تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

لا فائدة من الدروس.. إدلب في عين العاصفة!

أثناء حملة القتل والتدمير والتهجير المنهجي لأهالي الغوطة الشرقية، أرسلت السفارة الأميركية إلى قادة الفصائل العسكرية في الجبهة الجنوبية رسالةً تتضمن تحذيرًا مُبطنًا بعدم التدخل، وتطلب إليهم ضبط النفس وأن يحافظوا على اتفاقية خفض التوتر، وتطمئنهم بأن مناطقهم ستكون آمنة بضمانة أميركا ودول الجوار!

بعد سقوط الغوطة الشرقية، تولّى الإعلام مهمة مسح آثار الجريمة من أنفس جمهور الثورة، بينما بدأت “إسرائيل” شنّ غارات كثيفة ومركزة، ودمرت مواقع معسكرات إيرانية ومستودعات أسلحة لها، ولا سيما في الجنوب، وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يُطلقون تصريحات تهديد لإيران، بوجوب أن تسحب قواتها من المنطقة الجنوبية، بعمق أربعين كيلومترًا بعيدًا عن حدود الجولان المحتل، ثم صرّح الأخير بأن “على إيران أن تسحب قواتها من كافة الأراضي السورية”، وترافق كل ذلك مع تصريحات روسية تؤكد أنها لن تتدخل في الجنوب، وأنّها لا تستطيع تغطية العمليات العسكرية للحكومة السورية جنوب البلاد، ومما تسرّب أن ثمّة توافقاتٍ، بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن و”إسرائيل”، على جعل المنطقة الجنوبية منطقة آمنة، مع الحفاظ على اتفاقية خفض التوتر فيها.

كل ذلك كان عبارة عن فصولٍ مسرحية، يتم دغدغة مشاعر الشعب السوري بفصولها الممتعة، واللعب على عواطفه بمشاهدها الشيقة والمثيرة، وكان هدفها لفت الانتباه إلى قوة التهديدات الموجهة إلى إيران وجديتها، وصرف الأنظار وتغييب مشهد التحشيد العسكري المكثف الذي كانت تقوم به إيران وعصابات الأسد على المنطقة الجنوبية، والتموضع العسكري في إزرع والشيخ مسكين ودرعا والسويداء، وتغييب وعي السوريين عن هذه التحشيدات، والإيحاء لهم بأنها غير ذات جدوى، فثمّة ضربات إسرائيلية قاتلة للقوات الإيرانية، وتهديدات أميركية – صهيونية بإخراجها من الأراضي السورية، مع تطمينات وتصريحات إعلامية بأن المنطقة الجنوبية تقع تحت الحماية الدولية برعاية أميركية – إسرائيلية! وما إن تنتهي فصول المسرحية المدهشة ونخرج من صالة العرض، حتى تتعرى أمام أعيينا الحقيقة المرّة: لقد وقعنا في شرك أصدقاء الشعب السوري، حيث كانوا يدفعون لكي تقع المعارضة السورية صيدًا سهلًا في مصيدة الأسد والإيرانيين! وهكذا نُفّذ السيناريو المخطط بدقه متناهية، وقد استطاع من خلاله النظام وحلفاؤه السيطرة على الجنوب السوري كاملًا -بأقل الخسائر- وفق خطة إعلامية محكمة، خطّة يمكن إعادتها، في سيناريو مختلف، على الشمال السوري، وهذا ما بدا واضحًا من خلال تهديدات مُبطنة من قبل رئيس وفد التفاوض الروسي مع قادة “الجيش الحر” في درعا، عندما نصح سكان درعا بعدم التوجه إلى إدلب، لأنّ هناك حملة عسكرية على الشمال، وبالمقابل “بقيت” التطمينات الإعلامية التركية لحلفائها من السوريين، بأنّ الوضع في الشمال يختلف عن باقي مناطق خفض التوتر الأخرى، وأنّ تركيا لن تسمح بتكرار سيناريو حلب والغوطة الشرقية والريف الشمالي لحمص ودرعا، وفي هذا الإطار، جاء تحذير وجهه الرئيس رجب طيب أردوغان إلى نظيره الروسي، مُحذّرًا من انهيار جوهر اتفاق أستانا، إذا هاجم النظام السوري مدينة إدلب، وكي لا نقع في الأخطاء السابقة نفسها، علينا أن ننظر إلى مستقبل الشمال السوري بمنظار واقعي، من حيث الظروف المحيطة والإمكانات القتالية، ومن هنا يمكن أن تذهب الأمور في الشمال إلى عدد من السيناريوهات، بغض النظر عما سيجري في المنطقة الشمالية الشرقية من سورية في محافظة الحسكة والرقة:

