طبيعي جدًا أن يغدو اللاجئون السوريون، في مخيمات عرسال اللبنانية، أول المستهدَفين، لدى تنظيم (حزب الله)، وأول من يشتبه بهم، فهم بمثابة مرآة عاكسة لحجم الجرائم والفظائع التي ارتكبها بحقهم، حينما أنزل في أعناقهم سكاكينه في مدينة القصير، وغيرها من المدن والأرياف السورية، وأحالهم إلى لاجئين في شتى أصقاع الأرض.
واستكمالًا لعملية الانتقام منهم، يشدد الخناق عليهم، وهذه المرة عن طريق لبنان الرسمي، حيث تمت مداهمة مخيماتهم في عرسال عند الفجر، قبل نحو أسبوع، بآليات عسكرية وجنود مدججين بالسلاح، وراء ذرائع “أمنية”. ومعلوم أن لبنان الرسمي، ممثلًا بنوابه ووزرائه، لا يلتفت إلى اللاجئين السوريين إلا في لحظات الشبهات، والدواعي الأمنية، أما ما دون ذلك، فيتركهم يواجهون مصيرهم في المخيمات، تنقصهم أدنى مقومات العيش والكرامة، تاركًا أطفالهم من دون تعليم، وعناية طبية، في حين أنه صمتَ، كما صمت معظم اللبنانيين، عن مساهمة زمرة من اللبنانيين في قتل السوريين، ودفعهم إلى المصير الذي هم فيه، وعلى الرغم من أن لبنان الرسمي يتقاضى ملايين الدولارات سنويًا، لسد احتياجات اللاجئين السوريين على أراضيه، فإن تلك المساعدات تذهب إلى جيوب وزراء ونواب (حزب الله) وغيرهم من الفاسدين، وبذلك يصبح من المناسب جدًا إعلان عجز لبنان عن سد احتياجات اللاجئين.
لبنان، على ما هو عليه، أعجز من أن يصبح دولة، فهو محكوم من قبل ميليشيات وعصابات، حولته إلى شبه كانتونات، تضيق بأهله، وبالضحايا السوريين، فمن قتلَ وشرّد وهجّر السوريين إلى مخيمات عرسال، هم المسيطرون فعليًا على معظم الدوائر الرسمية والقرارات اللبنانية، وبالنسبة إليهم، ليس السوري وحده هو المستهدف والمشتبه به، بل حتى اللبناني المتعاطف مع السوري الضحية، وهم بخنقهم له، واقتحامهم للمخيمات، يريدون إرهاب السوري والضغط عليه، للتخلص منه، وإعادته إلى سورية، تطبيقًا لخطة بوتين، على الرغم من أن قرى وبيوت السوريين ما زالت محتلة من قبل هذه العصابات، ودماء أبنائهم لم تجف عن أياديهم بعد.
الضحيّة هنا تشكّل مرآة عاكسة لقبح القتلة، وتكشف أوهام وزيف مقاومتهم التي ظلوا يتاجرون بها سنوات طويلة، ولهذا يراد لتلك المرآة الكاشفة، أن تُكسر، وتسحق، وعلى ذلك يتمّ الاشتغال، بجهود حثيثة، لتحويل السوريين في مخيمات عرسال، من ضحايا إلى مصدر خطر على جميع اللبنانيين، وتعميم كراهية اللبنانيين تجاههم، مع تجاهل اللبنانيين لحقيقة أنهم هم أيضًا يساهمون في قتل وتشريد السوريين، من خلال وجود زمرة تمثلهم في لبنان الرسمي، ولهذا بات تطويق خطر اللاجئيين السوريين في عيون اللبنانيين، يحتاج إلى استدعاء قوات كبيرة من الجيش، تداهم مخيماتهم وتعتقل أكثر من 500 رجل وشاب، بينهم نساء، كمحاولة لنشر الذعر والخوف في قلوبهم، وهم الهاربون من الاعتقال والموت، وعلى ذلك؛ فإن القتلة لم يرتووا بعدُ من دماء ضحاياهم، ولم يكتفوا بتشريدهم، ولو أمكنهم أن يرموهم في البحر؛ لفعلوا. وما مطاردتهم ومداهمة مخيماتهم، سوى استهتار واستخفاف بكل القوانين والأعراف الإنسانية، على مرأى ومسمع المنظمات الدولية، التي في أحسن الحالات تكتفي بالتنديد.
إن الإفراط بالقوة يحتاج إلى ضحايا، حتى تختبر تلك القوة مقدرتها وبشاعتها، والإفراط في انعدام الأخلاق يتوق لتعميم الكراهية تجاه الضحايا، وكذلك الفشل والعجز في التحول إلى دولة، يتم تعويضه من خلال قمع الضحايا، ولذلك لا تخجل السلطات اللبنانية، وهي في أوج سعيها لترهيب اللاجئين السوريين ومداهمة خيامهم، من أن تدعي ممارستها لسيادتها على أرضها، وتطبيقها للقوانين وللعدالة، هذه القوانين والعدالة التي تُنتهك وتُغتصب كل يوم من قبل عصابات (حزب الله) الذين يُلقون بقيم العدالة والقوانين في حاويات القمامة، إلى أن بلغ تفاقم القمامة في لبنان حدًا بات يخنق الأنفاس، لكن كل هذا ليس مدعاة للخطر، بالنسبة إلى اللبنانيين، وليس عرضة للشبهات، لكون الفاعل هنا ليس اللاجئ السوري، وإنما هو مجموعة أعضاء ونواب ووزراء في الحكومة اللبنانية. فقط الضحايا السوريون، هم من يفسدون الحياة اللبنانية، وهم من يقلقون راحة اللبنانيين، وهم الخطر الجاثم على صدورهم، ولذلك يتم اختيار مخيماتهم، للعثور بينهم على الخونة والعملاء!!