رحبت القيادة المتنفذة بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي تسعى دومًا لتبييض صفحة النظام السوري، على الرغم من جرائمه المستمرة في حق الفلسطينيين السوريين منذ سبع سنوات، بإعلان نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، حول “صدور قرار رسمي يسمح بعودة جميع أهالي مخيّم اليرموك جنوبي دمشق، إلى بيوتهم”.
الترحيب الفلسطيني جاء على لسان أحمد أبو هولي، عضو تنفيذية المنظمة ورئيس دائرة شؤون اللاجئين فيها، الأربعاء، إذ قال: إنّ “قرار الحكومة السورية هو استمرار لمواقفها المبدئية الداعمة للقضية الفلسطينية ولحق شعبنا الفلسطيني في استعادة أرضه، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس”. زاعمًا أنّ القرار يمثل دعمًا للفلسطينيين “في مواجهة المشاريع والمخططات التي تسعى لتصفية قضية اللاجئين، من خلال ما يسمى بـ”صفقة القرن” الأميركية.
من جانب آخر، رحبت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بإعلان المقداد، مناشدة الدول المانحة تقديم الدعم لها لتتمكن من تقديم الخدمات اللازمة.
وقال المتحدث باسم (أونروا) كريس غينيس، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس): “ترحب (أونروا) بقرار الحكومة السورية السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم في مخيّم اليرموك”. معتبرًا أنّ القرار سيلقى ارتياحًا لدى الفلسطينيين. ودعا المسؤول الأممي المجتمعَ الدولي إلى “تقديم الدعم لـ (أونروا) للسماح للوكالة بتوفير الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم للاجئين الفلسطينيين العائدين إلى اليرموك”.
يأتى ترحيب منظمة التحرير ووكالة (أونروا) غداة إعلان دمشق على لسان نائب وزير خارجيتها فيصل المقداد، أنّ السلطات السورية أعدّت خطّة لإعادة جميع اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يقطنون في اليرموك إلى المخيّم الذى دمّرته سنوات طويلة من الحرب.
وقال المقداد، في لقاء مع فضائية (الميادين)، المقربة من إيران و(حزب الله): إنّ “هناك جهودًا تبذل لإزالة الألغام التي خلفتها الجماعات المسلحة في مخيّم اليرموك، ولا سيما (داعش)”. معلنًا أن “لا مانع في أن يكون هناك دور للسلطة الفلسطينية أو (أونروا) في إعادة إعمار مخيّم اليرموك”، ولم يحدد المقداد تاريخ العودة أو الإجراءات التي يجب اتخاذها لتأمين عودة سكانه من الفلسطينيين. غير أنه أكد أنّ “هناك دولًا ما زالت تعرقل عودة اللاجئين السوريين والفلسطينيين إلى مناطقهم رغم التسهيلات”، مشيرًا إلى أنّ “هناك رغبة سورية في قطع أي إشاعات حول تهجير الفلسطينيين، ولا سيما في مخيّم اليرموك”.
ابتزاز المجتمع الدولي وتسول دعم المانحين
محللون سياسيون عرب رأوا أنّ “قرار نظام الأسد يفتقر -على افتراض جديته- إلى إمكانية التنفيذ، بسبب المعطيات الفعلية على الأرض، واستحالة العيش في المخيّم ضمن الظروف الراهنة، واستحالة عودة اللاجئين السوريين والفلسطينيين في الخارج إلى سورية، ضمن الشرط السياسي الحالي”. لافتين النظر إلى أنّ “القرار السوري الذي أعلنه المقداد، بشكله السياسي، جاء خاليًا من أي تاريخ أو جدول زمني لسريانه وبدء تنفيذه والسماح للأهالي بالعودة”. واعتبر هؤلاء أنّ “القرار يتناقض مع توجهات النظام الرسمية التي سبق أن أعطت تعليماتها لإنشاء مخططات تنظيمية جديدة للمخيّم، أسوة بباقي المناطق المدمرة”. مؤكدين أنه “على الصعيد السياسي تأتي خطوة النظام المعلنة من قبل نائب وزير خارجيته، في إطار ابتزاز المجتمع الدولي وتحميله مسؤولية عدم عودة اللاجئين، في مسعى من النظام لخلط الأوراق ورمي الكرة في ملعب الآخرين، مفضلًا الدخول هذه المرة من البوابة الفلسطينية ذات الحساسية والرمزية العالية، سوريًا وعربيًا ودوليًا. وتندرج أبعاد الخطوة السياسية الاقتصادية ضمن إطار تسول الدعم الدولي بصيغ مناطقية مجزأة لـ (إعادة الإعمار) التي يعجز النظام عن القيام بها بمفرده أو مع حلفائه”.
ناشط حقوقي من أعضاء (لجنة الإشراف على إزالة الأنقاض والركام من مخيّم اليرموك) فضّل عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، قال لـ (جيرون): “إنّ حديث النظام عن عودة الأهالي للمخيّم، وهو أنقاض، قبل أن يتم تأهيل البنية التحتية فيه، التي سُرقت من قِبل عناصر الجيش والدفاع الوطني (الشبيحة)، حديثٌ يراد منه الاستثمار الإعلامي والسياسي؛ لتجميل صورة النظام، محليًا وعربيًا ودوليًا”. مؤكدًا أنّ “العودة لن تكون قريبة، لاستحالة الحياة في المخيّم”. لافتًا النظر إلى أنّ مثل هذه الدعوة حصلت قبل ذلك في بلدة داريّا، حيث سمح النظام للأهالي بالعودة قبل عدّة شهور، ولكن ذلك لم يتم، لأنها كانت دعوة للعودة إلى الأنقاض.