السيناريو الأول: يمكن أن يكون وفق خيارين: الأول هو الاستمرار في تنفيذ اتفاق خفض التصعيد المتفق عليه في أستانا، ويترتب على ذلك وقف إطلاق نار شامل، وهذا يقتضي من تركيا الالتزام بتعهداتها لروسيا وإيران، في ملف ضبط السلاح الثقيل والمتوسط للفصائل، وبخاصة “هيئة تحرير الشام”، أمّا الخيار الثاني فهو إعادة صياغة الاتفاق وبنوده المرتبطة بحدود منطقة خفض التصعيد الرابعة، وأماكن انتشار نقاط المراقبة للدول الضامنة، وهذا يعني إجراء تبادل مناطق تل رفعت مع جسر الشغور والريف الغربي لمحافظة إدلب، لفتح الطريق الواصل بين اللاذقيه وحلب عبر جسر الشغور، وفتح الطريق الدولي من باب السلامة إلى حلب لاستكمال الطريق الدولي الممتد من تركيا إلى الأردن عبر سورية، واللجوء إلى هذا الخيار قد يُجنّب الدول الضامنة الخيار العسكري، وفي كلا الخيارين يتمّ تشكيل مجالس حكم محليه، تقوم بإدارة المناطق لحين نضوج الحل السياسي النهائي.

السيناريو الثاني: وهو المرجح، ويتمثل باجتياح الشمال السوري، من قبل قوات الأسد والميليشيات الإيرانية، بتغطية جوية روسية -كما كان الأسلوب المتبع مع المناطق السابقة- بذريعة أن تركيا لم تلتزام بتعهداتها التي وقعت عليها في أستانا، وغالبًا ما يترتب على ذلك انسحاب تركيا من أستانا أو تعليق المفاوضات، وستدفع إيران وروسيا ثمنًا باهظًا في هذه الحالة، وسيشكل ذلك عامل إضعاف للثقة بين أنقرة وموسكو الساعية لمنع تمدد الناتو إلى حدودها الجنوبية الشرقية، كما أن هذا الخيار سيدفع العلاقات بين طهران وأنقرة إلى مرحلة كبيرة من التوتر، لا سيما أنّ إيران مهددة بمنع بيع النفط’ ويمكن أن يكون لتركيا دور بارز في التخفيف من حدة العقوبات على إيران، وبهذا الاحتمال ستتحول المنطقة برمتها إلى منطقة اشتباك وتوتر واستنزاف، وستكون المعركة مفتوحة على كل الاحتمالات، إن قررت الفصائل الدفاع عن نفسها وأرضها مدة طويلة، معركة يمكن أن تقلب المعادلة، ويتم إيجاد طريق ثالث للحل، حيث يتم الاتفاق على أن تقوم القوى المسيطرة على الشمال السوري بإدارة المنطقة ذاتيًا أسوة بالمناطق التي سيطر عليها الأكراد في الشمال الشرقي من سورية، بانتظار الحل النهائي.

السيناريو الثالث: يمكن أن يكون على شكل اتفاق بين الروس والأميركيين، على إخراج الإيرانيين من سورية، وتقاسم مناطق النفوذ، وقطع الطريق على تركيا، باللعب على التناقضات بين موسكو وواشنطن بالتمدد في سورية، ويمكن أن يُستخدم مجلس الأمن لهذا الهدف بقرارات مُلزمة تلتزم جميع القوى المتواجدة في سورية بالخروج منها، وبالتالي ستبقى مهمة حماية الشمال السوري على عاتق الفصائل العسكرية فقط، ولكن هذا السيناريو صعب التنفيذ، بسبب صعوبة إقناع موسكو بالموافقة على إخراج إيران من سورية، وإن وافقت على ذلك، فمن الممكن أنها لا تستطيع تنفيذ تعهداتها هذه، بعد تصريح أحد المسؤولين الإيرانيين الكبار بأن القوات الإيرانية “ستخرج من سورية، في حال خروج القوات الروسية منها”.

بهذا؛ سيكون الوضع في الشمال السوري تحت تأثير المصالح الدولية والإقليمية المتشعبة، بعيدًا عن مصالح الشعب السوري وثورته، واضعين في حساباتنا كل الاحتمالات والمفاجآت، ومنها أن يخرج علينا قادة الفصائل ومن يرعاهم، وقد عقدوا اتفاقات سرية مع الروس لتسليمهم الشمال، كما تم تسليم باقي المناطق، وبهذا يكون من خُدِع ومن خسر ومن ضحى بكل شيء هو الشعب السوري المخدوع بأبنائه.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق