تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

الجربا للمرة الثالثة في كردستان العراق.. ما الذي يبغيه؟

للمرة الثالثة على التوالي، حلّ رئيس تيار الغد السوري أحمد الجربا، ضيفًا على كردستان العراق، في 5 كانون الأول/ ديسمبر، ليلتقي مستشار مجلس أمن الإقليم مسرور بارازاني.

لم يوضح تيار الغد، في بيانه الصادر حول الزيارة، الكثير من التفاصيل، غير أنه أشار إلى أن الاجتماع “ناقش آخر مستجدات الثورة السورية المستمرة منذ سنوات، واتفق الطرفان على ضرورة تعزيز أواصر العمل المُشترك، وتقوية العلاقات الثنائية”.

تحمل زيارات الجربا المتكررة لكردستان العراق، التي جاءت أولاها، كرئيس للائتلاف الوطني، عام 2013، والثانية عام 2014، أهمية كبيرة؛ نظرًا إلى تواجد “قوات النخبة السورية”، الجناح العسكري لتيار الغد، في مناطق شرق الفرات التي تُسيطر عليها (قسد)، التي تحاذي كردستان العراق.

في إطار حالة تكرار الزيارات، يُطرح تساؤل مهم حول أهداف تيار الغد من هذه الزيارات المتكررة.

ربما في البداية، تجدر الإشارة إلى أن تيار الغد يبحث، على الأرجح، عن أداة ضغط تمكّنه من رفع مستواه الأمني والسياسي في منطقة شرق الفرات، لا سيّما بعد بدء حملات تهميش دوره السياسي والعسكري في المنطقة، حيث رفضت (قسد) استمرار “قوات النخبة” التابعة للتيار في المشاركة بعملية (غضب الفرات) ضد تنظيم (داعش)، وانقضّت، في أيار/ مايو 2018، على مقارّ القوات، وطالبتها بتسليم أسلحتها الثقيلة. وعلى الأرجح، تحركت (قسد) في هذا الصدد، مخافة محاولة التيار -وهو الفصيل العربي الوحيد والأكبر داخل قوات (قسد)ـ الالتفاف حول الحاضنة العربية في شرق الفرات، وبالتالي رفع مستوى سيطرته الأمنية، ومن ثم نفوذه السياسي على حساب (قسد).

وفي الغالب، يحاول التيار الاستفادة من حالة الخلاف الأيديولوجي، بين قيادة كردستان العراق وحزب الاتحاد الديمقراطي، ومن حالة الصداقة التي تربط بين عشيرة الجربا (شمّر) وآل بارازاني، من أجل لعب دور مهم في إدارة المعابر الحدودية بين شرق الفرات وكردستان العراق، أو تجاه قيادة كردستان العراق نحو الضغط على الاتحاد الديمقراطي، من خلال معبر (سيمالكا) الحدودي الوحيد بين المنطقتين، في سبيل تخفيف حدة الضغط على “قوات النخبة”، ومنحها دورًا نسبيًا. ولعل لقاء الجربا مع مستشار أمني يحمل دلالة نسبية على ذلك. ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو: ألم يتجه المجلس الوطني الكردي المنبثق، أيديولوجيًا وعسكريًا وأمنيًا وسياسيًا، عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، نحو توظيف ذات الورقة، وباءت جميع محاولته بالفشل؟!

لكن ربما يحاول التيار عرض فكرة الاتحاد مع القوات المعارضة للاتحاد الديمقراطي، ومساندة المجلس الوطني الكردي، من أجل تأسيس ميزان قوى فعال في الميدان، وبالتالي الحصول على اعتبار نسبي لدى التحالف الدولي الذي يحاول أصلًا احتواء القوات الفاعلة في المنطقة، في إطار مجالس إدارية محلية، لا سيّما القوات الفاعلة العربية التي بوجودها قد تخفف من حدة الدور التركي والاعتراض الكردستاني، وتمكّن التحالف الدولي من تأسيس مجالس إدارية متعددة التوجهات وليست أحادية الأيديولوجيا، لضمان حالة استقرار المنطقة بعد عملية التسوية. وإذا كان هذا السيناريو هو المُرجح من وراء هذه الزيارة؛ فإن نجاح الفكرة يقوم على مدى تمكّن القوى المُعارضة للاتحاد الديمقراطي في العمل بشكلٍ مشترك، على الصعيدين السياسي والعسكري، ليكون لهما اعتبار لدى التحالف الدولي الذي قد يمنحهم الدور الذي ينشدونه.

يبدو أن توقيت الزيارة الأخيرة يحمل أهمية كبيرة، إذ إنه يتزامن مع تحركات الاتحاد الديمقراطي نحو التفاوض مع النظام السوري، وتزامن تحرك الولايات المتحدة نحو ترسيخ نفوذها في منطقة شرق الفرات. ولعل تصريح عضو الأمانة العامة للتيار بهية مارديني، لصحيفة (عنب بلدي)، بأن “موقف التيار من شرق الفرات يتجسد برفض الحالة الراهنة، ويطالب بالتغيير عبر الحوار والمفاوضات”، خيرُ دليل على رجوح سيناريو ميل التيار إلى كردستان العراق، كأداة ضغط ضد الاتحاد الديمقراطي الذي يُشكّل عبر جناحه العسكري (وحدات حماية الشعب) العصبَ الأساس لـ (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد).

في الختام، بعد أن وضع (تيار الغد) ثقله السياسي والأمني، في إطار التعاون مع (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد)، في خضم توجه الأخيرة نحو التضييق عليه وعلى نفوذه الأمني والعسكري والسياسي في المنطقة الشرقية، لا سيّما الريف الشرقي لدير الزور؛ فمن الطبيعي أن يتجه نحو البحث عن قوة إقليمية توفّر له أداة ضغط وإمكان وصول إلى القوى الدولية. وعلى الأرجح، بحسبان التوقيت الحالي الذي تتجه فيه الأمور نحو التسوية، تأتي زيارة الجربا لكردستان العراق، في هذا الصدد.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق