تحقيقات وتقارير سياسيةسلايدر

من الذي يعوّق العملية السياسية في سورية!

تزداد ملامح الأزمة السورية تعقيدًا؛ نتيجة إحجام الدول الفاعلة عن البحث عن حلول سياسية ناجعة، في مواجهة أطراف جامحة نحو الحل العسكري.

علينا الاعتراف بأن لا حصيلة تفاوضية يمكن الوقوف عندها حتى الآن، على الرغم مما يدعو إليه -ظاهريًا- الطرفان الفاعلان أميركا وروسيا: “أن لا حلّ عسكريًا للوضع القائم في سورية”، لكن تلك المفاوضات المستمرة لم تصل إلى نتائج محددة وواضحة على الصعيد السياسي، مع العلم أن النظام السوري تخلى عن السيادة، لمصلحة دولٍ وفّرت له (الحماية) من شعبه ومن الشرعية الدولية، وكذلك ابتعدت (المعارضة) من قضية الشعب السوري، وارتهنت للدول الراعية. وهكذا تحوّل مركز ثقل شعب – سلطة، إلى مصالح دول متفاوضة راعية تسعى لتحقيق مصالحها قبل أي شيء آخر.

ويمكن القول إن دور الأمم المتحدة في سورية هو سياسي بامتياز، وإذا ما توفرت الإرادة السياسية لدى الفاعلين الدوليين؛ أمكن تفعيل العملية والانطلاق حول خطوات إيجابية مستقبلية، وهذا ما أكده دي ميستورا المبعوث الدولي المنتهية ولايته بقوله إن الإرادة السياسية غير متوفرة، وأن لا حصيلة تفاوضية يمكن الوقوف عندها أو التعويل عليها، كمت أكد أن من عطّل مسيرة تشكيل اللجنة الدستورية هو النظام وداعموه، وهذا كان واضحًا من سلوك النظام الذي أبعد كل الخيارات سوى الحل العسكري.

على الرغم من أن كافة قرارات مجلس الأمن الدولي الأربعة الصادرة لوقف العنف في سورية (الأول في 3 آب/ أغسطس 2011، والثاني في آذار/ مارس 2012، والثالث في نيسان/ أبريل 2012، والأخير في تشرين الأول/ أكتوبر 2013) نصّت على وقف العنف المسلح، وتوفير المساعدات الإنسانية وإدخالها إلى المناطق المتضررة، والالتزام بالحل السياسي والعمل مع المبعوثين الدوليين من أجل عملية سياسية يقودها السوريون أنفسهم، وتطبيق الحل الفوري لخريطة الطريق الأممية التي لا تشمل دعوة الأسد إلى التنحي، وإنما تدعو إلى مرحلة انتقالية يقودها ممثلو النظام والمعارضة، فإن تلك القرارات جميعها باءت بالفشل بعد كل المؤتمرات واللقاءات.

السؤال الذي يطرح نفسه: من المسؤول عن فشل جهود كل المبعوثين الدوليين الذين استلموا الملف السوري، وآخرهم دي ميستورا الذي أبلغ مجلس الأمن أن النظام السوري هو من عرقل أعمال اللجان في جنيف ومعه حلفاؤه الروس والإيرانيون، وقد صرّح أمس الاثنين بأن “أكثر اللحظات حساسية ستكون في 20 من الشهر الجاري”، يوم يقدّم تقريره الأخير لمجلس الأمن. وربما يعلن أن النظام تحايل على قرارات الأمم المتحدة التي سعت لوضع حلول سياسية للقضية السورية.

لقد حاول النظام -منذ البداية- الالتفاف على قرارات مجلس الأمن وتقزيمها، وفق نظرية القضم والنفس الطويل وعدم التنفيذ ريثما يأتي ظرف ما يغير الحالة. وإزاء ذلك، صرّح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن على جميع الأطرف المعنية اتباع الطرق السياسية، وأن من السابق لأوانه الحديث عن إعادة الإعمار في سورية. وتبعه تصريح مسؤول ألماني اعتبر أن المساهمة في إعادة الإعمار سابقة لأوانها، ويجب أن يسبقها إنهاء الحرب. وهكذا يتبيّن أن الحلول السياسية لا تزال بعيدة، في ظل عدم توفر إرادة سياسية لدى الدول الكبرى المؤثرة، وتعطيل روسيا وإيران والنظام.

