سلايدرقضايا المجتمع

سوريات قيد الاختفاء القسري

نظام الأسد مسؤول عن تسعين بالمئة من عمليات القتل والاعتقال والتهجير القسري

“أوقَفوا سيارتنا، وطلبوا بطاقاتنا، ثم أمروا والدتي بالنزول من السيارة ونزلتُ معها أيضًا، أدخلونا إلى غرف مبنية قرب الحاجز، وصادروا الهواتف النقالة والنقود التي كانت في حوزتنا مع شتمنا وإهانتنا، بعد ذلك طلبوا مني الذهاب، وأبقوا على والدتي محتجزة”، هكذا تصف ابنة السيدة ابتسام جمعة حادثة اعتقال والدتها، في الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013، عند مرورها بإحدى نقاط التفتيش بالقرب من مستوصف العباسية في مدينة حمص. وتضيف أنها حين سألت الضابط المسؤول عن سبب اعتقال أمها، ومتى سيطلق سراحها؟ أجابها أن عليهم أن ينسوها، ويمسحوها من ذاكرتهم.

منذ ذلك اليوم، اختفى أثر ابتسام، وهي من مواليد الرستن في ريف حمص الشمالي، وكانت حين اعتقالها في الثالثة والخمسين من عمرها، تعاني من ارتفاع ضغط الدم وداء السكري وتحتاج إلى الدواء يوميًا، وفق ما ذكرته ابنتها لـ (الشبكة السورية لحقوق الإنسان)، وبإمكاننا أن نتخيل حجم الأذى الجسدي والنفسي الذي لحق بهذه السيدة خلال سنوات اختفائها، فشهادة الناجين بأعجوبة من السجون السورية تصف بالتفصيل درب الإذلال والتعذيب والتجويع والإهمال الصحي الذي يقطعه كل معتقل، قبل أن يُطلق سراحه أو تفارقه الروح، حيث لا رحمة ولا شفيع لأحد في ذاك الصندوق الأسود، المغلق بإحكام في وجه القانون وكل شروط العدالة والإنسانية.

مأساة السيدة ابتسام ليست سوى واحدة من مآسي الاختفاء القسري الكثيرة التي تتعرض لها السوريات، من كل الأعمار والمشارب الاجتماعية، في كل المناطق، فبحسب بيانات (الشبكة السورية لحقوق الإنسان)، هناك 4837 سيدة من المختفيات قسرًا لدى مراكز احتجاز قوات النظام السوري، منذ بداية الثورة السورية حتى آب/ أغسطس 2018، وبعضهنّ وردت أسمائهن في قوائم الموت التي تسربت مؤخرًا إلى دوائر السجل المدني، كحال الطالبة الجامعية لمى نواف الباشا.

وإذا كانت جميع أشكال الاختفاء القسري مرفوضة ومدانة، وترقى إلى مرتبة الجرائم بحق الإنسانية بموجب القانون الدولي؛ فإن ما يثير القلق المضاعف إزاء حالات اختفاء السيدات السوريات، أنها كثيرًا ما تحدث لأسباب لا صلة لها بالمشاركة في أي من الأنشطة المدنية أو السياسية أو الحقوقية ذات الطابع المعارض للسلطة.

وأكدت شهادة اللاتي قُيض لهنّ النجاة من الهولوكست السوري، مثل: نورا الجيزاوي ونعمت العلواني ومجد الشربجي، أن أجهزة الأمن تعتقل النساء من دون مذكرة توقيف رسمية، ولا يجري الكشف عن أسباب اعتقالهّن، أو السماح لهن بتوكيل محام، وفي الكثير من الأحيان يؤخذن لغايات انتقامية أو كدروع بشرية ورهائن أو من أجل عمليات التفاوض على تبادل الأسرى.

في هذا السياق، تم اعتقال السيدتَين هيام الغضب و خلود العلو، من أبناء مدينة العشارة بريف محافظة دير الزور الشرقي، في 29 أيار/ مايو 2018، حين مرورهما بإحدى نقاط التفتيش التابعة للنظام، وما يزال مصيرهما مجهولًا منذ ذلك التاريخ. في حين أن السيدة إسراء ع، وهي ربة منزل من مواليد حماة 1979، تم اعتقالها من قبل الأجهزة الأمنية في 11 كانون الثاني/ يناير 2018 من مكان إقامتها، ثم اقتيدت إلى فرع الأمن الجوي في مطار حماة العسكري، من أجل الضغط على ابنها (محمد) الفار من الخدمة الإلزامية.

يقول ابن إسراء: “داهموا منزلنا وحطموا محتوياته، وقالوا لإخوتي لن يتم إطلاق سراح والدتي قبل أن أسلم نفسي. حدث ذلك بعد هروبي إلى ريف حلب الشمالي كي أتجنب الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية”، ويذكر أنهم في البداية كانوا يبعثون له برسائل نصية، كي يعود إلى حماة، لقاء الإفراج عن والدته، ثم طلبوا منه أربعين ألف دولار للإفراج عنها، بعد ذلك لم تصل إليه أي رسالة، وانقطعت تمامًا أخبار أمه.

تختفي النساء السوريات ليس فقط في المناطق الخاضعة لسلطة النظام السوري، بل أيضًا في المناطق التابعة لفصائل المعارضة المسلحة، والفصائل الإسلامية المتشددة، وقوات الإدارة الذاتية، ويتعرضن لسوء المعاملة وسوء شروط الاحتجاز، ومنهنّ من قُتلت بالتعذيب أو أُعدمت، مثل الناشطة الكردية رقية حسن، المعروفة باسم “نيسان إبراهيم” التي اختطفها تنظيم (داعش) في مدينة الرقة، وقام بإعدامها بتهمة التعامل والتخاطر مع الصحوات أواخر عام 2015.

بحسب (الشبكة السورية لحقوق الإنسان)، يبلغ عدد السيدات المختفيات قسرًا، لدى مراكز احتجاز “فصائل المعارضة المسلحة”، 411 سيدة، بينهنّ السيدتين: نازلية نعسان (36 عامًا)، وفريال نعسان (34 عامًا)، وكلتاهما من عفرين، وجرى اعتقالهما في 12 آب/ أغسطس 2018، فيما لم يُكشف حتى اليوم عن مصير الناشطتين رزان زيتونة وسميرة الخليل، اللتين اختُطفتا مع فريق “مركز توثيق المعلومات” من دوما، أواخر عام 2013.

وبحسب ما وثقته (الشبكة السورية)، قام تنظيم (داعش)، منذ تأسيسه في نيسان 2013، بإخفاء 218 سيدة، وفي 25 تموز/ يوليو 2018، اقتحمت عناصر تابعة له عدة قرى شرق محافظة السويداء، واختطفت 18 طفلًا و16 سيدة كرهائن، من بينهن ثلاث سيدات وطفلتين من قرية الشبكي، ومن عائلة أديب أبو عمار، هن:  السيدة رسمية (50 عامًا)، السيدة سعاد (45 عامًا)، السيدة فاديا (40 عامًا)، الطفلة لانا (12 عامًا) والطفلة لميس ذات الأربعة أعوام، فيما توفيت الرهينة زهية فواز الجباعي، عن ستين عامًا، في التاسع من آب، نتيجة انعدام الرعاية الصحية في مركز الاحتجاز.

وتملك (هيئة تحرير الشام) جهازًا يُعرف بالقوة الأمنية، يشرف عليه “الشرعيون”، وهم رجال دين متنفذون غالبًا يحملون جنسية غير السورية، وقد أنشأ الجهاز العديد من مراكز الاحتجاز السرية، منها “العقاب” في إدلب، وفي هذه المراكز يوجد 19 مختفية قسريًا، بينهن السيدة حميدة الغريب التي تبلغ 23 عامًا، وتم اختطافها من قبل عناصر مسلحة من الهيئة يستقلون سيارة (فان) من الحي الشمالي في إدلب، يوم 28 نيسان/ أبريل 2018، وما يزال مصيرها مجهولًا.

قوات “الإدارة الذاتية الكردية”، وبشكل خاص (بي واي دي) تخفي نحو 63 سيدة، منهنّ ناريمان يوسف كلش التي لم تتجاوز السابعة عشر من عمرها، وهي من مدينة القامشلي بريف محافظة الحسكة الشمالي، اعتُقلت في 15 أيار/ مايو 2018، وبعدها بيومين اعتُقلت كذلك السيدة صباح محمود الحمد من قرية جهفة عدوان، وهي في السادسة والعشرين من عمرها، ولا يزال مصير الاثنتين مجهولًا.

حوادث الاختفاء القسري -على قسوتها ومرارتها- ليست الانتهاكات الوحيدة التي تهدد حياة وأمن النساء السوريات، من قبل كافة أطراف الصراع على امتداد الخارطة السورية، فالكثير منهن تعرضّن لأشكال من القتل والاغتصاب والتهجير والاتجار والحرمان، وهي جرائم لا يستطيع أي عاقل قبولها أو تبريرها، ويتحمل النظام السوري المسؤولية عن قرابة تسعين بالمئة من عمليات القتل والاعتقال والتهجير القسري، فيما يتصدر تنظيم (داعش) انتهاكات التضيِّيق على الملبس والسَّفر وحرية التعبير والمشاركة في الحياة العامة، وتتفرد “قوات الإدارة الذاتية” بملاحقة السوريات الكرديات لتجنيدهن في الجيش والشرطة.

ولفت تقرير مديرية الصحة في إدلب الانتباه إلى أن معدل الانتحار في المدينة ارتفع، من الصفر إلى تسع حالات، خلال الشهر الأخير، معظمها من الإناث ما بين السادسة عشر والسادسة والعشرين، وعلى الأرجح فإن السبب هو الرعب مما سوف ينتظرهن من أهوال، بعد أن أعلنت قوات النظام السوري والحليفين الروسي والإيراني أنهم عازمون على استعادة إدلب، وعازمون على القتل ثم القتل لتحقيق غايتهم، بالرغم من اتفاقية خفض التصعيد وتحذيرات المجتمع الدولي من وقوع كارثة إنسانية جراء اقتحام محافظة، ثلثا سكانها من النساء والأطفال، وممن هجروا أكثر من مرة.

المصادر:

“تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقرير 2 أيلول/ سبتمبر 2018، تقرير 27 آب/ أغسطس 2018.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق