يوشك الصراع في الشمال السوري أن يدخل مرحلة الانفجار، فعلى الأرض اغتيالات وانتهاكات من قِبل مجهولين، وفي الأفق تلوح ضربة بدأت بوادرها بقصف مكثّف لقرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي، تسبّب في حركة نزوح كبيرة لأهالي تلك المناطق، إلى مدينة إدلب وريفها الشمالي.
لا تتوقف الانتهاكات التي تحصل في الشمال السوري على ما يرتكبه نظام الأسد من جرائم؛ حيث يبدو أن هناك أطرافًا أخرى تكمل ما يقوم به النظام من جرائم بحق المدنيين عمومًا، والكوادر الإنسانية والإعلامية على وجه الخصوص؛ ما دفع تحالف (المنظمات السورية غير الحكومية) إلى أن يصدر بيانًا حول ما يحدث، من اعتقال تعسّفي وخطف وقتل لتلك الكوادر، كان آخرها عملية اغتيال رائد الفارس وحمود جنيد، التي أحدثت استياءً واسعًا في الداخل والخارج.
قال البيان الذي صدر يوم الاثنين 3 كانون الأول/ ديسمبر: “إننا في تحالف المنظمات السورية غير الحكومية، ندين الاعتقال التعسّفي للكوادر الإنسانية، كما نُطالب بالإفراج الفوريّ عنهم”، وأضاف: “التصرفات غير المسؤولة تنعكس سلبًا على سير العمل الإنساني، في منطقة شمالي غربي سورية التي تشهد أوضاعًا قاسية بالفعل، نتيجة تجمّع أكثر من أربعة ملايين مدنيّ فيها، وهم في أمسّ الحاجة للتدخل الإنساني، وتأمين المقومات الأساسية للحياة”.
من جانب آخر، يرى كثير من المتابعين أن لا قيمة لبيان كهذا، إذ إنه لا يحدد الجهة المسؤولة عن تلك الانتهاكات؛ ما يؤكد حالة الخوف التي بات الجميع يهجس بها، فمعظم من استهدفتهم عمليات الخطف والقتل، كانت انتقاداتهم للأوضاع الأمنية المتردّية السببَ في تغييبهم وتصفية بعضهم.
عن أسباب هذه الفوضى، تحدث المحامي عقبة باريش، وهو محام يقيم في غازي عنتاب في تركيا، إلى (جيرون)، وقال: “هناك أطراف عدّة تقف خلف حالة الفوضى التي تشهدها محافظة إدلب؛ أبرزها النظام، حيث إن من مصلحته أن تستمر القلاقل في المناطق الخارجة عن سيطرته، ليقنع معارضيه والرأي العام بحالة عدم الاستقرار التي تشهدها المناطق الخارجة عن سيطرته، حتى يطلب أصحاب تلك المناطق التي تشهد فوضى عارمة عودته إليها، وذلك من خلال فصائل تمكن من اختراقها، تضغط على المدنيين بانتهاكات لا تكاد تنتهي”.
وأضاف باريش: “إضافة إلى ذلك، هناك الوضع الاقتصادي المتردّي والمتمثّل في انعدام البنى التحتية التي تساعد في قيام نشاط اقتصادي حقيقي يسهم في توفير فرص العمل، ناهيك عن ارتفاع الأسعار؛ ما يدفع أصحاب النفوس الضعيفة إلى ارتكاب جرائم خطف وقتل ودعارة وتجارة الحشيش، لكونها تشكّل مصدر دخل لأشخاص ينتمون إلى بعض الفصائل. أما عمليات الخطف لبعض الكوادر الإنسانية والإعلامية، فهدفها الحصول على الفدية من أهالي المخطوفين، وابتزاز تلك الجهات التي يعمل بها هؤلاء، من أجل الحصول على حصص معينة من الدعم الإنساني والمالي الذي تحصل عليه هذه المنظمات، التي لا يسمح لها بالعمل إلا بعد الرضوخ لمطالب تلك الجهات”.
لم تكد إدلب تتنفس الصعداء بعد دخولها مناطق خفض التصعيد، حتى وقعت تحت رحمة حالة أمنية متردية، اقتتال مستمر بين فصائل لم تعد تمثل أحدًا منذ سنين، وباتت تشكل عبئًا إضافيًا على السكان المرهقين اقتصاديًا وأمنيًا، ولم تفلح الدعوات إلى إيقاف المظاهر المسلحة ورفع اللثام وترخيص السيارات، في الحد من الاغتيالات.
حول ذلك، يرى عبد الكريم القاسم من مدينة إدلب، في حديث إلى (جيرون)، أن “ظاهرة الاغتيالات هي نتيجة طبيعية لحالة الانقسام والاقتتال السائدة بين الفصائل، التي تنتهي بعد أيام باتّفاقات هشّة واحتساب للشباب القتلى عند الله، ولا ننسى أن النظام وحلفاءه تحدّثوا كثيرًا عن وضع كهذا سيتصدّر المشهد بعد تجميع المعارضين فيها، وسيؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الأمني في المنطقة، وصولًا إلى اقتتال الفصائل فيما بينها، وقد يدفع أهالي تلك المنطقة إلى تفضيل الحظيرة الأسدية على حالة الفوضى وانعدام الأمن، التي يقف خلفها في بعض الأحيان خلايا زرَعها النظام، وهؤلاء تسللوا إلى الشمال مع قوافل المهجرين من الغوطة مؤخّرًا، ليستكملوا الدور الذي قاموا به -على أفضل وجه- مسبقًا في الغوطة”.
إن اتّهام جهة محددة بالوقوف خلف الفوضى ينافي الحقيقة؛ لأن جهات كثيرة لها مصلحة في ترسيخ هذا الانفلات، والمستفيد الأكبر من وضع كهذا هو النظام، إذ يشكل ذريعة له ولحلفائه للجوء إلى الخيار العسكري، بحجة القضاء على التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وبحسب وكالة (الأناضول) التركية: فإن منطقة إدلب لخفض التصعيد، محاطة من ثلاث جهات، بـ 120 ألف من عناصر ميليشيا أسد الطائفية، ينتشرون في 232 نقطة.
يبدو أن إدلب قد كُتب عليها أن تدفع ثمن خروجها المبكر عن النظام، واحتضانها للمهجرين قسريًا إليها من مختلف المناطق السورية، حيث تتنامى فصول معاناة هذه المدينة يومًا بعد يوم، من قِبل أطراف خارجية وداخلية، لتصبح أمام احتمالين أحلاهما مرّ.