أما الشعب السوري -وهو صاحب القضية الأساس- فليس أمامه، بعدما تدخلت القوى الخارجية، إلا أن ينتظر الحلّ القادم من الخارج، بعد كل هذه الجرائم التي ارتُكبت بحقه، من اعتقال وقتل وتشريد وتهجير، ولكن هل ستتمكن الأمم المتحدة من فرض قرارات حاسمة توقف المأساة وتحاسب المسؤولين عنها، كما حصل في البوسنة والهرسك إبّان حروبها الداخلية حيث تمّ التوصل إلى اتفاق سلمي سُمّي “اتفاق دايتون” (وكان البوسنيون أيضًا -مثل السوريين- قد سئموا من قرارات الأمم المتحدة والحروب، ويمرون بمرحلة يأس، لكن الاتفاق أدخلهم مرحلة تحول صادقة نحو السلام) وتمّ فرض الاتفاق بالقوة عبر الأمم المتحدة، وإرسال جنود أمميين بعد أن تم قصف مناطق التوتر في يوغوسلافيا لوقف الحرب بين الفرقاء، وطُبّق أيضًا قانون دايتون لتنفيذ الإجراءات المدنية على شكل اتفاقات سلام، وفرض العديد من القرارات على الفرقاء في الحرب البوسنية.

بينما اقتصر دور الأمم المتحدة في سورية، على الصعيد الإنساني، في ظل تعطيل الحل السياسي، نتيجة تعارض مصالح دولية وإقليمية غير متوافقة، لا تأخذ بعين الاعتبار المأساة التي يعيشها الشعب السوري الذي أمسى رهينة في أيدي نظام الأسد والميليشيات التي جلبها لتدعم بقاءه.

وهكذا بقي التناقض بين المسارات قائمًا؛ فبينما ركز مسار جنيف على إحداث تغيير سياسي، عبر حكومة انتقالية تتمتع بشرعية ودستور يضمن الاستقرار، جعل مسار أستانا (روسيا وتركيا وإيران) الأولوية لوقف القتال وتخفيف التصعيد، وإنهاء وجود الجماعات المسلحة في مناطق خفض التصعيد، ثم يتمّ الانتقال إلى حلّ القضايا الإنسانية والمعتقلين والمساعدات. وعلى ذلك؛ فإن مسار أستانا لا ينشد حلًا نهائيًا، بسبب اختلاف المصالح الاستراتيجية بين أطرافه الثلاثة، واختلاف نظرتهم إلى خريطة الطريق إلى بلوغ مصالحهم؛ ذلك أن مدخل الروس منفعي براغماتي، والإيرانيين أيديولوجي طائفي، والأتراك أمني اقتصادي، وهي عقبات ذاتية بنيوية، بينما العقبات الموضوعية هي وجود مناطق سوريّة عدة خارج سيطرة الدول الثلاث، فضلًا عن عجز الدول التي تدعم بقاء الأسد عن إعادة المهجّرين وتحمّل أعباء إعادة الإعمار، معتقدة أن “انتصاراتها العسكرية” ستوصل إلى حلّ سياسي مستدام. إن من يفسد العملية السياسية في سورية هو النظام ومن يقف وراءه، لأنه يعرف جيدًا أنه سيكون خارج الميدان، إذا تمّت تلك العملية، ولن يكون له أي دور في سورية المستقبل.

فهل سيكون هناك دايتون سوري يوقف عجلة الدمار؟؟

……………………………………………………………………

  • اتفاق دايتون: جاء الاتفاق لوقف الفظاعات التي ارتكبت في البوسنة/ يوغسلافيا، وبسبب الخوف من انتشار التطهير العرقي والتهجير والتشطير إلى المناطق المجاورة، حيث تدخّل حلف الناتو عن طريق قصف جوي أولًا، ومن ثم إجبار الأطراف المتصارعة على الدخول في مؤتمر للسلام. وقد اتخذ مجلس الأمن قرارًا عام 1993 بتحديد ملاذات آمنة للمدنيين. ولم يتدخل الحلف الأطلسي إلا بعد قصف سراييفو في شباط/ فبراير 1994 ومجزرة سربرنتشا، وتدخّل بدون قرار من مجلس الأمن.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق