مقالات الرأي

هذا اللغو المتكرر حول عودة اللاجئين

ذكرتني الأحاديث و”الجهود” المتكررة حول عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، ولا سيما محاولات بوتين إقناع الدول الغربية بالمساهمة في إعادة الإعمار بغية إعادة اللاجئين، ببحثٍ أجراه اثنا عشر باحثًا سوريًا، يقيمون في أنحاء مختلفة من العالم، حول أوضاع الشتات السوري واللاجئين السوريين في تلك المناطق، وعقدت بباريس ورشة عمل أكاديمية في نيسان/ أبريل الماضي لمناقشة نتائجه. وقد أشرت إلى ذلك البحث في مقال سابق: (هل يتحول اللاجئون السوريون إلى “شتات” جيرون، 10 أيار/ مايو 2018)، بيّنت فيه أن الأكثرية الساحقة من اللاجئين، باستثناء لاجئي المخيمات في لبنان والأردن وبعض اللاجئين في تركيا، يحاولون الاستقرار في بلدان اللجوء، ولا ينوون العودة إلى سورية، وحتى في هذه البلدان (المجاورة لسورية) هناك صعوبات جمة، تعترض تلك العودة، فضلًا عن الشروط التي يود اللاجئون توفرها قبل عودتهم.

في لبنان، تقول الباحثة المشرفة على إجراء البحث: “على الرغم من الضغط الداخلي الساعي لعودة السوريين إلى سورية، فإنها عودة مستحيلة. استحالتها تتمثل بأن الفئة الموجودة الغالبة هي الأكثر فقرًا، وبالتالي يصعب تنقلها أو عودتها، بعد أن خسرت قسمًا من مساكنها داخل سورية. علمًا أن حزب الله يمنع عودتها عمليًا، والنظام السوري لا يريدها”. يقول أحد الأساتذة الجامعيين السوريين في المقابلة التي أجرتها معه الباحثة: “هناك تجمع ضخم في البقاع من سكان القصير. يبعدون عن قراهم كيلومترات محدودة، والمفترض أن القصير (تحررت) اسميًا من المتطرفين. لكن فعليًا، تم الاستيلاء عليها ومنع سكانها من العودة…”. هذا عن الفئات الفقيرة، أما الفئات العليا والمتوسطة، كالتجار والصناعيين والمهنيين وأمثالهم، فيعملون على الاستقرار في لبنان، معتمدين على إمكاناتهم المادية والمهنية.

لا تختلف الحال كثيرًا في الأردن، عنها في لبنان، إلا بمحاولات تشجيع منظمات مجتمع مدني سورية تعمل في الدفاع عن حقوق اللاجئين، ومساعدتهم في إيجاد حلول للتحديات التي يواجهونها، سواء في مجال البحث عن العمل أو الحصول على المساعدات الإغاثية. لكن العقبات التي تقف أمام العودة إلى سورية عديدة، وأبرزها عدم إحساس المهاجر بالأمان لدى عودته، بسبب استمرار النظام وأجهزته الأمنية على حالها.

وفي تركيا، انقسمت الإجابات عن السؤال، حول شروط العودة إلى سورية، إلى ثلاث فئات: الأولى ركزت على الأمن والتخلص من هيمنة الأجهزة الأمنية، والثانية على تغيير النظام السياسي، والثالثة حول تمكن اللاجئين من العودة إلى قراهم وأحيائهم الأصلية بسلام. كما عكست الإجابات فجوة الثقة القائمة بين الكفاءات السورية في تركيا وبين المؤسسات المحلية المعنية بالإدارة المحلية أو توزيع الإعانات أو غيرها. كما أشار المستطلعة آراؤهم إلى ظواهر تمنع عودتهم مثل: انعدام الأمن، انتشار الفساد، عدم الاستقرار، التمييز ضد فئات معينة من السكان، وجود قوات أجنبية على الأراضي السورية… إلخ.

وفي مصر، حيث برهن اللاجئون السوريون عن قدرتهم على العمل في مختلف الميادين، واكتسبوا ثقة المواطنين المصريين بمهنيتهم وأدائهم المتميز، تتردد الشروط نفسها للعودة إلى سورية مثل: الاستقرار، والأمن، والنزاهة، واحترام الكفاءات، والانتقال السياسي باتجاه دولة المواطنة المتساوية.

ولإعطاء صورة أكثر حيوية ودقة، نورد فيما يلي أمثلة من إجابات عدد من أصحاب الكفاءات السورية في الخليج:

في الإجابة عن سؤال: هل لديك نية بالمساهمة في مصير سورية أو السوريين، بعد نهاية الصراع؟ أجاب أحد الأكاديميين: “أنا على يقين بأن الصراع في سورية سيستمر سنوات طويلة، والجروح عميقة جدًا، ولديّ نية المساهمة في تقديم العون والمساهمة، ولكن إذا وافقنا جدلًا على أن الصراع سينتهي أساسًا، وأعتقد أني لن أكون على قيد الحياة، عندما ينتهي هذا الصراع المحموم والدموي، وأريد أن أقلب المعادلة بتوجيه سؤال: هل بقي شيء يسمى سورية؟”.

وعن السؤال: ما هي برأيك الأولويات التي يجب أن يتبناها المغتربون السوريون لمساعدة سورية؟ أجاب أحد المهندسين: “هذه الأولويات تتعلق بطبيعة الحل السياسي القادم بشكل أو بآخر، بكل الأحوال، أؤمن بضرورة النقاط التالية، سواء أكنت مغتربًا أم مقيمًا داخل سورية: أ- وقف حالة الحرب أولًا. ب- طرد كل المقاتلين الغرباء بلا استثناء، وسحب السلاح من أيدي الجميع. ج- السعي لدعم تشكيل وتثبيت حكومة وطنية جديدة قوية ومستقلة عن الإملاءات الخارجية، د- المساهمة في نشر فكرة الدولة الوطنية ومفهومها وحاجتنا إليها وآليات تحقيقها، بالتعاون مع كل المؤمنين بهذه الفكرة كخطوة ضرورية لا بد منها للوصول إلى سورية عصرية مدنية منفتحة على الجميع يسودها دستور فوق الجميع. هـ- الدفع باتجاه تشكيل منظمات عمل مدني حقيقي وجاد في كل المناطق السورية، والتركيز على أهمية الفرد من خلال عمله ضمن هذه المنظمات/ المجموعات كخطوة على طريق تأسيس مجتمع مدني…”.

وفي الإجابة عن السؤال: ما هي المعايير التي ستأخذها بالحسبان في قرارك لمساعدة السوريين؟ للاستثمار في سورية؟ للعودة إلى سورية؟ أو للعطاء من وقتك بشكل أو آخر لسورية؟ أجاب أحدهم: “لكي أعود إلى سورية لا بد من تأمين مستوًى مقبول من الاستقرار الأمني والخدمي، سيادة دولة القانون والشفافية، نظام سياسي ديمقراطي بعيد عن الطائفية. حيث إنه، دون توفير الأمن وإيجاد حل سياسي عادل ومقبول وطي صفحة المعتقلين والمطلوبين، لا يمكنني حتى مجرد التفكير بالمشاركة أو العودة. بعد ذلك، يمكن الحديث عن موضوع المؤسسات والنزاهة وأمور أخرى كثيرة”.

وقال آخر: “المعايير التي تحدد القرار بالعودة إلى سورية تكمن، بالدرجة الأولى، في توفر الأمن والاستقرار وسيادة القانون والحق، بعيدًا عن المحسوبية والفساد والقمع الذي عرفته سورية خلال السنوات العجاف السابقة، وذلك في ظل مؤسسات عصرية، تعمل على بناء مجتمع العدالة والحرية والكرامة الإنسانية”.

وقال ثالث: “شروطي هي الأمن، إلغاء الفروع الأمنية وتحجيم وتقنين وتحديد صلاحيات السلطات الأمنية (بحيث ينحصر الأمن بالجيش الوطني والشرطة المدنية). الحل السياسي القائم على المواطنة ودولة القانون الذي يضمن تحقيق كل ما سبق”.

وردًا على سؤال: ما هي العوامل التي من شأنها أن تجمّد مساعداتك أو تحول دونها؟ ركزت إحدى الإجابات على: “بقاء النظام الأمني الفاسد والمفسد، استمرار الفوضى الأمنية من خلال تجميد الوضع الراهن..”. وورد في إجابة أخرى: “لا أعتقد أن هناك عوامل مانعة غير بقاء الاستبداد أو استبداله باستبداد آخر عسكري أو ديني،” وكانت الإجابات الأخرى في الاتجاه نفسه: “عدم إيجاد حل عادل، واستمرار هيمنة النظام على كل مفاصل الدولة بنفس الطريقة السابقة التي أدت إلى نشوب الثورة السورية”. “غياب الفاسدين والمفسدين الذين سيوصلون هذه المساعدات”، “اللانزاهة”، “الشعور الملموس والمحسوس بعدم الجدوى”، “عدم وجود جهات تعمل بشكل مؤسساتي، وعدم توفر الإدارة الرشيدة، عدم توفر الأمن والسلامة للقائمين عليها”…

لا مبرر للمزيد من الأمثلة. لقد أوضحت جميع الإجابات، من دون استثناء، استحالة عودة اللاجئين إلى سورية، طالما بقي النظام الاستبدادي الفاسد وأجهزته الأمنية. ناهيك عن أن بوتين نفسه، الذي يدعو إلى عودة اللاجئين، يحضّر هذه الأيام، مع تابعه الأسد، لهجوم على إدلب سيؤدي إلى مئات آلاف اللاجئين الجدد. فعن أي عودة للاجئين يتحدثون؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق