سلايدرقضايا المجتمع

سورية.. الاختلاف السياسي يضاف إلى أسباب الطلاق

تعيش معظم الأسر السورية، بعد سنين من الثورة، حالةً من التمزّق الحاد، كانت بداية هذا التمزّق خفيّة وغير ظاهرة للعيان، لكنها مع مرور الوقت بدأت تطفو على السطح، وتتسع آثارها، لتنقسم كثيرٌ من العوائل على نفسها، بسبب اختلاف التوجّه، حتى المؤسسة الزوجية التي كانت متماسكة في ما مضى، عصفت بها رياح الانقسام مخلّفةً حالةً شبه يوميّة، من الخلاف والتوتر وتبادل الاتهامات بين الطرفين.

في هذا السياق، أكدّ القاضي الشرعي الأول محمود المعرّاوي ازدياد حالات الطلاق في سورية، حسب الإحصاءات الموجودة لدى المحكمة الشرعية، مقارنة بين سنوات الحرب وما قبلها. وبلغ عدد حالات الطلاق في دمشق 7703 حالات، عام 2017، وفق ما نقلت صحيفة (الوطن) الموالية عن المحكمة الشّرعية.

وكان القاضي الشرعي في دمشق قد صرّح، في حديث سابق إلى صحيفة (البعث)، بأنّ أسباب الطلاق تتباين وتتعدد، إلا أن أبرزها سوء الأوضاع الاقتصادية، ونشوب الخلاف بين الزوجين، بين مؤيّد لفكرةٍ ما ومعارض لها، خاصة في ما يتعلّق بموضوع الهجرة.

ومن المعلوم أن المادة (109) من قانون الأحوال الشخصية تجيز التفريق حين يغيب الزوج، وبموجب ذلك يحق للزوجة أن تحصل على الطلاق، بعد أن تُثبتَ غياب زوجها مدّة تزيد عن سنتَين.

كثيرٌ من الأزواج سافروا إلى بلد أجنبي، ومنهم من كان يصرف النظر عن لمّ الشّمل بعد وصوله؛ فيحدث الطلاق، وهذا ما حصل مع فادية (41 عامًا) التي انتظرت أن يرسل إليها زوجها الذي سافر إلى ألمانيا، منذ أكثر من سنتين، أوراقَ لمّ الشّمل لتلحقَ به، وبعد أن انتظرته تلك المدة من دون جدوى؛ قررت الطلاق منه.

تقول فادية: “أسكن أنا وأولادي الثلاثة لدى أهلي في تركيا، بعد أن حصلت على الطلاق من محكمة شرعية، وقد أتزوج مرّة أخرى، إذا وجدت رجلًا يُعيلني ويقبل بي مع أولادي”.

ثمة أسباب جديدة للطلاق ظهرت، ولم تكن موجودة من قبل؛ حيث أصبح للوضع السياسي دورٌ في ازدياد حالات الطلاق، فقد يدبّ الخلاف بين الزوجين، حين يكون أحد الزوجين معارضًا والآخر مواليًا، وهناك حالات رسمية مسجّلة في المحاكم، ومن المؤكد أن هذه الحالات خارج أروقة المحاكم هي أكثر.

تقول فاطمة (48 عامًا) إن تأييد زوجها للنظام هو السبب الرئيس الذي دفعها إلى التفكير بطلب الطلاق، فقد انخرط زوجها في العمل تحت ما يسمّى (لجنة المصالحة الوطنية)، بعد أن كان عضوًا في فرقة حزبية لقرية منسيّة، ينشط في كتابة التقارير ورفعها للجهات الأمنية (هذا الكلام لم تقله فاطمة، إنما يعلمه أهل القرية)، لكن اندلاع الثورة وانخراط بعض الشباب في صفوف الثورة، رفع رصيده عند النظام وأهميّة عمله السابق، إضافة إلى وقوع قريتهم على خطوط التّماس بين النظام والمعارضة، وهذا ما جعل القرية تتصدّر واجهة الأحداث.

انضمام زوجها إلى (لجنة المصالحة الوطنية) جعله مقصد كثيرين من أهل القرية، الباحثين عن تسوية لأوضاع أولادهم المطلوبين للخدمة الإلزامية، وكان الحلّ في تطوعهم ضمن لجان (الدفاع الوطني)، التي اقتصرت مهامها في البداية على نوبات حرس؛ لحماية القرية من تسلل الجماعات الإرهابية إليها. كانت تلك المهمة مقدِّمةً لسوق أولئك الشبان إلى الجبهات السّاخنة، ومعظمهم عاد جثّة هامدة، ومنهم من لم يعد قط.

لم تجرؤ فاطمة على أن تبدي يومًا اعتراضها على سلوك زوجها، على الرغم مما يصل إليها من انتقادات واتهامات لزوجها، من قِبل أهل القرية، بأنه السبب في خداع أبنائهم وسوقهم إلى الموت، من خلال وعود كاذبة وتعهّدات بعدم ذهابهم إلى الجبهات، وذلك لقاء أموال دفعوها له. منذ مدة دخلت قوات المعارضة قرية فاطمة، فاضطرّ زوجها إلى الهرب نحو مناطق النظام.

تقول فاطمة إنها لن تلحق بزوجها أبدًا، فقد أتتها الفرصة لتتخلّص من زوجها الذي خدع أهل القرية، وتاجر بدماء أبنائهم، وستحاول الحصول على الطلاق بطريقةٍ ما.

أمّا رحاب (45 عامًا)، وهي أمّ لثلاث طالبات جامعيات؛ فقد تعرّضت للاعتقال بعد نزوحها من قريتها إلى مناطق النظام، بسبب الأعمال القتالية في ريف حماة الشّمالي، حيث رفض زوجها النزوح إلى المناطق المحرّرة، وآثر البقاء في مناطق النظام بسبب عمله، ولكي تستطيع بناته إتمام دراستهنّ.

سبب اعتقال رحاب هو أخوها القياديّ في أحد فصائل المعارضة، وقد تمّ الإفراج عنها في عمليّة تبادل للأسرى، خرجت بموجبها رحاب نحو المناطق المحررة.

وبسبب تعنّت زوجها ورفضه الخروج إلى المناطق المحرّرة، حاولت عائلة رحاب إقناعها بالانفصال عنه، لكن رحاب -كما قالت صديقة مقرّبة منها- غلبتها عاطفة الأمومة، وقررت الانضمام إلى عائلتها، على الرغم من تحذيرات عائلتها لها من العودة، ومصارحتهم لها بأنهم ليسوا مسؤولين عمّا يحصل لها في حال عودتها، وهذه التحذيرات كان باعثها الخوف من نظام تعوّد الغدر ونكث الوعود.

لم يمضِ على عودة رحاب ثلاثة أشهر، حتى تعرّضت للاعتقال مرّة أخرى هي وعائلتها كلّها هذه المرّة، وما يزال مصير رحاب وعائلتها حتى هذه اللحظة مجهولًا.

وهناك حالات أخرى من تمزّق العوائل وتفكّك عراها، سببها القريب أفراد من نفس التوجّه، أمّا السبب البعيد فهو النظام الذي أعلن الحرب على كلّ من سوّلت له نفسه شقّ عصا الطاعة والخروج عليه.

اهتزازات كثيرة وشروخ عميقة طالت الأسرة السورية، وهذا الانقسام أتى نتيجة طبيعية لحجم الأهوال التي أحاقت بالمجتمع السوري، وخلخلت أسرًا عُرفت بتماسكها، لتصل العلاقة في بعض الأحيان إلى حدّ القطيعة والعداء.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق