مقالات الرأي

فتح المعابر لا يغيّر الحقائق

أطلق فتح معبري نصيب، والقنيطرة، واحتمال فتح معبر البوكمال، وأيضًا معابر بين مناطق “روسيا وتركيا” في إدلب، نقاشًا سوريًا أكّد الهزيمة المُرّة للثورة وفصائلها، وانتصارَ النظام وعودة مكانته إقليميًا. وتتضمن الفكرة أنّ سورية والنظام الإقليمي يمكن إعادتهما إلى ما قبل 2011.

لا شك في أن هناك هزيمة حصلت بالفعل للثورة، ولكن من هي القوى المتحكمة حاليًّا في سورية؟ أهي قوة النظام حقًّا؟ وما هي أوضاع النظام الآن؟ فإذا كانت روسيا تحاول استعادة اللاجئين واستجلاب الأموال وإعادة الإعمار، أليس هذا يعني أن هناك نقصًا في أعداد الشعب وفي المال! وبوجود ذلك عن أي انتصار يُحكى؟

في سورية بقايا نظام أمني وعسكري، ومؤسسات تعليمية واقتصادية وخدمية في غاية السوء، وأمّا الفقر فهو، وفق إحصاءات 2015، تجاوز نسبة 85 بالمئة من السكان. أيضًا، من يأتي إلى سورية عبر المعابر كما الأردنيين، فإنّهم لن يغيروا شيئًا يُذكر بالوضع الاقتصادي، ولن يحركوا السوق، وستكون نتيجة تجارتهم مقتصرة على بعض القطاعات، في مناطق محدّدة بعينها؛ ولن تكون نتائج الحركة التجارية ذات قيمة على كافة المعابر، ربما فقط سيستفيد بعض أمراء الحرب!

إذًا، هل تجاوز النظام أزمته؟ لا، فالحلّ يكمن في أموال الاستثمار الخارجية وربما الداخلية.. وهذه لن تأتي قبل الانتقال إلى الاستقرار السياسي والحل السياسي، الذي سيكون بالضرورة مراعيًا لمصالح تركيا وأميركا وأوروبا، وهذا يعني بالضرورة تغييرًا جديًّا في النظام السياسي؛ كل طبخة سياسية لا تراعي ذلك ستكون طبخة حجارة قاتلة، وقد تتجدّد الانتفاضات هنا وهناك.

أيضًا، عن أي انتصار يجري الكلام، وتركيا وروسيا وأميركا وإيران و”إسرائيل” تحتلّ أجزاء من الأرض والشعب السوري؟ علينا توخي الحذر ومراجعة الواقع؛ فالسوريون هُزموا جميعًا، النظام أقلّ المهزومين، وهو لن يكون أكثر من أداة بيد من يحميه.

إقليميًا، هل الوضع الإقليمي مستقر؟ ألم تتجدّد التظاهرات الضخمة في العراق والأردن، وهل في لبنان أيّ استقرارٍ من أصله؛ أكثر من ذلك: هل كل دول الإقليم مستقرة، بدءًا من تركيا وإيران وحتى روسيا؟ “إسرائيل” لها وضعها الخاص، وهو وضعٌ أميركي – أوروبي أكثر مما هو إقليمي.

أكرّر، في سورية هناك هزيمة كبرى، واحتلالات، وهناك أزمة عالمية كبرى، تطال كل الدول المتدخلة في سورية، وبالتالي ليس من عودة إلى ما قبل 2011، وهناك أزمات جديدة تتراكم في سورية ومحيطها، وهذا يقتضي بحثًا مختلفًا عمّا تتحوّلُ إليه الأوضاع، وكيف تستقر، وكيف ستنفجر، نعم كيف ستنفجر. والسؤال لماذا ستنفجر؟ قلت إن نسبة الفقر وصلت، في الأعوام السابقة، إلى أكثر من ثمانين بالمئة، وهي نتاج سياسات الليبرالية الجديدة، التي لم تتغير لا في تونس ولا مصر ولا سواها، ولهذا هناك أوضاع في غاية التأزم، وستتجدّد التظاهرات، وهي تندلع تباعًا من المغرب إلى العراق، وعالميًّا (لنلاحظ التأزم الاجتماعي الشديد في إيران). أقصد أن سياسات الليبرالية والإفقار والتهميش والفساد والنهب، وعدم تلبية احتياجات الوضع الاقتصادي والاجتماعي، والعودة إلى الدكتاتورية “مصر”، ستفجر الأوضاع العربية بالضرورة.

