تأسست فرقة الرقة للفنون الشعبية عام 1969 على يد الفنان إسماعيل العجيلي. آنذاك، كان تراث وادي الفرات هو الحامل الموضوعي لنشاط الفرقة، فتحولت خلال أربعة عقود إلى أيقونة رقّيّة، وعلامة فارقة في قدرتها على استلهام التراث الشفوي لمحافظة الرقة خصوصًا، ولمنطقة وادي الفرات عمومًا. وقد ساهم في نجاح الفرقة الكثير من مبدعي الرقة، وكتابها، وفي مقدمتهم الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي، الذي كتب للفرقة الكثير من المسرحيات الغنائية، منها على سبيل المثال (صيد الحباري، برج عليا، ليل البوادي، قصر البنات، حصار الثكنة).
بدأت الفرقة بعشرين شابًا وفتاة، يقود آمالهم الفنية الفنان إسماعيل العجيلي، واهتمام المجتمع الرقّي بحفلاتهم، التي كانت تخاطب الحسّ الفني لكافة فئات المجتمع. آنذاك، حاول الفنان إسماعيل العجيلي أن يستقطب الأصوات الشعرية والغنائية التي تكرس ذلك المشروع الفني، فكانت قصائد الشاعر الشعبي محمود الذخيرة، ذات المفردات الموغلة في التراث، وصوت إبراهيم الأخرس، وألحان ربابته التي لا تحتاج إلى إيقاع، ومن ثم الشابة الرائعة خولة حسين الحسن، ذات الحضور المميز، والصوت الفراتي العذب، وكانت مشاركتها في تلك الفرقة، خروجًا على الكثير من القواعد الصارمة لمحافظة الرقة!! فكانت فرقة الرقة للفنون الشعبية.
استطاعت الفرقة أن تحقق حضورها المميز على مسارح محلية وإقليمية وعالمية، فحصدت المرتبة الأولى، ونالت الوشاح الذهبي؛ متقدمة على 76 فرقة منافسة، حدث هذا في باريس عام 1986، وتتالت مشاركاتها التي لم تتوقف.
(مهرجان الشباب العالمي- تركيا- 1974، مهرجان جرش للفنون الشعبية- 1975، أسبوع الصداقة السورية- السوفيتية- 1979- 1982، أسبوع الصداقة السورية- التشيكية- براغ- 1982، معرض الأسفار العالمي- إيطاليا- 1983، مهرجان الطفل العالمي- رومانيا- 1984، معرض الأسفار العالمي-لندن- 1983- 1984، مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية- 1989، مهرجان الشباب العالمي- البرتغال- 1999، مهرجان دبي للتسوق- 2002- 2003- 2004، مهرجان قرطاج- 2005، مهرجان مسقط- سلطنة عمان- 2007، يوم التراث العالمي- قطر- 2008) ومشاركات كثيرة أخرى.
اقترن اسم الفرقة؛ باسم الرقة، لدرجة أصبحت تلك الفرقة أحد الحوامل الموضوعية لتراث الرقة، وشكّل وجودها؛ واسمها؛ إضافة دالة على تاريخ الرقة الذي يمتد إلى الألف التاسع قبل الميلاد، وموروثها الفني. تلك هي المسؤولية بأم عينها، التي مع الأسف لم تستطع الفرقة الحفاظ عليها!
في البداية، كانت الفرقة تقدّم عروضها الفنية على مسارح مدينة الرقة، وضمن فعالياتها الثقافية، وكانت العروض -آنذاك- تُقدّم بشكل منفصل، مراعاة للعادات والتقاليد السائدة، وقد قدم أول عرض مشترك (شباب وفتيات) عام 1974، وكانت مشاركتها الأولى خارج المحافظة عام 1971 في مهرجان دير الزور، وقد لاقت العروض نجاحًا وقبولًا.. آنذاك، لم يكن إسماعيل العجيلي قد تعرف إلى زكي ناصيف، أو المطربين اللبنانيين، كانت فرقة (رقاويّة) خالصة، تنهل من معين التراث الذي لا ينضب. إلا أن إسماعيل العجيلي ذلك الستيني الموهوب، كانت عيونه على عالمية الفن، دون أن يدرك أن العالم يبدأ من عتبة بيته، فنسي تلك العتبة!!
في البداية، حاول تطعيم عروضه الفنية بألحان لكبار الملحنين، وبأصوات لمطربين كبار، ولأن اللباس الرقي لا يساعد في الرقص، استبدله، وأدخل تعديلات ذهبت باللباس الرقي المعروف، فخرج لباس الفرقة، من دائرة تراث الرقة من حيث الشكل، وكذلك بعض الأغنيات، والألحان!! هذه المواكبة لمعطيات العصر بقيت محمودة، لافتقار المنطقة إلى الفرق المنافسة، تطورت الاختراقات، وأصبحت مشاركة الفرقة في حفلات المناسبات تقتضي أغاني خاصة بتلك المناسبات، وهكذا تم الانزياح، من فرقة تراثية، إلى فرقة فنية مفتوحة على آفاق العصر.
كثيرة هي اللقاءات التي جمعتني مع الفنان إسماعيل العجيلي قائد الفرقة، وكثيرة هي الحوارات بيننا، وفي كل حواراتنا، كان إسماعيل يلجأ إلى مبدأ (سد الذرائع)، علمًا أن أهل الرقة مارسوا أفراحهم وأحزانهم وأعمالهم، وما تقتضيه حياتهم؛ بلباسهم، ولم يستبدلوه، وإسماعيل العجيلي يدرك ذلك تمامًا، لا بل يعرف ذلك أكثر منّي، لأنه يتقدم عليّ سنًا (أطال الله في عمره). على ما يبدو أن صدمة الحضارة لم يستطع إسماعيل أن يستوعبها، فحاول الدخول فيها، من باب التصورات السوريالية، فكانت حفلاته، تحمل هذا الخليط غير المتجانس، من التراث والسوريالية في الحركات الراقصة!! الرقة تستحق فرقة لفنونها الشعبية، وإسماعيل العجيلي يستحق موقع قيادة الفرقة، وبجدارة لا ينازعه أحد عليها. إلا أننا (كرقاوييّن) لسنا خجلين من لباسنا التقليدي، ولا من أغانينا، ولا من دبكاتنا، ونريد أن نقول للعالم: ها نحن.
ولا يغرنا قول دريد لحام إن هذه الفرقة وردة متميزة في باقة الإبداع، أشم في لوحاتها عبق التراث، وروعة الحداثة، في مزيج تجسده جباه سمر، وأجساد تكلمت؛ فأتقنت التعبير عن وطن الوفاء والمحبة) هذا كلام إنشائي؛ ومديح مجاني؛ ليس له قيمة في ميزان النقد. فأهل الرقة أدرى بتراثها. ولا تلك الأقوال التي كتبها المسؤولون السوريون عبر العقود المنصرمة في كتاب الفرقة، الذي قام إسماعيل العجيلي بطباعته، وصورهم مع مدير الفرقة، وأعضائها، والذين أغلبهم من دون أي قيمة شخصية، استمدوا قيمتهم من مناصبهم! ولحسن الحظ أن الكثير منهم قد غادروا تلك المناصب التي تسلقوها!!
القيمة الفعلية هي لتراث الرقة الذي حملته الفرقة اسمًا، والذي نحن اليوم بأمس الحاجة إليه، لأنه حلمنا الذي لا يحتاج إلى تفسير، لأنه خبزنا اليومي، لأنه هويتنا التي استباحتها القوى المتصارعة على خيرات المنطقة.
2 تعليقات