في حركيته السياسية ودأبه اليومي، يمكن تصنيف سلامة كيلة ضمن فئة المناضل المؤسس والمبادر، حيث إنه أسس مجموعة يسارية مع الشهور الأولى للثورة السورية، وأصدر جريدة اليساري، وقد اعتقل على خلفية ذلك وعُذِّب؛ ثم أُبعد عن سورية التي أحبها وأراد العيش والموت فيها.
ربما بسبب حركيته هذه التي لا تركن إلا إلى الواقع، ولا ترى إلا المستقبل، كان حريصًا على التواصل اليومي مع الشباب، يسمع منهم ويُقدّم رأيه، وفي خصوص الثورة السورية، كان يرى -وهو على حق- أن خطاب الثورة أغفل الجانب المعاشي الاقتصادي، إذ إنه اقتصر على الحرية والكرامة وإسقاط النظام، وهي مطالب جوهرية بالطبع، لكن كان ينقصها المطلب المعاشي المباشر الذي كان أحد أهم أسباب انتفاضة السوريين، فلولا الفقر والإفقار والأزمة الاقتصادية، وهجرة المزارعين من الريف إلى المدن بعد موجة الجفاف، وتشدد الدولة في إجراءاتها الاقتصادية الليبرالية المجحفة؛ لما كان للثورة السورية أن تقوم.
تميز منهج سلامة باعتماده على مفهوم البنية، فهو في التحليل السياسي -مثلًا- ينطلق من الكتلة الاجتماعية والمصلحة المادية لتفسير موقف سياسي لحزب أو شخص أو نظام سياسي، ولا يركن إلى التحليل الشكلي الذي يرى الحدث أو الموقف منفصلًا عن خلفياته الاقتصادية الاجتماعية.
وهو أول من انتبه إلى أن روسيا قد استلمت أو تسلمت المسألة السورية من أميركا، أو بتفويض منها،
كما أنه أول من تحدّث عن تحوّل روسيا إلى إمبريالية، ساخرًا من أوهام شيوعيين عرب ما زالوا ينظرون إلى روسيا كوريث للدولة السوفيتية، فيلتصقون بها ويدافعون عنها، حتى وهي تقصف المدن السورية وتقتل سكانها وتهجر أهلها.
يعتقد المرء أن سلامة كيلة مفكر ومناضل سوري، لشدة التصاقه بقضية السوريين وثورتهم، وليس الفلسطيني المبعد من أرضه لانتسابه إلى حركة (فتح) والممنوع من العودة إلى مسقط رأسه، ولو كان مسجًى في تابوت، فسلامة كان منشغلًا بشكل يومي بمتابعة وقائع الثورة، ورصد مواقف المعارضة، محاولًا التنبيه إلى الأخطاء، والمساهمة في تقديم النصح والمشاركة، بقدر إمكاناته، ككاتب ومفكر وحركي، وقد كتب في ذلك عشرات المقالات، ونشر ثلاثة كتب عن سورية في ثورتها، هي: (ثورة حقيقية… منظور ماركسي للثورة السورية)، وكتاب (الثورة السورية واقعها صيرورتها آفاقها)، وكتاب (التراجيديا السورية الثورة وأعداؤها)، إضافة إلى إجرائه عشرات اللقاءات التلفزيونية، كان حريصًا في أغلبها على الحديث عن الثورة والمعارضة وقمع النظام، ولا ننسى المحاضرات والندوات التي شارك فيها في غير عاصمة عربية من عمان إلى القاهرة، كان فيها كلها مدافعًا عن الثورة وخيار الشعب السوري البطل.
ناقد الماركسية المتحمس لها
كل ذلك، إلى جانب دفاعه العنيد عن الماركسية، لكن من باب نقدها وتخليصها من الشوائب، وسعيه لإعادة اكتشافها في مظانها الحقيقية، ومحاولته الدؤوبة لإعادة قراءة الماركسية وتقديمها للقراء العرب، لا سيما الشباب منهم، وقد كتب عدة كتب في هذا الشأن، منها كتاب (نقد الماركسية الرائجة)، وكتاب (أطروحات من أجل ماركسية مناضلة)، كما اصدر سلسلة كراسات عن الماركسية، بلغ عددها اثني عشر كراسًا.
أخيرًا، لقد عاش سلامة كرجل من هذا الشعب، كان منتميًا إلى كل أرض سكنها وحلّ بين أهلها، فتبنى قضية شعبها وكتب عنها، تراه يكتب عن تونس ومصر، كما يكتب عن فلسطين وسورية، كان سلامة عربيًا بالفعل، إنساني القلب والعقل، محبًا، متواضعًا، هادئًا، لذلك استسلم لمرضه بهدوء، وذهب من دون ضجيج.