الطائفية في لبنان والعراق، والدكتاتورية في مصر وإيران، والحرب المستمرة في ليبيا، والحرب الخارجية في اليمن، والاحتلال في سورية؛ أقول كلّها أوضاع تمنع تحقّق الاستقرار بكل أشكاله، فهل سيغيّر فتح بعض المعابر كلّ هذه المعطيات؟

النظام يفرض ضرائب كلّ يوم تقريبًا، ويفتح المعابر، ويطلق قوانين طائفية (المرسوم 16 وقد صار القانون 31)، والسرقة مستمرة لأموال وبضائع المساعدات، وسوى ذلك، ولكن ذلك لم يغير من الوقائع التي تتراكم ضد مصالح أغلبية السوريين. أضف إلى ذلك أن توقّف الحرب سَيُظهر عمقَ الأزمة في مناطق الموالاة، وسيبدأ الاقتتال الداخلي بين قادة المجموعات نفسها، وقد سارع النظام إلى حلّ معظمها، تخوفًا من توسع ذلك الاقتتال. إذًا هناك مشكلات تتعقّد، حتى محاولة روسيا إعادة قسم من الأهالي قد تفجر الوضع كذلك؛ فكلّ من سيأتي -على قلّتهم- سيجد نفسه بلا عمل ولا مال ولا طعام ولا مسكن. النظام لم يتمكن من فرض سيطرته على درعا، ولن يتمكن، وهناك مناطق واسعة خارج سلطته في حماة وحلب وإدلب والحسكة والرقة والدير، وبالتالي عن أيّ انتصار يُحكى؟!

قصدت أن الوقائع المتراكمة في سورية لا تُختصر بالمعابر، ومن الخطأ إيلاء الأمر أهمية أكبر مما تستحق. مشكلة سورية حاليًا هي حالة التهجير وفقدان الروابط السياسية بين المهجرين، وكذلك فقدان أيّ فاعلية لهم، والأمر ذاته في داخل سورية؛ فتظاهرات إدلب خفتت كثيرًا، ومعظمها مسيطر عليها من (هيئة تحرير الشام) وبعض الفصائل، وبعضها القليل مستقلّ بلا شك، وبالتالي هناك فقدان للفاعلية الثورية والمستقلة؟

كتبتُ أكثر من مرة أن الوضع لن يتغيّر، قبل حصول التوافق الدولي والإقليمي على مستقبل سورية، وإجراء محاصصة كاملة لصالح الدول المتدخلة؟ هذا يعني أن وضع سورية كارثيٌّ بالفعل، ومواقف معارضتها محدّدة بما تريده الدول المتدخلة، ومن هنا نجد صراعات سياسية عديمة الجدوى والمعنى، كالصراع على تمثيل الثورة (وأين الثورة)، وعلى تمثيل المعارضة (وأين المعارضة). هذه أفعال تعطي فكرة عن طبيعة المعارضة، ودورها الهامشي، وانتهازيتها، والقدر الكبير من تبعيتها للخارج، وعدا كل ذلك، عدم فهم طبيعة النظام حاليًا، بل ومن قبل.

حقائق الوضع السوري الكارثية تقول بضرورة تشكيل نشاطات محدّدة بمهمات محدّدة، كأنشطة ثقافية أو حقوقية أو نسائية، وجلسات نقاش، وتتناول ما آلت إليه الأوضاع، وألا تكون شللية أو حزبية أو تابعة لتمويل خارجي. عكس ذلك فإن استمرار الشلليات المتصارعة يمثل شكلًا من أشكال الهزيمة، التي يغوص فيها السوريون عميقًا.

أخيرًا، لا قيمة لفتح المعابر؛ ما لم يحدث توافق دولي وإقليمي، والتغيرات المستجدة، من تقارب تركي أميركي، يناقضها تباعد روسي أميركي، وبهذا الإطار؛ لا قيمة لاستقالة دي ميستورا، ولا للمجيء بدي ميستورا جديد.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق