مقالات الرأي

القضية الفلسطينية أمام منعطف جديد

مع دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام، عادت القضية الفلسطينية لتصبح أحد محاور الاهتمام الدولي: أولًا، بفضل ثبات الشعب الفلسطيني فوق أرضه، وبنضاله المدني من خلال “مسيرات العودة”، وإصراره على حقوقه الوطنية المشروعة، المتمثلة في بناء دولته المستقلة على الأراضي المحتلة في حزيران/ يونيو 1967، بعاصمتها القدس الشرقية. وثانيًا، بفضل اعتراف الرئيس الأميركي ترامب بحلّ الدولتين، بعدما مهّد لصفقته من خلال اعترافه بالقدس الموحدة “عاصمة لإسرائيل” ونقل سفارة بلاده إليها، واعتباره المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مشروعة، وإيقافه دعم الولايات المتحدة الأميركية لهيئة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وكلا الأمرين ينطويان على فرص وتحديات للفلسطينيين.

ويبدو أن الرئيس الأميركي يمهد لـ “صفقة القرن”، التي جرى الحديث عنها بعد زيارته إلى السعودية في العام الماضي، وكلّف صهره كوشنير بمتابعتها، ويَعِدُ اليوم بتفعيلها خلال الأشهر الباقية من هذه السنة. وهي -في الجوهر- لا تبشّر بدولة فلسطينية ذات سيادة، وإنما تحت السيادة الإسرائيلية.

لقد حرّك إعلان الرئيس ترامب السجال الإسرائيلي حول حلّ الدولتين، حيث أعلن رئيس الوزراء نتنياهو استعداده للموافقة على إقامة دولة فلسطينية، ولكن تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وقال: “أنا مستعد لأن تكون للفلسطينيين الصلاحيات لحكم أنفسهم، دون صلاحيات المسّ بنا، أي السيطرة الأمنية غرب نهر الأردن ستبقى في أيدينا”.

ويبدو أن جوهر “صفقة القرن” يتمثل بـ “الحل الإقليمي” للقضية الفلسطينية، أي إنشاء “كونفدرالية أردنية – فلسطينية”، مكوّنة من الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن وغزة، على أن تنقل مصر إلى غزة مناطق مساحتها نحو 720 كيلو متر مربع، ممتدة على طول 24 كيلومترًا من شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وفي المقابل ستحصل مصر على المساحة نفسها في منطقة جنوب غرب النقب، ومقابل ذلك يتنازل الفلسطينيون عن 20 بالمئة من أراضي الضفة الغربية لمصلحة “إسرائيل”، باعتبارها “مناطق مصالح أمنية” تشمل معظم منطقة الأغوار.

الرؤية السابقة لـ “صفقة القرن” و”الحلّ الإقليمي” تتطابق مع الرؤية الإسرائيلية المعلنة: دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة الأمنية على الحدود، مما يجعلها شكلًا كاريكاتوريًا لـ “الحكم الذاتي”. ويبدو التضليل واضحًا من هذه الخطة، التي تسوّق “إسرائيل” كدولة غير محتلة مع المحافظة على الاحتلال، من خلال بقاء المستوطنات الإسرائيلية الكبرى، بل إقامة مستوطنات جديدة.

وبهدف ذر الرماد في العيون، تنطوي الصفقة على “إنشاء جهاز دولي خاص لتطوير الاقتصاد الفلسطيني”، مقابل تعهد السلطة الفلسطينية بمنع “الإرهاب” والاعتراف بالترتيبات الأمنية المطلوبة لـ “إسرائيل”.

إن الهدف الرئيس للصفقة/ الخطة هو العودة إلى فكرة “دولة فلسطينية مؤقتة”، وتغيير طبيعة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من صراع للتحرر الوطني الفلسطيني إلى صراع بين “دولة إسرائيل” المدججة بالسلاح، بما فيه النووي، وسلطة فاقدة لأي قوة مادية حقيقية.

ومما يجلب بعض الارتياح لدينا أن الشعب الفلسطيني باقٍ فوق أرضه، مصرٌّ على هدف الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، عبر كفاحه السلمي اليومي. إضافة إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعلن رفضه “الصفقة”، وتساءل: “بعد الحديث عن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين؛ على ماذا سنتفاوض؟”.

وفي المقابل، ما يجلب بعض تخوفاتنا عطالة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والفصائل المكوّنة لها، التي شاخت ولم تعد تستطيع تجديد حياتها الداخلية، في اتجاه تمكين شباب ونساء فلسطين من قيادة هذه المرحلة الصعبة. إضافة إلى ما نشهده من انكفاء عربي عن الدعم الفعلي لقضية الشعب الفلسطيني، بل انخراط بعض الدول العربية فيما يسمى “صفقة القرن”.

في كل الأحوال، لا بدَّ للقيادة الفلسطينية أن تمعن النظر في واقع المشهد الإقليمي والدولي، بسلبياته وإيجابياته، تجاه القضية الفلسطينية، مما يستوجب عدم الاستعجال في اتخاذ مواقف عدمية، غير محسوبة العواقب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق