بادر مؤخرًا عشرات من رجال الأعمال السوريين المؤيدين للأسد، في دولٍ عربية وأوروبية وأميركية وآسيوية، بتوجيه من النظام السوري، إلى إطلاق منظمة تجمع نشاطاتهم، ليطلقوا ما أسموه “المؤتمر التأسيسي” لهم في العاصمة الرومانية بوخارست. وأشار بيان إطلاق المنظمة إلى أنها تهدف إلى دعم اقتصاد نظام الأسد، فيما يسمى عملية “إعادة الإعمار”، مُعلنين أنهم سيكونون “جسر تواصل وانتماء”، سواء بتقديم الرأي والمشورة أو بالمشاركة الفعالة في عملية “البناء الاقتصادي والاجتماعي”، وأوضح رئيس مجلس إدارة المنظمة المشار إليها المهندس خلدون الموقع أن المنظمة “غير ربحية وغير حكومية، وتسعى للريادة والكفاءة في الشكل والأداء، وتشكل مرجعًا لرجال الأعمال السوريين، للحوار والتنسيق الاقتصادي والاجتماعي”، وتضمّ المنظمة -حسب قوله- “مكاتب في 23 دولة، يقيم فيها رجال الأعمال السوريين في الخارج، إضافة إلى المقيمين داخل سورية”.
سألت (جيرون) بعض رجال الأعمال السوريين المقيمين في الخارج، عن سياسات النظام السوري ومؤيديه، هل تسعى لجذب أموال رجال الأعمال في الخارج، في ظل إحجام غربي عن دعم أيّ عملية لإعادة الإعمار في سورية قبل تحقق انتقال سياسي، وعن مقاصد هذه المبادرات هل هي محاولات للهروب من العقوبات القائمة على النظام السوري؟
عبد الرحيم خليفة، الكاتب ورجل الأعمال السوري المقيم في رومانيا، قال لـ (جيرون): “تأتي الخطوة في ظل موقف أميركي وعالمي برفض إعادة الإعمار قبل إنجاز الحل السياسي وانتقال السلطة وفق قرارات الشرعية الدولية، عكس المسعى الروسي المقصود منه تعويم النظام وإكسابه شرعية جديدة”، ونفى أي إمكانية لنجاح النظام في ذلك، وقال: “لا أعتقد أن النظام سينجح في مسعاه لجذب رؤوس الأموال السورية خارج المنتفعين من سلطته، والمحتكرين معه للاقتصاد والموارد العامة، والمتطلعين دومًا لإيجاد فرص جديدة تشبع نهمهم لمزيد من السرقة والاختلاس، بحكم بنية النظام التي قامت بالأصل على الفساد والنهب العام المنظم”. وأضاف: “رأس المال بطبيعته جبان، ويبحث عن بيئة آمنة ومستقرة، وهو ما لا يتوفر حتى الآن، وبكل الأحوال فإن ما تحتاج إليه سورية لإعادة إعمارها يفوق قدرة هؤلاء وإمكاناتهم، وبالنظر إلى الأسماء المشاركة؛ نعرف أن هؤلاء ليسوا من فئة (الكبار) ممن لهم سمعة في مجالات الصناعة والتجارة، وهنا يجب التنبيه إلى أن في سورية وخارجها فئةً مهمة من رجال الأعمال وقفت إلى جانب شعبها، ورفضت الاندراج في أتون السلطة الناهبة لخيرات الوطن السوري ورفضت أساليبها”.
وأشار إلى أن اختيار رومانيا لعقد المؤتمر التأسيسي “ذو صلة وثيقة بممثل النظام في العاصمة بوخارست (وليد عثمان) وهو حمو رجل الأعمال رامي مخلوف، شريك بشار الأسد في استثمار أموال عائلة الأسد، وبوجود قوي لمجموعة من الفاسدين الذين استفادوا من ظروف التحول الاقتصادي في رومانيا بداية التسعينيات من القرن الماضي، وأسسوا لأنفسهم ولعائلة الأسد ممالك مالية من مهرباتهم التي سرقوها من قوت الشعب السوري”، وانتهى إلى القول: “هي خطوة لن تجلب الاستثمارات ولن تجنبه العقوبات أو الحصار المزمع، ولن تمنحه الشرعية، وتعيد تعويمه كشريك في مستقبل سورية“.
