الصورة: مقاتل معارض سوري من جبهة التحرير الوطني ينظر باتجاه مناطق سيطرة النظام في شمال محافظة حلب، 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2018. (عارف وتاد/ الوكالة الفرنسية/ صور جيتي).
عيّنت الأمم المتحدة مبعوثًا جديدًا لها في سورية، يمكنه -مبدئيًا- تحويل مقاربة الأمم المتحدة لحل الصراع. فبدلًا من إبقاء العملية السياسة على قيد الحياة، وهي غير قادرة على تقديم أي إصلاح حقيقي، على المبعوث الجديد النرويجي، غير أو بيدرسون، أن يجمد المسار الحالي للأمم المتحدة، من أجل الضغط على الفاعلين الدوليين والسوريين، الكثير من هؤلاء ما يزال ينتظر موافقة الأمم المتحدة، ليشاركوا على نحو أكثر جدية فيها. بالمختصر: يحتاج المبعوث الجديد إلى قتل العملية السياسية؛ لينقذ مستقبل أي مفاوضات سياسية تقودها الأمم المتحدة.
كرّس المبعوث الخاص المنتهية ولايته، ستيفان دي ميستورا، السنوات الأربع الأخيرة لمحاولة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. السنة الماضية، على وجه الخصوص، ركز على دفع عملية الإصلاح الدستوري، التي من المفترض أن تقود إلى انتخابات برعاية الأمم المتحدة. ولكن هذا المسار في طريق مسدود الآن.
ظهر أن الرئيس السوري قد خرج منتصرًا في الحرب الأهلية- وإن لم يسيطر على البلد بأكمله- وهو حاليًا غير مستعد لتقديم تنازلات سياسية ذات معنى. وقد صرح وزير الخارجية السوري مؤخرًا، وأخبر دي ميستورا في زيارته الأخيرة إلى دمشق، في تشرين الأول/ أكتوبر، أن لا مجال للتدخل الخارجي في إصلاح دستور البلد.
في الوقت الذي تدّعي فيه روسيا، وهي الداعم الخارجي للأسد، أنها تدعم العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، أوضحت موسكو كذلك، أنها تتوقع أن يكون الأسد هو من يقود هذه العملية، ولم تظهر [موسكو] أي استعداد لدفع دمشق نحو تنازلات ذات مغزى. في النتيجة، يمكن أن يؤدي الدعم الدولي ودعم الأمم المتحدة لهذا النهج، إلى أسوء نتيجة ممكنة: الاستمرار في البحث عن قاسم مشترك الأدنى، حتى يتم تأمين ضمانات دولية في إصلاحات لا معنى لها، وعملية انتخابية جوفاء. وعلى الرغم من أن هذا قد يوفر الرضا للجهات الفاعلة الدولية المستثمرة في تأمين مظهر خارجي للاتفاق السياسي، فإنه لا قيمة له على الأرض.
لقد أبقى دي ميستورا العملية السياسية على قيد الحياة مدة طويلة، حتى عندما لم يكن هناك سبب لاستمرارها، على أمل أن يغيّر اللاعبون الخارجيون المعادلة لمصلحته. ولكنها فشلت، ليس بسبب دي ميستورا ولكن بسبب اللاعبين الدوليين -ومن ضمنهم روسيا وإيران وتركيا- الذين عملوا القليل في الضغط على حلفائهم السوريين للانخراط الجدي.
وبدلًا من ذلك، استفاد الفاعلون السوريون والدوليون من استمرار التغطية السياسية التي وفرتها مبادرات دي ميستورا، لتعزيز طموحاتهم المتعارضة على الأرض.
روسيا والأسد كانا في قلب هذه العملية الخادعة، حيث ضغطتا من أجل تحقيق مزيد من المكاسب العسكرية، حتى حين أعربا عن دعمها للمحادثات الجارية. ولكن لم يكونوا وحدهم كذلك. بينما شجّع قرار الرئيس دونالد ترامب الأخير، على إعادة التزام الولايات المتحدة بالمشاركة السياسية في سورية، داعمي المعارضة، فإن سياسة الولايات المتحدة اليوم تركز على طرد إيران من البلد؛ ما يعني أن العملية السياسية وصلت إلى النهاية، وبات كل من يراهن على الدعم الأميركي المستمر للعملية السياسية يشعر بالإحباط.
لا بد أن على بيدرسون أن يخلق تأثيره الخاص، من خلال كشف المواقع الفارغة للفاعلين السوريين والخارجيين. وعوضًا من إبقاء العملية السياسية على قيد الحياة، عليه تجميد رعاية الأمم المتحدة لها، وأن لا يدير عملية زائفة، وعليه الالتزام بالانخراط فيها بمجرد أن تكشف جهات فاعلة أي التزام حقيقي بتحريكها قدمًا.
وما دامت روسيا، على وجه الخصوص، قد تعارض هذا النهج، ربما يكون الأمل الوحيد للمبعوث هو إعادة أهمية الأمم المتحدة، وحقن العملية السياسية ببعض من الزخم. في المحصلة، يقدم بيدرسون تقاريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، وسوف يكون دعمه حاسمًا لاستدامة هذا لنهج. كذلك يمكن دعمه أوروبيًا، ومن الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضًا.
السبب في نجاح هذا النهج في إحراز تقدم محدود في سورية، هو أن عددًا من الجهات الفاعلة الرئيسة تسعى إلى الشرعية الدولية صادرة من اتفاقية سياسية مدعومة من قبل الأمم المتحدة، وبخاصة روسيا التي سعت منذ فترة طويلة للحصول على موافقة دولية لمشروعها في سورية. يتجلى ذلك في سعيها الدؤوب مع أوروبا من أجل دعم إعادة الإعمار، الذي يستند أولًا، قبل كل شيء، إلى الرغبة في تأمين دعم سياسي أوروبي لسياستها في سورية، بدلًا من الرغبة في إعادة بناء سورية.
تغيّرُ هذا النهج من طرف المبعوث الجديد للأمم المتحدة سوف يكون تحديًا لموقف موسكو. وبدلًا من أن يكون الموضوع هو الاستمرار في التزام الأمم المتحدة والدولي، سيكون العبء على روسيا من أجل الضغط على تنازلات ذات مغزى من الأسد، كمقدمة لتدخل الأمم المتحدة السياسي. ومن الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة لعبت -ذات مرة- كرة قوية على هذه الجبهة، كانت قبل انعقاد المؤتمر السوري الذي رعته روسيا في سوتشي، في كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث أقرت موسكو بمطالب الأمم المتحدة.
من جانبه يرفض الأسد الحاجة إلى شرعية من الغرب أو دعم لإعادة الإعمار. لكن وراء هذا التبجح نقاط ضعف. على سبيل المثال، عقوبات القطاع المالي الأوروبي، التي لن يتم رفعها إلا من خلال عملية مدعومة من طرف الأمم المتحدة، تمنع حتى الشركات الروسية من القيام بأعمالها في سورية. وإذا كان الأسد لا يريد المال الغربي، فهو بحاجة إلى بعض قنوات الدعم المالي الخارجي، لتلبية مطالب أنصاره بعد سبع سنوات من الحرب.
في نهاية المطاف، لن يؤدي هذا النهج إلى أي تحول، ولن يفتح آفاقًا لإجراء انتخابات عادلة وقريبة الأجل. إن السعي المستمر لكل منهما سوف يؤدي إلى نتائج عكسية؛ إذا أخذنا بعين الاعتبار وضع الأسد الآمن والطموحات الروسية. ولكن إذا كانت هناك مقاربة الأمم المتحدة أكثر حزمًا، وقد تبيّن لموسكو ولدمشق أن الحصول على دعم من الأمم المتحدة أمرٌ غير مسلّم به؛ فسوف يعطي هذا الموقف المبعوث الدولي فرصة أفضل لإرغامهما على إصلاحات سياسية على الأقل.
لا يجب فهم الموقف المتصلب للأمم المتحدة، من الناحية السياسية، على أنه فك ارتباط كامل [بمعنى الابتعاد عن العملية السياسية]. على العكس، عوضًا من الحفاظ على المسار السياسي غير النشط، على المبعوث الجديد إعطاء الأولوية للاهتمام الدولي بالتطوات الحاسمة على الأرض التي تشكل الحياة اليومية للمدنيين السوريين أكثر بكثير من العملية السياسية الراكدة.
يجب أن تكون الأولوية الحفاظ على وقف إطلاق النار الهش في محافظة إدلب؛ ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى كامل البلاد؛ العمل على تأسيس آليات الحوكمة المحلية التي يمكن من خلالها لبرنامج الأمم المتحدة أن يقوم بتوجيه المساعدات بشفافية أكبر؛ توفير الضمانات المتعلقة بالأمن وحقوق الملكية للاجئين والأشخاص النازحين داخليًا الذين يتطلعون إلى العودة؛ التركيز الشديد على ضمان معلومات حول وصول عشرات الآلاف من المعتقلين إلى عائلاتهم الذين لا يزال مصير الكثير منهم مجهولًا. يجب أن يكون التقدم في هذه القضايا أحد الشروط المسبقة الضرورية لاستئناف العملية السياسية.
في وقت يكثر فيه الحديث عن دستور جديد لتقاسم السلطة، ينبغي على مبعوث الأمم المتحدة أن يركز في البداية على إجبار الأسد على تنفيذ التدابير الدستورية القائمة في البلاد، مثل المرسوم التشريعي 107، قانون اللامركزية الذي من المفترض أن يسمح بدرجة من التحكم المحلي ذي المعنى. سيكون لدى دمشق وموسكو مساحة أقل لاتهام الأمم المتحدة بالتدخل الخارجي في القضايا السيادية؛ إذا ما ركزت الأمم المتحدة على الضغط على الأسد في فرض قوانين خاصة على سورية.
لن تحل هذه الجهود محل التسوية السياسية اللازمة لمعالجة الأساسية للحرب الأهلية السورية. لكنها ربما تساعد في خلق مستقبل أفضل للسوريين، كما ستكون تقدمًا ملحوظًا مقارنةً بما يجري الآن. وإذا فشلت؛ فإن الأمم المتحدة على الأقل قد نأت بنفسها عن عملية سياسية بلا بوصلة.
العنوان الأصلي للمادة | The New U.N. Envoy to Syria Should Kill the Political Process to Save It |
الكاتب | Julien Barnes-Dacey is the director of the Middle East and North Africa program at the European Council on Foreign Relations |
المصدر | فورين بوليسي 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 |
الرابط | |
المترجم | وحدة الترجمة والتعريب في مركز حرمون/ محمد شمدين |