يفرض نظام الأسد، منذ سبعة أيام متتالية، حصارًا خانقًا على مخيم الركبان للنازحين السوريين، بالقرب من الحدود الأردنية، وسط تدهور في الأوضاع الإنسانية ينذر بكارثة إنسانية قريبة.
طالبت الإدارة المدنية للمخيم، في بيان حصلت (جيرون) على نسخة منه، المنظماتِ الدولية بتحمل مسؤولياتها تجاه ما يجري في المخيم، من حصار ومنع مقصود لإيصال المواد الغذائية، خاصة الطحين، وحليب الأطفال، حيث إن هناك نحو 5 آلاف طفل بحاجة إلى الحليب.
كما وجه أهالي المخيم نداء استغاثة إلى الأردن، لإغاثة أهالي المخيم، بعد أن قامت قوات النظام بقطع كل الطرق المؤدية للمخيم، ومنع السيارات التي كانت تنقل البضائع والمواد الغذائية من الوصول إليه، وإغلاق النقطة الطبية الوحيدة داخل الحدود الأردنية التي تديرها منظمة (يونيسيف).
وقال عمر الحمصي، مدير المكتب الإعلامي للإدارة المدنية لمخيم الركبان، لـ (جيرون): “لا يوجد أي كلام من قبل قوات النظام عن الحصار ومدته، فالمخيم محاصر منذ عدة أشهر، لكنه الآن أصبح مشدّدًا بشكل أكبر، بسبب رفض معظم أهالي المخيم للاتفاق الذي جرى مؤخرًا، بين وجهاء من المخيم ووفد تابع للنظام السوري”.
وأضاف الحمصي أن “النظام سرعان ما نكث الاتفاق بعدم تنفيذ أي من البنود التي تم الاتفاق عليها، حتى إنه لم يعد يتجاوب مع لجنة تفاوض المخيم، ولجنة التفاوض التابعة له، وقام بإغلاق طريق دمشق – الضمير الذي يصل إلى المخيم، إضافةً إلى طريق تدمر حمص.
من جانب آخر، يمنع ضباط النظام الموجودون على الحواجز المؤدية للمخيم، في محاولة منهم لإذلال الناس، السياراتِ التي كانت تجلب البضائع عادة للمخيم، من حمل أي شيء، ويقولون لهم: “اذهبوا إلى الضباط الأميركان في قاعدة التنف لمساعدتكم”، في إشارة إلى أن أهالي المخيم، والفصائل الموجودة في المنطقة، تتبع للأميركيين.
وأشار الحمصي، إلى أنه “تمّ الاتصال بالأميركيين في قاعدة التنف، لتقديم المساعدة لسكان المخيم، لكنهم رفضوا، بذريعة أنهم عسكريون وليس من مهماتهم تقديم المساعدات الإنسانية، وأنهم جاؤوا إلى المنطقة بعد إنشاء المخيم، ولم يقوموا هم بإنشائه”.
في الموضوع ذاته، قال ساهر أبو توفيق، من أبناء مدينة تدمر، التي يشكل أبناؤها نسبة كبيرة من أهالي مخيم الركبان، لـ (جيرون): إن “النظام يهدف من خلال الحصار إلى إخضاع السكان لإتمام اتفاق المصالحة، ولكن معظم الذين يرغبون في مغادرة المخيم، يرغبون في الذهاب إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال، خاصة العائلات التي لديها أبناء مطلوبون للخدمة العسكرية، فهؤلاء يخافون من تجنيد أبنائهم والزج بهم في معارك ضد تنظيم (داعش) الذي فروا منه في الأصل، وهناك عائلات لا مشكلة لديها في العودة إلى مناطق سيطرة النظام، لعدم وجود أبناء لديها في سن الخدمة العسكرية”.
أما بالنسبة إلى أهالي مدينة تدمر، فلا يزال النظام حتى الآن يرفض عودتهم لمدينتهم بشكل نهائي، حتى الموالين له منهم، دون معرفة أسباب ذلك، وليس أمامهم -إذا ما قرروا مغادرة المخيم- إلا التوجه نحو حمص أو دمشق، والمدينة اليوم خالية من السكان، بعد أن وصل عدد سكانها إلى نحو 110 آلاف في بداية العام 2011.
شكري شهاب، أحد أفراد الكادر الطبي في المخيم، قال لـ (جيرون): إن “التعامل مع النظام سلبًا أو إيجابًا كان خطأً كبيرًا منذ البداية، وتمّ نصح الجميع بعدم التفاوض مع النظام، وعلى الرغم من ذلك ذهب البعض إلى عقد اتفاق وُلد ميتًا في الأصل، واستغله النظام لاحقًا للضغط على أبناء المخيم، الذين لم يبق أمامهم إلا التسوية أو الصمود حتى النهاية، في ظل انقطاع كامل للمساعدات الإنسانية بكل أشكالها”.
وأضاف شهاب: “بالتزامن مع حصار النظام للمخيم، قامت منظمة (يونيسيف)، بإغلاق نقطتها الطبية الوحيدة، التي كانت تستقبل الحالات الصحية الصعبة؛ ما أدى إلى وفاة كل من الطفلين مناف الحمود وعمره سنة، وهدى مصطفى رسلان وعمرها أربعة أشهر، بسبب نقص الرعاية الطبية”.
وأشار إلى أن المواد الطبية والأدوية -إن وُجدت- تُباع بأسعار باهضة جدًا، إضافة إلى النقص في كل المواد الغذائية، وتضاعف أسعارها بشكل لا يمكن معه للأهالي شراؤها.
أما بالنسبة إلى ما نُشر مؤخرًا حول نيّة روسيا والأردن، تفكيك مخيم الركبان، فقال شهاب: “لا يوجد حتى الآن أي معطيات على الأرض تدلّ على ذلك، ومن ذلك ما حصل أمس من تجميد اتفاق نقل مقاتلي (لواء شهداء القريتين) إلى ريف حلب الشمالي، وعددهم 200 مقاتل، الذي وقعه اللواء مع الجانب الروسي بتاريخ 16 أيلول/ سبتمبر الماضي، إضافة إلى نقل نحو 5 آلاف مدني مع مقاتلي اللواء إلى منطقة جرابلس، بذريعة رفض تركيا استقبالهم”.
يذكر أن مخيم الركبان أنشئ عام 2014، على الحدود السورية الأردنية، ويبلغ عدد القاطنين فيه نحو 70 ألف نسمة، معظمهم من المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم (داعش)، ويعيش سكان المخيم أوضاعًا إنسانية صعبة، منذ أن تم إغلاق المعبر مع الأردن، عقب التفجير الإرهابي الذي استهدف نقطة عسكرية أردنية، وأدى إلى مقتل سبعة من حرس الحدود الأردني.
وكانت آخر عملية إيصال للمعونات عبر الحدود الأردنية، في كانون الثاني/ يناير من العام الحالي، وتمت عبر رافعات كبيرة، قامت بإسقاط المساعدات داخل الساتر الحدودي السوري.