أما رجل الأعمال السوري المقيم في بريطانيا عمر يونس فقد أعرب لـ (جيرون) عن قناعته بأن أي رجل أعمال مُدرك “لا يمكن أن يقبل أو حتى أن يُفكر في أن يُقدم على خطوة كهذي في سورية الآن، وكما هو شائع فإن رأس المال جبان، وخاصة عند رجال الأعمال السوريين المؤيدين للعصابة الطائفية المحتلة. ثم هل نسينا أن معظمهم بل جميعهم هرَّبوا أموالهم وهربوا معها خارج سورية، لذلك فعملهم هذا ليس سوى دعاية مدروسة في أقبية الظلام الأسدي لا أكثر ولا أقل”، وتابع: “لن يتجرأ أيٌّ من رجال الأعمال السوريين أو العرب على الاستثمار أو المشاركة في إعادة الإعمار، على رمال سورية المتحركة“.
محمد عمر كرداس، وهو معارض سوري ورجل أعمال مقيم في الدوحة، أكد أن موضوع إعادة الإعمار في سورية هي “محلّ تجاذب بين فريقين: فريق روسيا وحلفائها وفريق أميركا وحلفائها، فروسيا من جانب تريد البدء بعودة النازحين واللاجئين والمهجرين الذين يُعدّون بالملايين وإنهاء المسألة بإعادة الإعمار واستقرار الأمور لها، لتتخلص من أعباء كثيرة أصبحت تتحملها، مما يؤدي إلى إنهاكها اقتصاديًا ومحاصرتها سياسيًا، أما أميركا ومن معها فتضع الشروط والأولويات مقابل الطرح الروسي، فهي تشترط قبل خروجها من المناطق التي تحتلها وتقيم فيها القواعد العسكرية، خروجَ إيران وتوابعها، والبدء بالعملية السياسية حسب مسار جنيف، وقرارات الأمم المتحدة، وطبعًا الحلف الأميركي يضم المراكز المالية والاقتصادية والدول الغنية التي يعوّل عليها في إعادة الإعمار“.
وأضاف: “روسيا التي تريد الانفراد بالوضع السوري، بصفتها حاملة للعبء الأكبر، بدأت تخط مسارات في أستانا وسوتشي لتخطي جنيف وقراراتها التي بقيت تراوح مكانها، وخلصت إلى اختصار المجتمع الدولي بها وبإيران وتركيا”، وأضاف: “في خضم هذه التجاذبات ووقوف كل طرف عند محدداته؛ سيبرز كثير من الهيئات والتجمعات والجمعيات على أطراف المعسكرين، منها من يعمل لبدء عملية إعادة الإعمار، ومنها من يعمل للعكس، لكن الجمعية التي ذُكرت بالخبر لا معلومات موثقة عنها، وإذا كانت هذه المجموعة مدفوعة من أطراف بالنظام؛ فهي محاولة للالتفاف على العقوبات الدولية، ومحاولة اختراق الموقف الأميركي وإضعافه، خصوصًا إذا تجاوبت أطراف دولية مع هذا الموقف ممن يعول عليهم في إعادة الإعمار، لكن قبل إعادة الإعمار لا بد من العمل على التخلص من الهدر والفساد والإهمال واللامبالاة في القطاع الحكومي، كل ذلك لن يتمّ على يد رجال أعمال فاسدين، لا تهمهم مصالح الشعب والوطن، إنما يتمّ بأن توضع البلاد على طريق عملية سياسية حقيقية، نادينا بها كتجمع وطني ديمقراطي منذ عام 1980، عملية تؤدي إلى تغيير وطني ديمقراطي حقيقي. وكل المحاولات لتجاوز مسار جنيف وقرارات الأمم المتحدة التي قبل بها الجميع، ستطيل من عمر الأزمة وستزيد من معاناة شعبنا“.
أما بدر الدين قربي، رجل أعمال سوري مقيم في كندا، فقال لـ (جيرون): “ما لم يكن هناك تغيير سياسي، فكل عمل اقتصادي أو ما يسمى إعادة إعمار، هو عمل لا مستقبل له. لا مستقبل لسورية مع استمرار نظام القمع والقتل، ومن يرَ خلاف ذلك فهو نصير للمجرمين والمتوحشين في الحكم السوري. النظام الكيمياوي سوف يبذل جهوده في التستر بهذه المؤتمرات التشبيحية، تحت اسم الدعم وإعادة الإعمار، وسوف يشارك فيها شبيحة المال عمومًا من قبل ومن بعد، لو حصلت، وسوف تكون بالنسبة إليه شكلًا من أشكال الهروب إلى الأمام، وتكون بالنسبة إلى رجال الأعمال المشار إليهم فرصة جديدة للنهب والفساد الاقتصادي القوي، وبناء اقتصاد دولة يحتاج إلى استقرار سياسي بعيدًا عن الاستبداد والقمع، وإن حصل بعض الطفرات، فلا يعتدّ بها“.
علاء الدين زيات، المدير التنفيذي لإحدى منظمات المجتمع المدني، كان له رأي مختلف، حيث قال: “أعتقد أن الكثير من الاستنتاجات كوسم هؤلاء الاقتصاديين بكونهم رجال أعمال النظام، في حين أجد أنهم اقتصاديون يبحثون عن استرجاع استثماراتهم التي غادرت البلاد مع كل أسف إلى المهجر، وبشكل خاص إلى مصر التي أسس فيها رجل الأعمال خلدون تجمعًا لرجال أعمال سوريين”، وأضاف: “من وجهة نظري، فإن تجمعًا اقتصاديًا يطلق على نفسه أنه غير ربحي وغير حكومي، أتصوّر أنه، وإن كان غير أصيل، يشير إلى دفعة جديدة من المفاهيم تمرّ إلى التداول السياسي، كواقع مستحدث وانعكاس لتغييرات 2011، وأظنها ظاهرة جديرة بالمراقبة. من ناحية أخرى نتوقع أن ملف إعادة الإعمار يوضع على نار هادئة، ولكن الاحتكارات الكبرى يسيل لعابها منذ اليوم وتحسن شروط تدخلها الاقتصادي عبر تحسين شروط تدخلها السياسي“.
يرى زيات -حسب ظنه- أن “من حق اقتصاديين سوريين أن يفكروا أيضًا في الانخراط في هذه العملية، على الرغم من أنهم لا يقدرون ولا يريدون ربطها بأي عملية سياسية. إن النهب الاقتصادي المقبل في سورية، في ظل عمليات تجميل بنية النظام عبر التطعيم والتغييرات الشكلية ولفلفة القضية الوطنية، سيفتح مجالًا واسعًا لقوى جديدة مختلفة، تكون ضاغطة على المستوى السياسي لتمرير المشروعات الاقتصادية، في ظل تراجع اقتصاديات الحرب وانحسار داعميها. تلك الاقتصاديات التي كانت مجالًا كبيرًا لرأسماليات حرب ميليشياوية لدى جميع المتصارعين، وعليه فإن تمرير اقتصاديات مدنيّة سلميّة برساميل سورية أعتقد أنه قد يساهم في تقليص مساحة اقتصاد الحرب، بغض النظر عن مدى عدالته وطبقيته ولكنه عنصر في اللوحة، وعلى المجتمع المدني أن يكرس جهده مشترطًا دعم تلك الاقتصاديات الراغبة في إحداث انعطاف في البنية المجتمعية، من حيث السلام والاستقرار والعدالة؛ ما يعزز مشروعية أعلى لمشروع التغيير السياسي المقبل، ويسمح بإرساء قواعد جديدة للعبة السياسية في البلاد“.
تعليق واحد