توصل الجانبان التركي والروسي، أمس الاثنين، إلى اتفاقٍ يجنب إدلب معركة دموية -كان من المحتمل أن يشنها النظام وروسيا وإيران- ويفتح الباب أمام مواجهات داخلية في إدلب، بين المعارضة السورية و(جبهة النصرة)، في حال رفضت الأخيرة التخلي عن سلاحها.
وبعد الاتفاق بساعات، استهدفت صواريخ -قيل إنها من الفرقاطة الفرنسية (أوفيرون) الموجودة في المتوسط- شمالَ اللاذقية وجنوبها، كما تم فقدان طائرة روسية في الأجواء، ذكرت واشنطن أنه تم استهدافها من قبل النظام السوري.
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب قمة جمعته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية: إن الطرفين قررا “إقامة منطقة خالية من السلاح، بين مناطق المعارضة والنظام”، في منطقة خفض التوتر بإدلب، وهو الأمر الذي يؤمن الجانب الروسي وقاعدته، من الاستهداف المتكرر الذي مصدره مناطق في إدلب.
أضاف أردوغان، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الروسي بوتين، أمس الإثنين، أن الطرفين سيقومان “بتحديد ومنع استفزازات الأطراف الأخرى، وانتهاكات الاتفاق المبرم.. أعتقد أننا تمكنّا عبر هذا الاتفاق من منع حدوث أزمة إنسانية كبيرة في إدلب”، موضحًا أن المعارضة “ستبقى في أماكنها، وسنضمن عدم نشاط المجموعات المتطرفة في المنطقة”.
الاتفاق الذي ضمن سلامة قاعدة (حميميم)، وثبت النقاط التي وصل إليها النظام في إدلب، تضمن أيضًا “سحب الأسلحة الثقيلة من محافظة إدلب السورية”، وفق ما قال الرئيس الروسي خلال المؤتمر الصحفي نفسه، وأضاف: “سينسحب المقاتلون من تلك المنطقة، واتخذنا قرارًا بسحب الأسلحة الثقيلة بمقترح من السيد أردوغان، حيث ستسحب كافة فصائل المعارضة أسلحتها الثقيلة من المنطقة”.
تابع الرئيس الروسي: سيكون هناك “آلية مشتركة، يتم تشكيلها من قبل الجنود الأتراك والروس، من أجل مراقبة المنطقة”، مضيفًا، في ما يخص ملف حماة: “سيتم اتخاذ التدابير الأمنية مع الجانب التركي”، وفق ما نقلت وكالة (الأناضول) التركية.
يفتح الاتفاق باب أسئلة كثيرة، لا سيما مصير المنطقة التي تأتي ما بعد المعزولة؛ إذ إن الروس لا يريدون منطقة في سورية تحمل سلاحًا معارضًا قد يُوجه إلى نظام الأسد، فهل تستطيع أنقرة والفصائل المعارضة المعتدلة أن تفكك سلاح القوى التي صُنفت على قائمة الإرهاب التركية والعالمية، مثل (هيئة تحرير الشام)؟ كما أن سحب السلاح الثقيل والمتوسط من إدلب يعني بطبيعة الحال أن المحافظة دخلت ضمن المناطق التي لا تشكل خطرًا عسكريًا على النظام، لتسقط بذلك آخر أوراق المعارضة المسلحة.
مصدر معارض قال لـ (جيرون): إن الاتفاق يفتح المجال أمام تؤيلات عديدة، وعلى الرغم من أنه حفظ دماء المدنيين في إدلب، فإنه “يضع على كاهل المعارضة السورية حملًا كبيرًا متمثلًا في مواجهة وتفكيك سلاح وقوى (جبهة النصرة) والعناصر (التركستانية)، ومن لفّ لفهم”. وأضاف أن تركيا التي استطاعت حقن دماء المدنيين في إدلب، ستحتاج إلى بذل جهد لا يستهان به، لتوفي بتعهداتها أمام الروس والمتمثلة بقدرتها على تفكيك القوى المصنفة إرهابية في إدلب، من دون الحاجة إلى شن عملية عسكرية ضدهم من قبل النظام والروس.
الجانب الأميركي رحب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه، إذ قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، اليوم الثلاثاء: “نشجع تركيا وروسيا على اتخاذ خطوات لمنع هجوم عسكري من جانب حكومة بشار الأسد وحلفائه في إدلب، ونرحب بأي جهود مخلصة للحد من العنف في سورية”، وفق ما نقلت عنه وكالة (سبوتنيك) الروسية.
من جانب آخر، دعا مستشار المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، عبر حسابه في (تويتر)، النظامَ والمعارضة السورية، إلى احترام الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الجانب الروسي والتركي، وقال: إن “تركيا وروسيا متفقتان بخصوص خطة يمكنها تجنيب حرب رهيبة وسط النازحين”.
في ذلك أيضًا، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي: إن طهران “مصممة تمامًا على حلّ مسألة إدلب، بشكل لا يعاني فيه السكان ولا يسقط ضحايا“، مضيفًا خلال مؤتمر صحفي له من طهران: “في ما يخصّ الإرهابيين وسورية، سياستنا واضحة، ونأمل أن يتحرر البلد في أسرع وقت ممكن، وأن يتمكن من استعادة كامل الأراضي والتخلص من كل الإرهابيين”، معقّبًا أن “هناك جانبًا آخر بالغ الأهمية بالنسبة إلينا، وهو المسائل الإنسانية.. إنها نقطة أساسية، ونناقشها بشكل دائم مع روسيا وتركيا والحكومة السورية”، بحسب وكالة (فرانس برس).
في غضون ذلك، ذكرت وكالة (سانا) أن قصفًا صاروخيًا، مصدره البحر المتوسط، استهدف “مؤسسة الصناعات التقنية في اللاذقية”، وأضافت مساء أمس أن “وسائط دفاعنا الجوي تتصدى لصواريخ معادية قادمة من عرض البحر باتجاه مدينة اللاذقية، وتعترض عددًا منها، قبل الوصول إلى أهدافها”، على حد قولها.
وقالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم الثلاثاء: “إن وسائل مراقبة الأجواء الروسية سجلت، مساء 17 أيلول/سبتمبر، إطلاق صواريخ من فرقاطة فرنسية من البحر الأبيض المتوسط”، بحسب وكالة (سبوتنيك الروسية التي نقلت عمن قالت إنه مصدر أمني سوري أن “من المرجح أن يكون العدوان أميركيًا، ويستهدف عددًا من المنشآت الصناعية في اللاذقية”.
وأضافت الوزارة الروسية أنه “في السابع عشر من أيلول/ سبتمبر، في حوالي الساعة 23.00 بتوقيت موسكو، أثناء العودة إلى القاعدة الجوية (حميميم) فوق البحر الأبيض المتوسط، وعلى بعد 35 كيلومترا من السواحل السورية، فُقد الاتصال بطاقم الطائرة الروسية (إيل — 20)”.
من جهتها، رجحت واشنطن أن الطائرة المفقودة قد تم إسقاطها، وقال مصدر مطلع في الإدارة الأميركية، إنه “تم إسقاط الطائرة الروسية بالخطأ، بصواريخ الدفاع الجوي السوري التي باعتها روسيا لسورية منذ سنوات”، بحسب ما نقلت عنه قناة (سي إن إن) الأميركية.