة الرئيس أوباما مدة طويلة.
على الرغم من أن التفاصيل ما تزال غير مؤكدة، فإن الخطة الجديدة توحي بتدخل أميركي أعمق في سورية.
حتى لو انتهى القتال في سورية غدًا، فإن سورية تواجه تحديات عظيمة، من بينها اقتصاد مدمّر وأغلبية سنّية عانت من وحشية الأسد. ففي وقت يتحمل الرئيس بوتين جزءًا كبيرًا من تدمير سورية، فإنه لا يملك لا المهارات ولا الأدوات اللازمة لإصلاحها.
بوتين سيحتاج إلى الولايات المتحدة والدولة الكبرى في تحقيق أهدافه، في إعادة بناء سورية وإعادة دمجها في العالم. والولايات المتحدة ليست ملزمة بإعادة بناء سورية، لكنها تستطيع أن تساعد في التعافي في المناطق المحررة من مقاتلي الدولة الإسلامية، بينما تعمل مع روسيا للحصول على تمويل إعادة الاعمار من دول الخليج، وتحث السيد الأسد على نموذج سياسي يكون أقلّ استبدادًا.
لكن السيد بوتين يحتاج إلى معرفة أيّ هذه الأمور ممكن، إذا أصبحت إدلب حمّام دم!
العنوان الأصلي للمادة | A Grim Endgame Looms in Syria |
الكاتب | فريق التحرير |
المصدر | نيويورك تايمز 8 أيلول/ سبتمبر 2018 |
الرابط | https://www.nytimes.com/2018/09/08/opinion/syria-assad-russia-trump.html?action=click&module=Opinion&pgtype=Homepage |
المترجم | وحدة الترجمة والتعريب |