(لجنة الإشراف على إزالة الأنقاض والركام من مخيّم اليرموك)، كانت قد أكدت الأربعاء، في بيان وصلت إلى (جيرون) نسخة منه، أنّ العمل مستمر بوتيرة متسارعة مع التنظيف اليومي للشوارع الفرعية، حيث يتوقع أن تكون كل الشوارع الرئيسية والحارات الفرعية نظيفة قريبًا جدًا، بينما تقوم الآليات الثقيلة بالتخلص من الأبنية الآيلة للسقوط، حيث باتت الظروف مهيأة للانتقال إلى المرحلة التالية من مشروع إعادة الأهالي، والتي لم يتم تحديدها زمنيًا نظرًا إلى الدمار الهائل في الأبنية، وعدم توفر بنية تحتية ملائمة للعيش.
وحسب اللجنة المشرفة على إزالة الأنقاض، التي تضم مهندسين وخبراء، فإن حجم البيوت المدمرة بشكل كلي في المخيّم بلغ نحو 20 بالمئة، فيما 40 بالمئة من الأبنية صالحة للسكن، أو بحاجة إلى إصلاحات وترميم.
وفي السياق، دعت (مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية)، التي تتخذ من لندن مقرًا لها، في بيان صحفي إثر تصريحات المقداد، حكومةَ الأسد إلى اتخاذ كل الإجراءات العملية لتنفيذ القرار والبدء بتجهيز البنية التحتية للمخيّم، من ماء وكهرباء وصرف صحي واتصالات، وتسريع دخول فرق الهندسة لرفع الألغام لتأمين العودة الآمنة للاجئين، والسماح بدخول مواد البناء لإعادة إعمار ما تهدم منه، وتقديم التسهيلات اللازمة لذلك.
(أونروا): لدينا 32 منشأة مدمرة في مخيّم اليرموك
مدير عام وكالة (أونروا) في سورية محمد عبدي أدار قال، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية: إنّ هناك 32 منشأة مدمرة في مخيّم اليرموك من بينها 16 مدرسة، مشيرًا إلى أن وكالة الغوث قامت في العشرين من الشهر الفائت بجولة تفقدية في مخيّم اليرموك، من أجل معاينة مؤسسات (أونروا) وتحديد الأضرار بعد الموافقة الرسمية من النظام السوري، منبهًا إلى أنه تم تشكيل لجنتين فنيتين، لتقديم تقرير شامل عن أوضاع المنشآت لرفعها للمفوض العام للوكالة.
وكان المخيّم يضم، قبل تدهور الأوضاع الأمنية فيه، في عام 2012 عدّة مراكز للوكالة، منها مستوصفان دُمّرا بالكامل، ومركز تأهيل مهني، ومركز دعم الشباب. إضافة الى (28) مدرسة للوكالة تعمل بنظام الفترتين من أصل (112) مدرسة للوكالة في المخيّمات والتجمعات الفلسطينية في سورية. وتعاني (أونروا) أزمة تمويل حادة، يضاف إليها عزوف العديد من المانحين عن دعم إعادة الإعمار في سورية.
ردات فعل فلسطينية
الأمين العام المساعد للجبهة الشعبية – القيادة العامة، أبرز الفصائل الفلسطينية الموالية للنظام الأسدي طلال ناجي، أكد في تصريحات لفضائية (الميادين)، الأربعاء، أنّ “النظام السوري سيسمح بالعودة لكل الأهالي من سكان مخيّم اليرموك، أما الذين شاركوا في القتل؛ فهم لن يعودوا أصلًا”.
فيما قال أنور رجا، مسؤول الإعلام في القيادة العامة، في حديث إلى (الميادين): إنّ “مخيّم اليرموك أصيب بأضرار بالغة، وأجزاء منه مدمرة بالكامل، والعودة ستتم عبر خطوات منظمة”. ووفقًا لما نقله رجا عن فيصل المقداد، فإنّ العودة ستتم وفق “خطوات منتظمة”، من دون الحديث عن فحوى تلك الخطوات، أو تحديد جدول زمني للبدء بعودة الأهالي إلى المخيّم.
إلى ذلك، اعتبر مدير عام “الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين” في لبنان علي هويدي، أنّ القرار الرسمي الذي أصدرته الحكومة السورية، بعودة أهالي اليرموك إليه، مؤشرٌ إيجابي واستراتيجي لتكريس وجود ودور المخيّم على المستوى السياسي، ولمباشرة وكالة (أونروا) بالبدء في عملية إعادة الإعمار لمنشآتها.
يُعدّ مخيّم اليرموك أكبر تجمع لللاجئين الفلسطينيين في الشتات، حيث كان عدد المقيمين فيه، قبل بدء الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، نحو 160 ألف نسمة -من الفلسطينيين- قبل تعرضه للقصف بطيران الميغ في كانون الأول/ ديسمبر 2012. أما الآن فيقتصر الحال على وجود بضعة آلاف من المدنيين في المخيّم، وذلك بعد خمسة أشهر من إعادة سيطرة قوات النظام عليه، بعد عملية عسكرية شنّها يوم 21 نيسان/ أبريل 2018، دامت ثلاثة وثلاثين يومًا استخدمت فيها جميع صنوف الأسلحة، أدت إلى سقوط ما يقارب 33 مدنيًا وعشرات الجرحى ودمار حوالي 80 بالمئة من مباني اليرموك وممتلكات سكانه، التي تعرضت للنهب (التعفيش) من قبل قوات الأسد في مرحلة لاحقة.