نظرة عامة إلى أهم مجريات المدة
سقط هذا الشهر (آب/ أغسطس) على التراب السوري 921 قتيلًا، منهم 290 مدنيًا، نسبتهم 31 في المئة، و631 مقاتلًا. من بين المدنيين 71 طفلًا، نسبتهم إلى القتلى المدنيين 24 في المئة تقريبًا، و47 امرأة نسبتهم إلى القتلى المدنيين 16 في المئة تقريبًا، النسبتان قريبتان من المعدل العام لقتلى الفئتين. تصدرت دير الزور قائمة عدد القتلى (من قتلوا على أراضيها، وليس بالضرورة من أهل الدير) بحصيلة 316 قتيلًا، نسبتهم 34 في المئة إلى إجمالي قتلى الشهر، لكن معظمهم من العسكريين الذي سقطوا في المعارك التي يخوضها جيش الأسد و(قوات سوريا الديمقراطية)، ضد (تنظيم الدولة الإسلامية).
درعا تلت دير الزور بحصيلة 138 قتيلًا، معظمهم أيضًا من العسكريين الذين سقطوا في المعارك التي دارت بين جيش الأسد، ومقاتلي (جيش خالد بن الوليد) المبايع (تنظيم الدولة الإسلامية)، وانتهت إلى تصفية وجود التنظيم في المنطقة، من بين هؤلاء القتلى 48 مقاتلًا من (جيش خالد) أعدمتهم قوات النظام بعد انتهاء المعارك. وتأتي إدلب ثالثة، بحصيلة 136 قتيلًا، ثلثاهم تقريبًا من المدنيين، نسبة كبيرة منهم سقطوا في الانفجار الذي وقع في مستودع في بلدة سرمدا في ريف إدلب الشمالي، وهؤلاء معظمهم من المهجرين، أما الباقون فقد سقطوا بسبب القصف الجوي الذي تركز على الريف الجنوبي لإدلب بصورة خاصة. وبالترتيب الرابع يأتي ريف دمشق بحصيلة مقدارها 130 قتيلًا، جميعهم تقريبًا من المقاتلين المنتمين إلى جيش النظام أو إلى مقاتلي (تنظيم الدولة) الذين قضوا في المعارك الدائرة لطرد التنظيم من منطقة وجوده في بادية ريف دمشق.
من زاوية وسيلة أو طريقة القتل، نلاحظ ارتفاع نسبة مَن قُتلوا بسبب الإعدامات (15 في المئة من مجموع القتلى)، وهؤلاء معظمهم أعدموا في درعا، وقد أشرنا إليهم أعلاه. ونلاحظ ارتفاع نسبة من قتلوا اغتيالًا (4 في المئة) أغلبيتهم العظمى في إدلب، في إطار عمليات التصفية التي تجري بين الفصائل الإسلامية.
ننتقل إلى المقارنات بين حصيلة آب/ أغسطس وحصيلة باقي أشهر السنة، ونلاحظ فورًا أن قتلى آب/ أغسطس هم الأقل هذه السنة (921 قتيلًا)، بسبب انخفاض عدد المعارك بعد انتهاء وجود المعارضة المسلحة في عدد من المناطق، وبخاصة في ريف دمشق والمنطقة الجنوبية. لكن نلاحظ أيضًا أن ضحايا المفخخات والألغام في آب/ أغسطس هو الأعلى بين أشهر السنة، وكذلك ضحايا التعذيب والإعدامات.
نلاحظ من جداول المقارنات أن طرطوس هي المحافظة الأكثر أمانًا في سورية، فهي الوحيدة التي لم يسقط فيها أي قتيل هذا العام بسبب الحرب. تليها اللاذقية طبعًا، على الرغم من أن الجداول تبين مقتل 67 شخصًا هذا العام، لكن هؤلاء من العسكريين الذين سقطوا في جبل التركمان، في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي المتاخم لإدلب الذي يضم بعض الفصائل المعارضة المسلحة.
ننتقل إلى المشهد الميداني، فنرصد بداية سيطرة قوات النظام على كامل منطقة حوض اليرموك غربي درعا، بعد طرد تنظيم (جيش خالد بن الوليد) المبايع تنظيمَ الدولة من المنطقة، لتصبح بذلك منطقة جنوب غرب سورية خالية من المعارضة المسلحة ومن التنظيمات الجهادية.
وعلى صعيد الحرب على (داعش)، نرصد تطورًا مهمًا، هو سيطرة (قوات سوريا الديمقراطية) على كامل الجيب الذي كان تحت سيطرة تنظيم الدولة في ريف دير الزور الشرقي، بمحاذاة الحدود العراقية، ويعدّ من أكبر الجيوب التي كانت بحوزة التنظيم، ونرصد تصفية وجود التنظيم في بادية السويداء، والتقدم في تصفية وجوده في بادية ريف دمشق، واستعدادات (قوات سوريا الديمقراطية)، وقوات التحالف لمعركة تصفية وجود التنظيم في المنطقة الرئيسة التي ما زال يسيطر عليها في ريف دير الزور الشرقي، غرب نهر الفرات (المرحلة الثالثة من حملة “عاصفة الجزيرة”)، لافتين إلى الأخبار التي تشير إلى تحول التنظيم إلى شكل العمل السري من دون الاحتفاظ بالأرض، ما يمنحه مرونة كبيرة في الحركة، ويصعّب مهمة الجيوش النظامية، ويطيل أمد الحرب.
أما الحدث الميداني الأبرز الذي يزداد سخونة يومًا بعد يوم، فهو التحضيرات لمهاجمة إدلب من قبل قوات النظام وحلفائها، وما يرافقها من نشاط سياسي وإعلامي، فإضافة إلى الخرق اليومي لاتفاق خفض التصعيد، بقصف مناطق في ريف إدلب الجنوبي بصورة شبه يومية، يتابع النظام التهديدَ بقرب استعادة المنطقة بالقوة، إذا لم تحصل تسويات تنهي وجود مقاتلي (هيئة تحرير الشام) ومن يصنفون “الإرهابيين”. ويتابع تحريك أرتاله العسكرية باتجاه الحدود الإدارية لمحافظة إدلب وشمال حماة، وقد وصل عدد الآليات المدرعة هناك إلى 2000 مدرعة، مع عشرات آلاف من الجنود، بما يوحي بقرب المعركة.
لا تقتصر الاستعدادات العسكرية على قوات النظام والفصائل المقاتلة في إدلب، ولا على منطقة إدلب في ما يبدو، بل يمكننا رصد تطورات عسكرية إقليمية ودولية بالغة الأهمية والخطر، فـ “إسرائيل” تصرّ على منع إيران من تحقيق وجود عسكري مؤثر في الأراضي السورية، وتبدي جاهزيتها لقصف أي أهداف تقلقها، ويبدو أن الولايات المتحدة عدلت عن قرارها بالانسحاب من سورية، وها هي ترسل تعزيزات عسكرية هائلة إلى المناطق التي تسيطر عليها شمال شرق سورية، وتوسع قواعدها العسكرية وتعززها هناك (1500 شاحنة عسكرية محملة بالمعدات خلال شهر آب/ أغسطس)، باستثناء الطائرات، وتعلن ثلاثة أهداف لوجودها: تصفية (داعش)، ومنع المشروع الإيراني في سورية، وإنجاز العملية السياسية وفق مسار جنيف. وقد توعدت، مع حليفتيها فرنسا وبريطانيا، بتوجيه ضربة عسكرية إلى النظام، في حال استخدام السلاح الكيمياوي في معركة إدلب.
روسيا من جانبها تعزز دفاعاتها في مناطق وجودها غرب سورية، وبخاصة حول قاعدة حميميم، وتضيف قطعًا بحرية استراتيجية إلى قواتها البحرية قبالة السواحل السورية، وأعلنت مناورات عسكرية ضخمة في المتوسط قبالة السواحل السورية.
تركيا من جانبها ترسل تعزيزات عسكرية كبيرة إلى قواتها المنتشرة على الحدود السورية.
إذًا، أجواء حرب لا يُعرف مداها وأبعادها ونيات أطرافها.
بالتزامن مع طبول الحرب، ثمة حراك دبلوماسي وسياسي محموم في الاتجاهات كلها، وتصريحات وتحذيرات من المستويات كلها. لكن اللافت فيها كان تصريح المبعوث الخاص بسورية، دي ميستورا الذي قال فيه إن ما يفوق عشرة آلاف إرهابي من مقاتلي النصرة موجودون في إدلب، وأن لدى هؤلاء إمكان استخدام السلاح الكيمياوي كما لدى النظام؛ ما أثار استياء واسعًا من الهيئات السياسية والحقوقية المعارضة معظمها، بوصفها تصريحات خطرة تشجع النظام على استخدام السلاح الكيمياوي، وتعطيه وحلفاءه المسوّغ لمهاجمة المدنيين في إدلب، وهذا لا ينسجم مع دوره ومهمته.