ما زالت حالة عدم الاستقرار السياسي والعسكري التي تعانيها سورية، بسبب عدم جدية نظام الأسد في محادثاته مع المعارضة وغياب الرغبة الدولية في الحل، تنعكس سلبًا على حياة السوريين، في مختلف مناطق البلاد، الذين يعيشون على انتظار الحل المنتظر، لكنّ عدة أطراف محلية بدأت تناقش مبادرات قصيرة أو متوسطة المدى، لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للسوريين، في عدة مناطق من سورية.
حول هذا الموضوع، كتب ماثيو أرجي برودسكي (الباحث وخبير الشؤون الأمنية في واشنطن)، بالتعاون مع بسام باراباندي (الدبلوماسي السوري السابق في السفارة السورية في واشنطن)، تقريرًا في مجلة (ناشونال إنترست) الصادرة عن مركز (نيسكون) في الولايات المتحدة يوم الاثنين الماضي، تحت عنوان (هذه الخدعة الاقتصادية ستساعد في استقرار سورية) تناول فيها الباحثان خطة اقتصادية مقترحة، لإدارة الشمال السوري الخاضع لسيطرة النفوذ التركي، مع شمال شرق سورية الخاضع لسيطرة النفوذ الأميركي.


جاء في التقرير: “على الرغم من وجود قائمة طويلة من الخلافات بين أنقرة وواشنطن، تبقى تركيا في الوقت نفسه شريكًا رئيسًا لكل من الولايات المتحدة وروسيا، وهو موقف لا يستقيم عندما يتعلق الأمر بمستقبل سورية، لكن من وجهة نظر أنقرة، فإنَّ تحالف واشنطن مع الأكراد يمثل حجر عثرة أمام شراكة أكثر تماسكًا”.
يشير التقرير إلى أن التعاون التركي الأميركي في سورية، جاء لكبح جماح السعي الإيراني الروسي لإعادة تأهيل النظام، والضغط الروسي من أجل دفع الغرب أموال إعادة الإعمار، وإعادة اللاجئين إلى حضن النظام، كي يعاد تأهيله ويمارس سلطته على السوريين.
يقترح التقرير “إبرام اتفاقية تشكل تكاملًا اقتصاديًا بين منطقة شمال شرق سورية، مع جيب إدلب الشمالي الغربي وشمال حلب، الأمر الذي سيؤدي إلى ربط العرب والكرد مرة أخرى، على جانبي نهر الفرات، مع استبعاد المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام”.
يتم التركيز، وفق الاتفاقية المقترحة، على “التجارة، لا سيما تجارة الموارد الزراعية: القطن والقمح من الشرق، والفاكهة والخضروات من الشمال الغربي. ويُعَدُّ معظمها ضروريًّا للاستهلاك المحلي”، ولكن ذلك يوجب “الشروع في تطبيق اتفاق منبج، لتحويل المدينة إلى مركز اقتصادي للتجارة بين مناطق النفوذ التركية والأميركية، حيث تكون الطريق الأمثل لحلّ المسائل الشائكة”.

في ما يتعلق بالنفط والغاز، يقول التقرير: “يمكن للولايات المتحدة تسخير إمكانات موارد النفط والغاز السورية التي يقع 95 بالمئة منها تحت سيطرتها وسيطرة حلفائها من مقاتلي (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد)، وذلك عبر إرسال النفطِ إلى تركيا التي ستحقق ربحًا من تصفيته وتصديره إلى أوروبا، حيث يمكن إنشاء وإدارة صندوق مشترك من قبل الولايات المتحدة وتركيا وممثلين عن منطقة الجزيرة، وهو ما يسمح لهم بمنع الأرباح من تمكين أي مجموعة طائفية واحدة، على حساب الآخرين”.
يضيف التقرير: “ستؤدي عملية إعادة الدمج الاقتصادي في شمال سورية، إلى تحقيق أهداف متعددة، وبصرف النظر عن الفائدة الواضحة لنحو ما يقرب من ستة ملايين سوري، يعيشون داخل المنطقة الاقتصادية المزمعة، فإنها ستشجع أعدادًا كبيرة من اللاجئين والنازحين داخليًا على العودة، من دون خوف، وكما سيموّل الصندوق المشترك الخدمات الأساسية، ويوفر جزءًا كبيرًا من الأموال المطلوبة لتحقيق الاستقرار، ما يجذب الاستثمارات الدولية في إعادة إعمار سورية، بعيدًا عن قبضة النظام السوري”.
تعليقًا على هذه الاتفاقية المقترحة، قال الكاتب السوري شورش درويش، في حديث إلى (جيرون): “الحديث عن إمكانية ربط وإيجاد تكامل اقتصادي بين شرق الفرات وغربه يعني أن الخلاف بين تركيا و(حزب الاتحاد الديمقراطي) يحتاج إلى حلول تدريجية طويلة الأمد، ولا يمكن إقناع تركيا بوجوب العمل بين المنطقتين بيسر وسهولة؛ لأن هذ الأمر يعني اعترافَ تركيا بالحزب، وهذا الأمر بالتحديد هو العقدة التي تعاني منها العلاقة الأميركية التركية، ويستحيل تجاوزها عبر خطط اقتصادية، مهما كانت مفيدة لمواجهة النظام والروس والحضور الإيراني”.
أضاف درويش: “الحديث عن مشاريع اقتصادية مفيدة أمرٌ يبدو حالمًا وبعيدًا عن التفكير في العقبات التي تعترض تنفيذها، بالتالي لا بدّ من البحث عن حلول سياسيّة جدية، قبل الشروع في بناء علاقات اقتصادية بين شرق الفرات وغربه، والحلّ السياسي أيضًا يرتبط بمدى قبول تركيا بوجود منطقة حكم ونفوذ كردي، ومدى سعي واشنطن لإقناع تركيا أن هذه المنطقة لن تشكل تهديدًا لأمنها القومي”.
يؤكد التقرير أن هذا “النموذج الاقتصادي سيشجع على ظهور قادة سوريين جدد، ومشاركتهم في أي مفاوضات جادة مع نظام الأسد، وربطها بجنيف سيشير إلى أن المجتمع الدولي لن يقسم سورية، كما ترسل رسالة للنظام أنه لن يتم استغلال موارد شرق البلاد لتغذية النشاط الاقتصادي في المدن السورية الرئيسة التي تقع تحت سيطرة نظامه، دون القبول بالانتقال السياسي”.
في الموضوع ذاته، قال بسام قوتلي، رئيس (مجموعة العمل من أجل سوريا_ أحرار)، لـ (جيرون): “قمنا في مجموعة (أحرار) بطرح فكرة مماثلة على المجتمع الدولي، تتمثل في تحقيق تكامل بين شرق وشمال سورية، حيث يمكن للسوريين تحقيق النموذج السياسي التحرري الذي يطمحون إليه”.
وكانت مجموعة (أحرار) قد طرحت قبل عدة أشهر مبادرة، من أجل تمكين الإدارات المحلية الذاتية في مناطق نفوذ تركيا والولايات المتحدة، عبر تنظيم القوى الأمنية في كل مدينة، وتسليم إدارة المناطق لإبنائها عبر انتحابات نزيهة تتم بإشراف تركي أميركي، حيث تتم الاستفادة من موارد هذه المناطق وتصبح نموذجًا يمكن للنازحين واللاجئين الاستقرار فيه خارج سيطرة نظام الأسد، وقد طرحت (أحرار) في وقت سابق أن تكون منبج بداية أولية لتطبيق هذه الخطة، بالتزامن مع خطة الطريق الموقعة بين واشنطن وأنقرة.
أضاف قوتلي معلقًا على الخطة الاقتصادية التي يطرحها التقرير: “المقال يطرح فكرة البدء عبر بوابة الاقتصاد، وهذه بوابة مهمة جدًا، وتمس احتياجات المواطن البسيطة، باتجاه وحدة سياسية مستقبلية، وبرأيي، يجب علينا دعم هذه الطروحات، وخصوصًا في ظل تعذر الوصول إلى حل سياسي مع نظام الحكم في دمشق”.
لكن الناشط السياسي عبد القادر عاكوب شكك في براءة الخطة وتوقيت طرحها، ورأى أن “التقرير ينطوي على مفارقات واستنتاجات قد تصل إلى حد التناقض، ناهيك عن أن المعارك الاقتصادية تأتي بمردود نسبي وطويل الأجل، في حين أن الشعب السوري بحاجة إلى حلول إسعافية، تنقذه من حالة التشرد والمعاناة، الأمر الذي ينذر بكارثة تمتد إلى أجيال، كما أن من كتب النظرية يعتمد الحياد الأخلاقي، وهو بذلك يطبّع جرائم وانتهاكات هي قبل كل شيء بحاجة إلى موقف حازم، من المجتمع الدولي الذي آلى على نفسه الدفاع عن حقوق الأفراد والجماعات”.
أضاف عاكوب، في حديث إلى (جيرون): “ويبقى التساؤل حاضرًا: لماذا لم يظهر التقرير قبل سنة من الآن، ويتم تحسين ظروف سوريي الشمال والشرق، مع أن الشروط كانت متوفرة؟ وهل تُعِدّ واشنطن لصراع اقتصادي لسنوات، بعد الصراع العسكري المدمر؟ ربما يؤجل الصراع بأشكاله استحقاقات إنسانية وقانونية، ويمكّن من الصمت عن الانتهاكات والجرائم”.
يذكر أن (مؤسسة راند) الأميركية أصدرت عام 2016 ما أسمتها (خطة راند للحل السوري) وضعت خلالها عدة سيناريوهات للحل في سورية، كان أحدها (اللامركزية المتماثلة)، حيث اقترحت (راند) أن يتم تقسيم سورية بشكل مؤقت إلى ثلاث مناطق: واحدة تحت سيطرة النظام، وثانية تحت سيطرة المعارضة، وثالثة تحت سيطرة الأكراد، تدار بشكل محلي حسب قطاعات السيطرة.